قالت الإعلامية داليا عبدالرحيم، رئيس تحرير جريدة البوابة، ومساعد رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لملف الإسلام السياسي، إنه في نهاية يونيو الماضي أعلن بيان صادر عن قادة الجماعة الإسلامية في إندونيسيا قرارهم بتفكيك الخلايا المسلحة التابعة للتنظيم، وقيامهم بإجراء مراجعات فكرية وفقهية لنهج العنف المسلح الذي مارسته الجماعة على مدار الثلاثين عاما الماضية منذ تأسيسها في عام 1993، وأن الجماعة ستلتزم “بنهج الإسلام القويم”، وأنها ستحرص على الامتثال للدولة والقانون وستعيد صياغة برامج التربية والتعليم في مدارسها وفقًا لتلك الضوابط الفقهية والسياسية والاجتماعية سعيًا للانخراط السلمي في المجتمع الإندونيسي.
وعرضت “عبدالرحيم”، خلال تقديمها برنامج "الضفة الأخرى"، المذاع عبر فضائية "القاهرة الإخبارية"، تقريرًا بعنوان “المراجعات الفقهية للجماعة الإسلامية في إندونيسيا”، للتعرف على أهم ما جاء في بيان قيادات الجماعة الإسلامية في إندونيسيا بوقف العمليات الإرهابية وحل الخلايا المسلحة والتعرف على تاريخ ومسيرة الجماعة.
وأوضحت أنه من المفيد أن نتعرف في إيجاز على إندونيسيا بشكل عام، وهي دولة آسيوية تقع في جنوب شرق آسيا وتتكون من 17 ألف جزيرة، والنظام السياسي فيها جمهوري وحصلت على استقلالها عام 1948، ويقترب عدد سكانها من 280 مليون نسمة، والغالبية العظمى منهم من المسلمين وهي واحدة من الدول التي أطلق عليهم "النمور الآسيوية" في إشارة لما حققته تلك الدول من نمو كبير اقتصادي واجتماعي في الربع الأخير من القرن الماضي، وتعتبر من أكبر عشرين اقتصاد على مستوى العالم بسبب وفرة مواردها الطبيعية وما حققته من نهضة وتنمية اقتصادية؛ ولكنها شهدت أزمات اقتصادية حادة عقب الهجمات الإرهابية على منتجعاتها السياحية في جزيرة بالي عام 2002 وكذلك كانت من أكثر الدول تضررًا من الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008.
وعرضت إنفوجرافًا بعنوان “أبرز عمليات الجماعة الإسلامية في إندونيسيا”، موضحة أنه لإندونيسيا تاريخ في تواجد الأفكار المتطرفة والممارسات الإرهابية على أراضيها؛ فقد نجحت جماعة الإخوان منذ أربعينات القرن الماضي في تجنيد عناصر من الطلاب الوافدين من إندونيسيا للدراسة في جامعات مصر، وارتبطت بعض قيادات تنظيم "دار الإسلام" الذي تأسس في بدايات خمسينات القرن الماضي بعد استقلال إندونيسيا بأفكار جماعة الإخوان، وخرج من رحم تنظيم “دار الإسلام” تنظيم الجماعة الإسلامية عام 1993 وقاد الجماعة "عبدالله سن غكر"، وأبوبكر باعشير والذي انشق عن الجماعة ليؤسس تنظيم "أنصار التوحيد"، والذي أكد على الاقتداء بنهج حسن البنا وحرص على بناء التنظيم اعتمادا على "الأسر" بالمفهوم الإخواني وإلزام العضو العامل في التنظيم على دفع 5/1 (خمس) دخله الشهري للتنظيم، وحرص أيضًا في تتبعه للنهج الإخواني على البدء بالدعوة وتشكيل الأسر ثم الانتقال لمرحلة الجهاد وتشكيل الجناح المسلح للتنظيم وهو تنظيم “أنصار التوحيد"، وبالفعل فقد شرع التنظيم تحت قيادة باعشير في تنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية في إندونيسيا خلال السنوات العشر الأولى من الألفية الحالية.
وتابعت: ويعتبر أبوبكر باعشير الأب الروحي للتنظيمات المسلحة في إندونيسيا؛ بل وفي دول شرق آسيا كلها لذلك تم تصنيف جماعته الأم “الجماعة الإسلامية” في إندونيسيا وأذرعها كجماعة إرهابية وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي في أكتوبر 2002 عقب هجمات بالي، والتي تعتبر ثاني أكبر عملية إرهابية بعد هجمات 11 سبتمبر، وقد أعلن أبوبكر باعشير بعد لقاء له مع عبدالله عزام وأسامة بن لادن في باكستان عام 1998 الولاء والبيعة لتنظيم القاعدة، ومع سطوع نجم تنظيم داعش وإعلان دولة خلافته المزعومة في 2014 بارك باعشير تلك الدولة ودعا أنصاره لدعم "الإخوة في داعش".
واستطردت: ويعد ابوبكر باعشير الأسم الأبرز والقيادي الأشهر من 16 قيادة وقعت على بيان المراجعات، والذي تعود جذور عائلته إلى أسرة يمنية من حضرموت هاجرت واستقرت في إندونيسيا حيث ولد أبوبكر باعشير عام 1938، وعلى خلفية نشاطه الدعوي وممارسته المتطرفة تعددت مرات اعتقاله ومحاكماته وسجنه منذ عام 2004 وحتى عام 2021؛ حيث تم الإفراج عنه وأعلن عقب خروجه من السجن أنه سيتفرغ للدعوة و للتدريس في المدارس التابعة للجماعة، وأعلن رفضه للعنف ومحاربة الدولة، وكأنه بذلك الإعلان يُمهد للخطوة التي أعلنتها الجماعة بمراجعاتها المعلنة في الأسابيع الماضية.
كما عرضت تقريرًا بعنوان “مراجعات الجماعة الإسلامية في إندونيسيا.. هل تنهي خطر الإرهاب في جنوب شرق آسيا؟”، والذي يُسلط الضوء على بيان المراجعات ودوافعه، وهل ستلتزم الجماعة وفصائلها المسلحة بما تعهد به قادة الجماعة، وهل سيضع نهاية لأفكار وممارسات الإرهاب في إندونيسيا وجيرانها من دول جنوب شرق آسيا.
وقالت إنه لا شك أن أي مبادرة أو جهود تُبذل لوقف العنف والإرهاب، ولتصحيح ومراجعة نهج التطرف والعنف ونبذ الأفكار والممارسات البعيدة عن صحيح الدين، وتقديم جوهر الإسلام السمح وتعزيز ثقافة الحوار وقبول الآخر فأن هذه المبادرات والجهود تستحق في أي مكان وأي وقت الإشادة والترحيب والدعم؛ لكن هذا لا يُصادر الحق في التوقف الموضوعي للبحث في دوافعها وجديتها وحرص أصحابها على الالتزام بها وتنفيذها على أرض الواقع بمصداقية وحسم، وهنا أود أن أضع عددًا من الملاحظات الأولية التي يجب وضعها في الاعتبار ونحن نتناول تلك المراجعات التي أعلنتها الجماعة الإسلامية في إندونيسيا.
وأوضحت أن أول تلك الملاحظات أن الجماعة في الخمسة الأخيرة عانت من الانشقاقات وغياب القيادات البارزة ذات التأثير والإلهام لعناصرها، وثاني تلك الملاحظات النجاح الملموس لاستراتيجية التعاون الأمني بين دول شرق آسيا خاصة إندونيسيا وماليزيا والفلبين من خلال خطط مواجهة منسقة ومتكاملة للعناصر الإرهابية وخلاياها المتحركة بين تلك البلدان والتي أسفرت عن إلقاء القبض على الكثير من تلك العناصر وإحباط وإجهاض عمليات إرهابية قبل الشروع في تنفيذها.
وأشارت إلى أن ثالث تلك الملاحظات يتمثل في نجاح أجهزة الأمن في إندونيسيا من خلال إدارة مكافحة الإرهاب "الفرقة 88" في إعادة التأهيل وتصحيح المسار لعناصر داخل السجون تورطت في أفكار وممارسات التطرف والإرهاب، ورابع تلك الملاحظات نجاح تنظيم داعش في السنوات الأخيرة في جذب عناصر بل وكوادر قيادية منتمية للجماعة الإسلامية ولغيرها من التنظيمات المحلية ودفعها لتغيير ولائها وإعلانها البيعة لداعش، وخامس تلك الملاحظات ما كشفت عنه حكومة إندونيسيا في نهايات عام 2022 من مخطط الجماعة بإعطاء أولوية لنقل بعض كوادرها وعناصرها المتميزة للتسلل داخل مؤسسات الدولة وأجهزتها المدنية والدينية لنشر أفكارها وتجنيد عناصر جديدة، وهو المخطط الذي تم تسميته "التمكين المجتمعي".
واختتمت أن سادس تلك الملاحظات أن إعلان تفكيك الشبكة المسلحة للتنظيم لا يعني انتهاء البنية التنظيمة العسكرية للتنظيم، خاصة مع وجود مؤشرات ودلالات على أن قيادات وسطى وكوادر شابة تُعارض وترفض قرار التفكيك، وما زالت معسكرات تدريب عسكري موجودة في بعض الجزر الإندونسية وتخضع لقيادات بعيدة عن سلطة القيادة المركزية للجماعة، وسابع الملاحظات حول مدى قدرة وجدية ورغبة كوادر الجماعة في الانخراط والاندماج المجتمعي وقبول المشاركة السياسية والاجتماعية وفقًا لقواعد الدستور والقانون أم سيظل حرص الجماعة على التسلل الناعم والسعي لتمرير"كامل رؤيتهم" المرتكزة على جوهر أفكار الجماعة التي ترفض الدستور والقانون المدني؛ ما يُعزز هذا التوقع المشاركات والشعارات التي رفعتها عناصر الجماعة في التظاهرات المعارضة للحكومة والتي شهدتها البلاد مؤخرًا.
من جانبه قال الدكتور كمال حبيب، الباحث والمتخصص في شؤون الحركات المتطرفة، إن الجماعة الإسلامية في أندونسيا كبيرة ومنتشرة بصورة كبيرة، مشيرًا إلى أن هذه الجماعات أسست في بداية الثمنينات في ماليزيا، ومن ثم انتقلت إلى أندونسيا.
وأضاف "حبيب"، خلال لقائه ببرنامج "الضفة الأخرى"، الذي تقدمه الإعلامية داليا عبد الرحيم، المذاع على فضائية "القاهرة الإخبارية، أن الجماعة الإسلامية في أندونسيا تعمل على تطبيق الإسلام غير العربي على حد تعبيره، أو ما يسمى الإسلام المكتسب، مشيرًا إلى أن الجماعة الإسلامية في أندونسيا استقبلت بعض الأفكار المتشددة مثل أفكار تنظيم القاعدة، وأصبحت هذه الجماعة تحتوي على فكر متشدد، ومارست بعض أعمال العنف.
وأوضح أن مراجعات الجماعة الإسلامية في أندونسيا مهمة جدًا، لأنها جماعة كبيرة ومنتشرة ومؤثرة، مشيرًا إلى أن الانتقال من التشدد والعنف، واستخدام القوة كأداة لإقامة الدولة أو الخلافة الإسلامية أمر جيد، مؤكدًا أن الجيل الحالي للجماعة الإسلامية أصبح مختلفًا عن السابق، وأصبح يُدرك الحياة بصورة أفضل من الأجيال السابقة.
وأشار إلى أن الشباب المنضم للجماعة الإسلامية في البداية لم يكن متزوجًا أو لديه أي التزامات، وكان يعتقد بأنه قادر على استخدام القوة لتفعيل أفكاره، منوهًا بأن القيادات القديمة في الجماعة الإسلامية بأندونسيا بلغت رشدها، بعد أن اكتسبت الكثير من الخبرات، جعلتها تتخلى عن العنف، ولذلك أعلنت الجماعة عن القيام ببعض المراجعات الفكرية لتغيير الأفكار والإدراك لهذه الجماعة.
وأكد أن الجماعات التي تستند إلى العنف أو القوة تحمل في داخلها بذور الفناء، خاصة وأن الكثير من هذه الجماعات تقوم ببعض الأعمال البعيدة عن تعاليم الإسلام، مما يحدث صدمة لدى الكثير من الأعضاء، موضحًا أن تجارب الجماعات الإسلامية في المراجعات الفكرية تُشير إلى أن الكثير من الأعضاء يقومون بمراجعات فكرية حقيقية للأفكار المتطرفة، ولكن هذا لا يعني أن بعض الأعضاء قد يقومون بمراجعات شكلية، معقباً: "علينا ألا نفتش في النوايا، وننظر إلى النتائج في أرض الواقع"
ولفت إلى أن اللجان المسؤولة عن مواجهة التطرف في أندونسيا دعمت إعلان الجماعة الإسلامية عن القيام ببعض المراجعات الفكرية، وتنتظر رؤية نتائج هذه المراجعات على أرض الواقع، موضحًا أن تغيير أفكار الجماعات المتطرفة مهم، ولكنه قد يأخذ بعض الوقت، ويكون من خلال التعليم، أو الإعلام، أو منح الثقة، أو مشاركة المجتمع المدني.
ونوه بأن إعلان الجماعة المتطرفة عن القيام بمراجعات فكرية خطوة نحو تغيير أيدلويجية هذه الجماعة، موضحًا أن هناك الكثير من الجماعات التي تتبنى العنف، مثل تنظيم داعش الإرهابي الذي يُشكل تحديًا كبيرًا في المنطقة، مشيرًا إلى أن عنف داعش قد يكون أحد أسباب إعلان الجماعة الإسلامية عن قيام بعض المراجعات الفكرية.
واستطرد أن الجماعة الإسلامية في اندونسيا ترى أن داعش مصطنعة بهدف إقادة أو تلويث الدين الإسلامي، مضيفًا أن أي مراجعة لجماعة تقوم بأعمال عنف داخل المجتمع من شأنه أن يؤدي إلى نوع من الراحة داخل المجتمع، موضحًا أن الجماعات الإسلامية تتشابه مع بعضها البعض من حيث طريقة التفكر، وممارسة العنف، مشيرًا إلى أن هناك تشابهًا كبيرًا بين الجماعة الإسلامية في مصر التي قامت بوقف العنف، وقامت بالعديد من المراجعات الفكرية، وبين الجماعة الإسلامية في أندونسيا التي أعلنت الآن عن القيام بمراجعات فكرية.
وأوضح أن الأزهر الشريف يستقبل أعدادًا كبيرًا من الشباب الإندونيسي، وهؤلاء الشباب سيكونوا سفراء للأزهر الشريف في الخارج، من خلال نشر الفكر الإسلامي المنعتدل، مؤكدًا أن الدكتور أحمد الطيب الإمام الأكبر وشيخ الأزهر يقوم بزيارات متعددة إلى أندونسيا ويستقبل بشكل حافل.
ولفت الباحث والمتخصص في شؤون الحركات المتطرفة إلى أن إندونسيا تنظر إلى الأزهر بقدر كبير من الاحترام، ولذلك على الأزهر دور مهم في نشر الفكر المعتدل في هذه الدول، موضحًا أن الجماعة الإسلامية في أندونسيا من الممكن أن تستفيد من المراجعات التي حدثت في مصر، خاصة وأن هذه الجماعة تأثرت كثيرًا بما حدث في العالم العربي، وأفغانستان على وجه التحديد، ولذلك فمن المتوقع ان تتأثر أيضًا بالمراجعات التي حدثت في العالم العربي.
وأشار إلى أن الجماعة الإسلامية في أندونسيا ما زالت في الخطوة الأولى نحو تحقيق المراجعات، مشيرًا إلى أن الوكالة الوطنية للأمن في أندونسيا تحدث على أنها تدعم المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية، مؤكدًا أن الجماعة الإسلامية في مصر كانت لديها ذراع عسكري في الخارج، وحاولت رفض المراجعات المعلنة داخليًا، ولكن قوة التنظيم الداخلي للجماعة ألزمت الجميع بحل التنظيم العسكري، وخاض بصدق مناقشات فكرية.
واختتم أن الكتب والمراجعات الفكرية التي حدثت في مصر من قبل الجماعة الإسلامية أثرت بشكل إيجابي على الجماعات في السعودية والجزائر.