الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عن مذكرات فتوة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعد نحو ثلاثة أشهر، تحل الذكرى السابعة لرحيل "صلاح عيسى" يوم  الخامس والعشرين من شهر ديسمبر القادم.

كان الجهد الذى يبذله "صلاح عيسى"، من أجل إعداد كتبه للنشر،موازيا للجهد،الذى كان يبذله فى كتابتها،وأحيانا يفوقه.كان صلاح مغرما بالإخراج الفنى لمعظم كتبه،فينسق الصفحات، ويعد لها الصور المطلوبة للأماكن  والطرز المعمارية والشخصيات وشكل الملابس،وحتى أذواق الناس السائدة فى فنون الغناء والطرب،للزمن الذى تجرى فيه أحداث الكتاب  .كان يبحث عنها فى مظانها فى دار الوثائق والمكتبات، ودار الكتب. وحين  تعجزه سبل العثور عليها،،يعكف على البحث عنها فى صفحات الكتب والمجلات والجرائد  القديمة التى تحتويها مكتبتنا، وكان قد اقتنى معظمها من جولاته شبه اليومبة على مدار نحو خمسين عاما،على سور الأزبكية.
كنت كثيرا ما استشيط غضبا،حين اكتشف اثناء قراءتى لأحد الكتب،أن صورة بين صفحاته قد نُزعت  منه، واتلفت بطبيعة الحال،الصفحة التالية لها،وقطعت سياق القراءة.لكن الغضب كان يتوارى بمجرد وعد منه بجلب نسخة جديدة  لى من الكتاب، برغم أنه وعد لم يكن يتحقق.
فى السنة الأولى من رحيل صلاح  ، أصابنى فزع حقيقى، ليس من ألم الفقد والغياب، فذلك أمر طبيعى،ساعدنى كثيرا،طبيبى النابغة  الدكتور" تامر الجويلى " ببراعته ومهارته المعهودة،فى كيفية التعايش معه، وتجاوز آثاره. ولولا مساعدته،لكنت الآن طريحة فراش أحدى المصحات النفسية، لاسيما أن موته أتى بعد أشهر قليلة من فقدى لأخى الأصغر عاصم وأخى الأكبرفكرى النقاش.
أما مصدر ارتياعى فيعود إلى  أطنان الورق والمسودات الناقصة لبعض كتب لم تنشر، بات على مسئوليتى وحدى فرزها ،إكمالها، وإعدادها للنشر، بأسرع وقت ممكن، قبل أن تدهمنى مفاجآت الحياة غير السارة  .وقعت فى حالات شديدة من  الارتباك اليأس، ليس فقط من هول المهمة  التى باتت ملقاة على عاتقى  ،و لكن شكا فى إمكانيات جهدى وطاقتى -وليس عزمى -على القيام بها  . وفى دوامة هذا اليأس،منً الله على بنعمته ورحمته وكرمه.
لم أكن أعرف سيف سلماوى. سمعت أسمه يتردد فى منزلنا حين كان صلاح يكرر دائما إعجابه ومحبته له. كان لا يمل من القول،  أن حال النشر فى مصر، لو يمضى على طريقة "سيف سلماوى "ودقته وضميره المهنى، لأنصلح اعواجه وحاله المايل.ساعدنى "سيف سلماوى " دون أن يدرى،بما ينشره حديثه  الودى وحضوره  الآسر من روح إيجابية،فى الخروج الآمن من تلك  الدوامة. اتصل بى ليقول أنا فلان مدير دار الكرمة للنشر هل لدى صلاح كتبا لم تنشر ؟ قويت عزميتى وتبخر يأسى،واعتبرت المكالمة تكليفا بسرعة الإنجاز. وكان  لذلك الدعم فضل كبير،أن تم خلال السنوات السبع  الماضية نشر خمسة كتب جديدة لصلاح عيسى، كان بينها كتابه البديع "مذكرات فتوة  ..تأليف المعلم يوسف أبو حجاج". عثر صلاح  على المذكرات، ناقصا منها بعض فصولها عام 1971. واستخدم ما وجده فيه  كأحد مراجع كتابه "رجال ريا وسكينة " قبل أن يحققه ويكتب له مقدمة.وحين عرضت الكتاب  على  الدكتور " أحمد زكريا الشلق"وكان وقتئذ مسئولا عن جانب النشر التاريخى فى الهيئة العامة للكتاب،أعجب به وتحمس له كثيرا، وكان ثمرة ذلك صدوره عام 2019. 
هام صلاح عيسى بعالم الفتنوة بعادته وأخلاقه ولغته، من ولعه بأدب نجيب محفوظ، الذى حفلت روايته بأدق تفاصيل ذلك العالم.وعكف  عدة  أشهر فى قسم الدوريات بدار الكتب، حيث لم يكن النقل والتصوير سهلا من صحفها ومجلاتها، كما هو الحال الآن،لكى يجمع  الأجزاء الناقصة من تلك المذكرات،التى كانت تنشرها  صحيفة "لسان الشعب" الأسبوعية لصاحبها  ومحررها " حسنى يوسف "، وكانت تصدر عام 1924. فضلا عن تجميع المعلومات المتناثرة عن الناشر وعن صاحب المذكرات التى توصف بأنها من "نوادر المطبوعات "وتضمين الكتاب صورا للصفحات الأولى من" لسان الشعب ".
لماذا الحديث عن كتاب " مذكرات فتوة " تحديدا؟ لأنه كتاب جميل،فى عصر ليس كذلك. ولأن كثيرين من المهتمين لم يعلموا حتى بصدوره. ولأننى قبل هذا وبعده،بت أفتقد للقيم النبيلة الى أرست قواعدها تقاليد الفتونة، فوددت أعيد التذكير ببعض ما تنطوى عليه من فروسية ونبل  وشرف وشجاعة فى قول الحق ونصرة الضعفاء، وكف يد الظلم والعدوان على الغبر، والسعى لإقامة العدل بعد أن امتلأت الدنيا جورا. فليتني قد أفلحت!