الثلاثاء 05 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

سليمان شفيق يكتب: المنيا التى لا يعرفها أحد

سليمان شفيق
سليمان شفيق
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مهد التوحيد والتشدد.. الفن والإرهاب.. الملائكة والشياطين

سينما تعرض فيلمين.. أحدهما للفن والآخر للإرهاب

 ثيودراكس زار المنيا فى منتصف الستينيات بالنادى اليونانى

 

(١)
طفولة الترسو تحت الشاشة


كلما مررت على أماكن دور السينما فى المنيا أتذكر أحلام الطفولة، والجلوس فى "ترسو" لأّنّ تذكرته كانت بقرشين صاغ ونصف أى "مية فضة"، نصف شلن، وكان مشاهدون الترسو يجلسون على دكك خشبية، تحت الشاشة، من أولاد البلد والصنايعية، وكانوا يعيشون الفيلم ويمتزجون بالأبطال ويصرخون لفريد شوقى فى خناقاته مع محمود المليجى متحمسين:"اضرب اضرب"، يرقصون مع تحية كاريوكا، ويهتفون حينما يتمّ تغيير البكرة وينقطع الفيلم ثوانى: "خلص يا كرياكو" اليونانى الذى كان يقوم بالعرض، ويبكون حينما يموت الحبيب أو الحبيبة، وكنت حينما يتوفر لى خمسة قروش، شلن أجلس فى صالة، وكانت مقاعد الصالة كراسى خشبية بنية اللون ولها ظهر يتحرك نستند عليه وكان يفصل بين الترسو والصالة سور بارتفاع متر تقريبًا، كانت صالة للطبقة الوسطى، وكان مشاهدوها أكثر هدوءا، وانفعالاتهم لم تكن تقل عن أهل الترسو ولكن دون إزعاج، فى الطابق الأعلى كان البلكون واللوج، وكان سعر البلكون عشرة قروش، ويجلس فيه كبار البلد، أما لوج فكان مكانًا مغلقًا مخصصًا للعائلات وسعر تذكرة اللوج ريال أى عشرين قرشًا، ولا أتذكر أننى جلست أبدًا فى البلكون أو اللوج، وكان رواد اللوج العرسان الجدد أما أغلب الموظفين والخواجات (لفظ كان يطلق على المصريين من أصل أجنبى) فكانوا يجلسون فى صالة.
كان بالمنيا حتى بداية سبعينيات القرن الماضى أربع سينمات:(ميامى وبالاس وفريال الصيفى وسينما السكة الحديد) إضافة إلى أماكن عديدة حتى بداية سبعينيات القرن الماضى كانت تعرض أفلام وهى سينما قصر الثقافة وسينما الجزويت (استمر نادى السينما بالجزويت حتى الآن ) والنادى اليونانى، وجمعية الشبان المسيحية "الواى"، وجمعية الشبان المسلمين وكورنيش النيل.. وللأسف لم يتبق إلا سينما واحدة فى نادى القوات المسلحة شرق النيل.


(٢)
كتف على النيل وكتف على الجبل


مهد الرجاء ما بين الحب والحزن تستند مدينتى كتفًا على النيل وآخر على الجبل وهكذا تفيض عذوبة من النهر وقسوة من الجبل
المنيا أنشودة أخناتون ومنية بن خصيب واستنارة طه حسين وعلماتية لويس عوض.. واجتهاد الشيخين مصطفى وعلى عبد الرازق.. وروحانية سيدنا الفولى والأسقف مكاريوس.. هكذا ألوذ بكل هؤلاء كما يلوذ العاشق بالعشق والمتصوف بحب الله، يا الله كيف تحولت إلى أن تنجب إرهابيين ؟!!
منذ أكثر من عشرين عامًا أكتب عن المنيا، مدينتى ومسقط رأسى، المنيا التى لا يعرفها أحد، يكتبون عنها مثل قصة العميان والفيل، كل من تحسس جزءً منه كتب عنه، هكذا كانت المنيا، من يتوقف أمام التطرف يكتب «إمارة الإرهاب»، ومن ينطلق من كورنيش النيل يتصور أنها «الإسكندرية» ومن يتجول فى الأحياء الراقية «أرض سلطان، شلبى، المنيا الجديدة»، يظن أنه فى مصر الجديدة والمهندسين، ومن يجلس فى كافيهاتها يعتقد أنه فى بيروت، وبعض القرى «كابول»؟؟
من المنيا خرج فجر الضمير والتوحيد والاستنارة أخناتون والشيخان على ومصطفى عبد الرازق ود. طه حسين وهدى شعراوى ود. لويس عوض ود. نعمات أحمد فؤاد ود. عمار على حسن وعبد الرحيم علي، وأيضًا فى المقابل خرج كرم زهدى وفؤاد الدواليبى وعاصم عبدالماجد، ونشأت فيها أفكار التكفير القطبية على يد شكرى مصطفى فى أبوقرقاص منذ نهاية ستينيات القرن الماضى، وتمت إدانة جماعته التكفير والهجرة باغتيال الشيخ الذهبى، وزير الأوقاف، عام ١٩٧٨م فى محاكمة عسكرية وانتهت بحكم الإعدام شنقًا لخمسة متهمين وكان منهم شكرى مصطفى.
المنيا بها ١٢٤١ قرية ونجعًا والأحداث منذ سنوات تتكرر فى «٤٢ قرية» والمنيا بها كل العصور الأثرية وغير مدرجة على خريطة السياحة!
أكبر تجمع مسيحى فى الشرق الأوسط «سكانها حوالى ستة ملايين مواطن ٪٣٥ منهم مسيحيون»، وترتفع حيازات المسيحيين وثرواتهم إلى أكثر من ٪٣٥ من الثروة المنياوية، بها حوالى خمسة آلاف مسجد وزاوية، و٦٢١ كنيسة، لجأ إليها السيد المسيح والعائلة المقدسة، وبها أكبر منظمات مجتمع مدنى وجامعة ومؤسسات دولية، ورغم ذلك فهى «مشتل للتطرف».
منذ ١٩٧٨ وحتى الآن مرّت بثلاث مراحل: ١٩٧٨-١٩٨١ كانت الجماعة متسيدة الإرهاب وبعد مقتل الرئيس السادات تقهقرت الجماعة من أسيوط إلى المنيا لأن قادتها الأكثر عنفًا ـ حينذاك من المنيا ـ عاصم عبدالماجد، كرم زهدى، فؤاد الدواليبى وآخرون، وتمّت إعادة التأسيس الثانى للجماعة فى المنيا وسيطروا عبر مسجد الرحمن بجنوب المدينة وكانوا يطبقون الحدود «عينى عينك» ويفرضون الجزية حتى ١٩٩٠، لتبدأ المرحلة الثالثة من ١٩٩٠ حتى المراجعات.
فى تسعينيات القرن الماضى بدأ الإخوان المسلمين يستقطبون بعض قادة الجماعة مثل محيى الدين أحمد عيسى والمهندس أبو العلا ماضى إلخ لتبدأ مرحلة الإخوان، ليظهر نجم سعد الكتاتنى ويصير نائب الدائرة، وصولًا لثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وتحالف الإخوان والسلفيين والجماعة وحصولهم على ٪٨٠ تقريبًا من الأصوات وحيازة المجرم محمد مرسى على ٪٧٨ من أصوات الناخبين فى المنيا، وتوغلهم واستيلائهم على الكثير من المناصب والنقابات إلخ.
بعد فض الاعتصامات الإرهابية فى رابعة والنهضة بلغت خسائر الوطن فى المنيا ٪٨٠ من محاكم وأقسام ومؤسسات الدولة، وتمّ التمثيل بأجساد ضباط وأفراد الشرطة فى سمالوط ومطاى، وبلغت نسبة خسائر الأقباط فى المنيا أيضا ٪٧٠ من الكنائس التى حرقت ونهبت.
من ١٩٦٠ وحتى ٢٠١٩، (٢٥) محافظًا من عبدالفتاح فؤاد وحتى أسامة القاضى بمعدل محافظ كل سنتين، ولكن هناك أربعة محافظين استمروا خمس سنوات وهم (اللواء عبدالفتاح فؤاد، اللواء صلاح الدين إبراهيم، اللواء عبدالحميد بدوى، اللواء حسن حميدة)، وستة محافظين جلسوا سنة فأقل وهم (أحمد كامل خمسة شهور مايو- أكتوبر ١٩٦٨، ويلاحظ أنّ التغييرات تمت ارتباطًا بورقة أكتوبر١٩٦٨ والفريق محمود ماهر ١٩٦٨/١٩٧١ وارتبط تغييره بما سمّى ثورة التصحيح ١٩٧١، إبراهيم بغدادى من مارس وحتى مايو ١٩٧١، أقل من شهرين وكان محسوبًا أيضًا على ما سمّى مراكز القوى، اللواء سمير سلام ٢٠١١/٢٠١٢، وارتبط التغيير السريع بثورة ٢٥ يناير وما تبعها) 
ود. مصطفى عيسى ارتبط تغييره بثورة ٣٠ يونيو لأنه كان من الإخوان، وما تبقى لم يزد على سنتين وعدة شهور. أيضًا كما هو واضح أنَّ محافظة المنيا تهمّ الرؤساء جدًا ونعرف ذلك من علاقة التعيين والتغييرات لمن تمّ إقصاؤهم بثورات (ورقة أكتوبر ١٩٦٨ وثورة التصحيح ١٩٧١، وانتفاضة يناير ١٩٧٧، وثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وثورة ٣٠ يونيو). أى أنَّ محافظى المنيا من القيادات المهمة دائمًا، وليس أدل على ذلك من أنَّ كل حدث كبير منذ ١٩٦٨ وحتى الآن يتمّ إقصاء محافظ دون أنَّ يكمل العام، وبعضهم تمَّ سجنه، كما أنَّ المحافظة محل اهتمام أمنى، ورغم اهتمام الدولة بالمنيا فهى متأخرة فى معدلات التنمية، وتكاد تكون بلا صناعة، والجامعة لم تقدم تنويرًا حتى الآن بل خرج من بين صفوفها كرم زهدى وعاصم عبدالماجد وصولًا للكتاتنى.


(٣)
مدينة كوزموبوليتان


كانت السينمات قبل عرض الأفلام تسير فى زفة للفيلم الجديد تتقدمها فرقة حسب الله ذات الطبول والآلات النحاسية وأمامها رجل مثل البلياتشو يرتدى زى كاريكاتورى أقرب إلى لبس شارى شابلن، وخلفة عربة يجرها حصان عليها لوحتان متقابلتان على شكل هرم.. بهما افيشان الأول للفيلم العربى والآخر للفيلم الأجنبي، وتسير الزفة من أول المنيا قبلى أى شارع التجارة والجزارين وحتى أول أرض سلطان التى كان أغلبها لايزال أراضى زراعية ولم تمتد وتبدأ فقط عند المنيا الثانوية بنين وصولًا لنادى المنيا، كنا نسير مع الزفة لأنه فى نهايتها كانوا يوزعون تذاكر ترسو على من شاركوا فى الزفة من أولها لآخرها، هذه الزفة كانت تتوقف عن العزف والرقص إذا مرت بمأتم أو مسيرة ميت.
حتى بداية ستينيات القرن الماضى، كانت المنطقة المجاورة لمبنى المحافظة لم يطالها البناء، وكانت مواجهة للكورنيش وتسمى منتزه فاروق ولم يكن هناك من مبانٍ سوى فيلا صغيرة للنادى اليوناني، أرض بها نجيل وأشجار فاكهة وكم كنت أنا وباقى الأطفال نذهب إلى هناك لالتقاط ما يسقط من ثمار التوت أو الجوافة، كانت هناك فرقة موسيقية تذهب يومى الخميس والسبت تعزف، وتجلس العائلات تستمع فى إصغاء حقيقى، وبعد العزف يقوم النادى اليونانى بعرض فيلم أجنبى للجالية المصرية اليونانية، وكانت الأسر اليونانية تجلس بجوار الأسر المصرية فى محبة وهناك علاقات عاطفية تكونت بين شباب وشابات من الاثنين، وبعد انتهاء الفيلم يقوم أول ناقد أعرفه فى حياتى وهو خريستو بمناقشة الفيلم مع الحضور وأذكر فى ١٩٦٦ جاء إلى المنيا لأول مرة فيلم " زوربا " وعرض فى منتزه فاروق بمعرفة الناقد خريستو بتقديم الفيلم وقدم رجل جميل له ذقن وابتسامة عرفت حينذاك أنّ اسمه "سودراك"، ولكن كبرت وعرفت أنه الفنان العظيم ثيودراكس وشاهدته فى زيارته لبيروت ١٩٧٩، ومن خرستو تعلمت لأول مرة كلمة" المقاومة"، وفيما بعد فى سن الشباب عرفت عمّ خريستو مرة ثانية كرفيق شيوعى.
ميكيس ثيودوراكيس (ثيودراكس هو موسيقار وسياسى يونانى ولد فى ٢٩ جويلية ١٩٢٥. ارتبط اسمه عند كثير من الناس بموسيقى فيلم «زوربا اليوناني» للمخرج مايكل كوكيانس المأخوذ عن رواية لنيكوس كازانتزاك. عرف عنه وقوفه مع قضايا حقوق الإنسان، وهو يعد من أبرز الشخصيات الدولية المساندة للقضية الفلسطينية، وكان يظهر كثيرًا فى حفلاته بالكوفية الفلسطينية).
وفى المنيا كان اليونانيون المنياوية جالية كبيرة لها ناديان الأول المذكور بُنى مكانه جمعية الشابات المسلمات، والمقر الثانى مكانه الآن نقابة المحامين.
وكانوا هم وراء الفن والسينما فمن كان يدير الأفلام فى سينما ميامى كرياكو ومن يدير الأفلام فى سينما بالاس وفريال بنيوتى الشاب الجميل الذى تزوج من فتاة مصرية بنت عمى المرحوم فرج الله، صاحب البوفيه،وكنت أقابله دومًا ورحل إلى "ربة"، ولست أدرى ما هو سرّ أنّ معظم اليونانيين فى المنيا كانوا متزوجين من منياويات وأذكر أنّ أول مجلة للسينما ربما فى الصعيد صدرت لمرتين من النادى اليونانى وكانت تحتوى على صور لليونان والإسكندرية وتقديم ونقد للأفلام اليونانية أو التى عن اليونان أو الإسكندرية، وكان لدى نسخة من هذه المجلة ولكنها ضاعت، ولم يكن بالمنيا فقط يونانيين بل يهود أغلبهم يعملون فى القطن وبيع الساعات، وقبارصة يهتمون بالأزياء والخمور، وإيطاليين أذكر منهم ربرتوانطونيو صاحب محلات راديو وكاميرات وأول مرة أشاهد بها كاميرا سينما كانت عند هذا المحل الذى كان بجوار اجزخانة شمالى القبلية بالشارع الحسينى القبلى، وكان لهم مقابر خاصة وكنائس منها ماريوحنا الآن والمقابر والسينما الأخرى كانت مكان كنيسة القديس موسى الأسود بأبى هلال.


(٤)
ميامى والناصر صلاح الدين


كنت مازلت فى الابتدائى بمدرسة أبناء الثورة، وبعد إنتاج فيلم الناصر صلاح الدين كانت ناظرة المدرسة أبلة حكيمة السويفى ومدرسة التاريخ أبلة سكينة (وهى والدة شهيد فى انتفاضة ١٩٧٧) رحم الله الجميع يقدمون لنا كل صباح جزء شفهى فى الإذاعة المدرسية عن صلاح الدين الأيوبى، وبعد انتهاء تلك الأجزاء كان كل يوم يذهب فصل من فصول المدرسة إلى سينما ميامى لمشاهدة فيلم الناصر صلاح ستظل سينما ميامى عنوانًا لإدراك معانى كثيرة محفورة فى مخيلتى.


(٥)
فريال وميدان بالاس ومشاهدة القمر وصديقتى الإيطالية


تبقت سينما فريال الصيفى وكانت فى ظهر سينما بالاس، وكانت بالاس سينما شتوى، وفريال صيفى، وكلاهما يدير الأفلام فيهما بنيوتى اليونانى المصرى وسينما بالاس فى الشارع الحسينى ولا تبعد كثيرًا عن ميدان بالاس أرقى ميادين المنيا ومركز الثورات والانتفاضات (١٩١٩ وانتفاضة ١٩٧٧، وثورتى ٣٥ يناير و٣٠ يونيو وللأسف حاول الإخوان الاعتصام بها على غرار اعتصام رابعة )، وفى ميدان بالاس أيضًا كان قصر صاروفيم باشا الذى تحول إلى مقر للحزب الوطنى، وكانت سينما ميامى فى امتداد الميدان أما سينما فريال فكانت فى شارع ابن خصيب الموازى للشارع الحسينى، ويأتى الشارعان عموديان على ميدان بالاس، وهكذا كانت السينمات الثلاثة فى قلب المنيا وحول ميدان الثورات والانتفاضات، كانت سينما بالاس بجوارها كافتيريا "روزينا " مقر للمثقفين، وبجوار سينما ميامى كافتيريا "كيمو" وكان بكلا الكافتيريتين بار، واختلفت كيمو عن روزينا فى أنّ أغلب روادها كتاب وفنانين وأذكر حينما تمّ هدم المبنى قام الأديب مصطفى بيومى والمرحوم فتحى فرج بجمع توقيعات من أدباء ومثقفى المنيا لمنع الهدم، وكنت أقف أمام سينما بالاس وفريال لجمع توقيعات لذلك.
كان الجيران حول سينما فريال يقفون فى البلكونات لمشاهدة الأفلام، وكانت هناك أسرة إيطالية تسكن فى إحدى تلك البيوت وكانت فتاة إيطالية تجلس فى الشرفة وكنت أذهب إلى السينما وأجلس فى الترسو حتى أشاهد وجه الفتاة الإيطالية ووجهها يطلّ من بعيد وينافس القمر، ومن أحد الأصدقاء عرفت أنَّ الأب الإيطالى سمّى ابنته على اسم السينما فريال.


(٦)
سينما الشارع بدأت من المنيا

 

كانت السينما هى لسان حال الحكم قبل الصحف، وعيون حكام يوليو التى تحاول أن تصل من خلالها إلى الناس، ولذلك كانت هناك مرتان أسبوعيًا يتمّ عرض أفلام على كورنيش النيل وكان اختيار الأماكن من الناحية القبلية للكورنيش بجوار مسجد سيدى الفولى من ناحية النيل، وكانت الأسر من الحى الجنوبى (أبو هلال الذى كان يسمى أرض المولد ومقر للطرق الصوفية وهى تخرج فى مولد النبى فى موكبين رسمى وشعبى ) وللأسف بعد سيادة الجماعة الإسلامية والجهاد على الحى تمّ تسميته حى مكة.
كانت الأفلام التى تُعرض هناك يسبقها الجريدة السينمائية الناطقة حول أخبار الرئيس جمال عبد الناصر، وكانت تمتد إلى حوالى نصف الساعة، وكان يقدم الفيلم عمى الفنان السرجانى وكان ممثل مسرح كبير ومثل أيضًا فى فيلم "أحلام هند وكاميليا " فى دور النصاب الذى سرق فلوس هند وكاميليا، وكان يقدّم الأفلام بصوته الجهورى، ويحى الجمهور وكأنه فى فرح وكان الجمهور يهتف له " قول تانى يا سرجانى "، وأذكر أثناء عرض فيلم رصيف نمرة خمسة وأثناء تعارك فريد شوقى وزكى رستم، حدثت مشكلة بين المشاهدين من أنصار فريد شوقى وزكى رستم وهرب عم سرجانى خوفًا من ضرب الطوب.
إلا أنّ سينما الشارع كانت تطلّ من عيون المنيا أقصى الشمال النادى اليونانى وأقصى الجنوب سينما قصر الثقافة التى كانت تعرض ما بين منطقة الفولى وأرض سلطان ومن تلك المناطق تولدت مشاعر كبيرة لفنانين من تلك المناطق والعزب ومنهم عم السرجانى والمخرج المنياوى الكبير وعمنا جمال الخطيب والشاب الفنان حسن رشدى وآخرين.
لم تكن فقط هناك سينما الشارع بل وسينما للعمال وهى سينما السكك الحديد وكانت الهيئة لها نادى ومازال أمام مستشفى الرمد وكانت تعرض فيلمين وكان معظم الرواد من أسر أبناء الموظفين والعمال فى الهيئة وظلت هذه السينما تعرض حتى منتصف تسعينيات القرن الماضى وتوقفت، وكما كانت جمعية الشبان المسيحيين تعرض فيلم أسبوعيًا مع ناقد.


(٧)
الآباء اليسوعيون فى المنيا مدرسة سينمائية


لا يمكن لأى كاتب عن تاريخ السينما فى المنيا أن ينسى دور نادى سينما الآباء اليسوعيين " ما قدمه من الأربعينيات وحتى الآن، تمّ تأسيس مقرّ للآباء اليسوعيّين فى الصعيد، يجعلهم أكثر قربًا من أهله ويسهّـل لهم القيام بأعمال الرسالة فيه. وشاء الله أن يستأجر الأب "أوتيفاج" فى أكتوبر العام ١٨٨٧ بيتًا صغيرًا فى المنيا، ثم اشترى حديقةً واسعةً كانت مِلكًا للمديريّة، بنى عليها الكنيسة ومقرًّا للآباء وجزءً من المدرسة الحاليّة وانتهت هذه المبانى العام ١٨٩٠.. وكان الاختيار فى الحى الجنوبى أرض المولد أبو هلال، فى نظرة فاحصة من الآباء الأوائل لإدراك أفقر الفقراء فى المنيا وقبل أى أحد آخر، واستمر الآباء اليسوعيون فى العطاء حتى تأسيس جمعية لخريجى الجزويت والفرير فى بداية الستينيات، وكانت فى البداية تهتم باللقاءات وإحياء المناسبات الهامّة، وكان من أول اهتماماتها تنمية الإنسان وفى القلب منه نادى السينما، وكان الله قد أراد أن تستمر مسيرة السينما بعد هجوم المتشددين على السينما والمسرح وإغلاق كل السينمات، بقيت سينما الجزويت وفى منتصف ثمانينيات القرن الماضى كان يشرف على النادى كل من الأب وليم سيدهم والمرحوم فايز سعد اليسوعى، كان نادى السينما يعرض فيلمًا حديثًا من أفلام لا تعرض فى السينمات فى القاهرة ويقوم ناقد بالحوار على الفيلم مع جمهور مشاركين، وأذكر أن قام كل من مصطفى بيومى وعبد الرحيم على وحسن شعراوى وأنا باستضافة الكاتب والأديب أسامة أنور عكاشة وتمّ عرض فيلم "كتيبة الإعدام "، أما الصديق العزيز حسن شعراوى فكانت تجربته الأعمق مع الفرير فايز سعد الذى أعطاه مساحة للتمكين بتأسيس نادى سينما جزويت المنيا الفترة من ١٩٩٠ وحتى ١٩٩٢ وكان مسئولًا ومبرمجًا لأفلامه لمدة سنتين كاملتين يعرض فيه كل اثنين فيلمًا أجنبيًا أو مصريًا ويعقبه مناقشة مع جمهور المنيا الرائع التى كانت قاعة جزويت المنيا ممتلئة بهم فى حوار شيق ودافئ، كل ذلك يؤكد دور المنيا فى السينما فى كل الأحوال والأزمان ورغم إغلاق كل تلك الدور فلازال نادى سينما الجزويت وسينما القوات المسلحة يعملون رغم التشدد والإرهاب.