يمكنك أن تطمئن قليلا للثعلب الناضج، لأنه تعلم الكثير من دروب الحياة، يعرف كيف يهرب في سلاسة وكيف ينقض على صيد شارد ويعيش في هدوء الواثق، الحذر كل الحذر من الثعالب الصغيرة، لأنها غشومة جائعة على الدوام، قليلة العقل والخبرة، الثعالب الصغيرة لا تعرف معنى المستقبل ولا تعطي للحياة قيمة، تراها تهبش من هنا وتخربش من هناك.
يمكنك أن تتفاهم مع الخصومة الواضحة بين الأنداد، لأنه حتما سوف يتراجع أحد الطرفين عندما تتدهور الأحوال، الصغار لا يعرفون ذلك، لأنهم انتحاريون بطبعهم، لا يعرفون سوى مصالحهم الضيقة فقط وليخرب العالم من بعدهم، الثعالب الصغيرة تفعل ذلك ليس عن شجاعة ولكن عن جبن وخسة ونذالة.
من عالم الحيوان إلى عالم الإنسان لا فرق في هذه المعادلة، ترى المنظومة الإجتماعية والوظيفية تمشي في خطها المرسوم، ولكن الإنسان الثعلبي الصغير يجتهد ليتحين الفرصة كي ينقض خاطفا ما هو ليس له، والذي ليس له هو حق الغير في الهدوء والأمان، الإنسان الثعلبي الصغير هو لص بامتياز، يقتات من تعب الآخرين ويبتسم لأوجاعهم، فتتحول الحياة إلى لون غامق عديمة البهجة، من رشوة يفرضها ثعالب صغيرة على ضحاياهم إلى عنف سلوكي تشهده واضح في الشارع والمواصلات العامة، هذه الثعالب تشبه سوس الأشجار الذي ينخر في هدوء وصبر حتى تنهار الشجرة من فعل الضربات الصغيرة المتوالية والمستدامة، فلا يستطيع الجذع الصمود ولا يتمكن من حماية فروعه المورقة.
ألف تحذير قرأته عن ضرورة حماية المجتمع من عشوائية السلوك العام حيث انتشار البلطجة بين صغار السن واتجاههم السريع نحو المخدرات، تراهم مثل عود أخضر ولكن بداخلهم يتاجرون في الغضب، نظرة واحدة إلى الريف الذي لم يعد ريفا سوف يكتشف الراصد أن مجتمعات بأكملها تركت العمل واحترفت الفهلوة والنصب والسرقة والاعتداء على حقوق الغير، نعم ثعالب بشرية صغيرة غشومة تعيش على موتوسيكل صيني ويفرحون بخطف تليفون من هنا أو حقيبة سيدة من هناك.
هذه ليست حوادث فردية ولكنها إتجاه ومنهج يتأسس ويتعمق يوما بعد يوم، فهل من وقفة علمية تقرأ لنا وتجيب عن سؤال قديم جديد يستفسر عن ماذا حدث للمصريين؟.
لست متشائما ولكنني أحذر مع من حذروا معظم النار من مستصغر الشرر، ولست أخلاقيا كي أدعو إلى فرض منظومة أخلاقية بعينها على الغير ولكنني أطالب بالحد الأدني للتعايش الآمن، هل غابت المنظومة الأمنية عن ضبط المخالف؟ وهل هناك من يحاول العبث مع نظام العدالة وترك المجتمع يتفاعل وحده مع تشوهاته دون الانتباه إلى إمكانية انتصار التشوه والقبح وموت القيمة والرقي والتحضر.
الثعالب الصغيرة لا تمشي في المجتمعات السكنية فقط ولكن هناك ثعالب صغيرة في المصالح الحكومية تأخذ من طرف لسانهم حلاوة ولكنهم يروغون منك كما يروغ الثعلب.
المحليات ثم المحليات ثم المحليات، هي المفاتيح المباشرة لعلاقة المواطن مع الدولة وكلما تطورت علاقة المواطن معها كلما زادت ثقة المواطن في حكومته، لا نقول كلاما كبيرا فقط نقول أمنحوا الأمان للمواطن وهو يشكو مطالبا بحقه في رصيف نظيف خال من عشوائية الأكشاك، بل واعملوا مع المواطن على زراعة ورعاية الأشجار، أكرر ما كتبته سابقا أن المشاركة الشعبية هي الطريق الأوحد نحو التغيير، كنا نحمل آمالا عريضة لدور هيئة الرقابة الإدارية في مطاردة الثعالب بأحجامها المختلفة وما زال يحدونا الأمل في قسم شرطة صديق للمواطن وفي محليات داعمة لطموح المواطن، ولن يتحقق هذا إلا إذا تخلصنا من حاتم أمين الشرطة ومن الموظف صاحب الدرج المفتوح.
آراء حرة
الثعالب الصغيرة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق