تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
قبل سقوط نظام مبارك ولسنواتٍ عديدةٍ لم يكن حازم صلاح أبو إسماعيل سوى مجرد واعظٍ مغمورٍ أو مذيع فاشلٍ على قناة فضائية -تزعم أنها دينية- مغمورة أيضا، يقدم عليها الوعظ الديني.
وحين كنتَ تنظرُ إليه نظرةً فاحصةً لا يمكنك سوى تصنيفه على أنه بُهلولٌ من دراويش وبهاليل جماعة التبليغ والدعوة والذين يجوبون القرى والنجوع ويسكنون المساجد والتكايا ويعيشون على فتات الناس تحت مزاعم الدعوة، والدين والدعوة منهم براء.
"الحاج حازم" وقتها ليس هو "مستر حازم" الذي ظهر بعد ذلك ويعرفه الناس اليوم، ولكنه كان شخصًا ذا لحية بيضاء كثة وبشكلٍ مخيف وجبينٍ ناتئٍ وعمامةٍ لها غذبةٌ مرخاةٌ على قفاه لتدفع عنه شيئًا من أكف المخبرين، وقد امتلأ جسمه لحمًا وشحمًا، وجلس على كرسي تكاد تسمع منه أنينًا بل وربما صرخًا واستغاثة من شدة ما يعاني من حمله الثقيل.
وما إن سقط نظام مبارك حتى كأنما أذهب عن الرجل عقله فطار وسقط مع النظام رشده، وكشف عنه قناعًا كان يلبسه من الدين والورع والزهد، ليخلع من ساعتها جلبابه وعباءته وعمامته -بعد أن أمن من أكف المخبرين- ليطوحهم! على طول يده وكأنما قد أزال عن نفسه حملًا كبيرًا، وأنهى عقودًا من تمثيل الدين وتصنع التدين.
ليظهر بعدها -وبقدرة القادر سبحانه!-" مستر حازم" وهو شخصٌ يختلف تمامًا عن "الشيخ حازم"، فهو "حازم آخر، آخر موديل"، يرتدي البدل "السينية" على حسب آخر صيحة في بيوت الموضة العالمية وكرافت متناسقة الألوان وشرابٍ مُلون، ولينزل التخفيض على لحيته رويدًا رويدًا، وكأن العلاقة بين طول لحيته وعقله علاقة عكسية، وكلما زاد ظهوره على الفضائيات طارت في مقابل ذلك شعرات من لحيته، وكأن الشهرة والإعلام التي تطيّر عقله ولبه وتأخذ بمجامع فؤاده وقلبه تطيّر معها شعره، وبعد أن كشف عن صلعته ورأسه أخذ يأكل من لحيته حتى كادت تطير وتختفي ليظهر ما تحتها من فكٍ وضبٍ و"كرمٍ ولغدٍ"، ليعلن وبمنتهى الوقاحة "أنا سعيد إن حضرتك سألتني السؤال ده"!
وما زال "مستر حازم بكْ" على حالته تلك طوال الفترة الانتقالية الأولى وطوال فترة حكم جماعته وعشيرته وأهله، في كل يومٍ ينزل التخفيض على لحيته شعراتٍ وعلى عقله أيضا وتذهب نشوة السلطة بها فيطير عقله مع شعرات لحيته ورأسه.
حتى أسقط الله ملكهم وأعادهم حيث مستقرهم ومكانهم وأذلهم وسامهم الخذيان بعدما كان قد تجبروا على الناس وتكبروا في الأرض وتعالوا على الناس وجعلوا أهلها شيعًا وكانوا من المفسدين وباعوا دينهم ووطنهم بحفنة من مالٍ لا قيمة لها، وامتهنوا العمالة والخيانة لصالح أعداء الإسلام والوطن، وفرطوا في أرض مصر وعرضها.
ليفاجئنا "مستر حازم" في أولى جلسات محاكمته ويطل علينا من قفص الاتهام وقد عاد إلى سيرته الأولى "الحاج حازم" وقد غسل عن لحيته الصبغة السوداء المحرمة وترك لها الزمام وأبعد عنها يد الحلاق فطالت واستطالت وملئت وجهه واقتربت من قفاه وكادت تشتبك وتتعارك مع شعر صدره وبطنه، وعاد "الشيخ حازم" مرة أخرى -أو كما يقال كلاكيت تاني مرة- و"عادت ريما لعادتها القديمة".