الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

الوجه البارز لليسار الفرنسى فى حوار شامل لـ«البوابة نيوز»: «نتنياهو» أكبر كارثة حلت على إسرائيل منذ نشأتها.. جان لوك ميلانشون: ماكرون يتصرف كمستبد وليس كجمهورى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

 الوضع فى غزة مؤلم جدًا وسفك الدماء يجب أن يتوقف فورًا.. ولا بُد أن تفرض أوروبا عقوبات اقتصادية على إسرائيل

 

«نتنياهو» جعل بلاده منبوذة بين الدول وورط قسمًا كبيرًا من الشباب الإسرائيلى فى جرائم حرب وممارسات همجية صدمت الكون بأسره

 

 سأدافع عن المسلمين بكل قوتى لأنهم مضطهدون رغم ما قدموه للبلاد من تضحيات جسيمة

 

يحاولون تحميلى مسئولية الضربة القاضية للمشهد السياسى الفرنسى.. وكلما شيطنونى أكثر كلما ازددت قوة أكثر

 

  لا أحد يصدق أن الإيرانيين سيقفون مكتوفى الأيدى وسينتقمون لاغتيال ضيفهم

 

 %99.99 من المسلمين فى فرنسا لا يشكلون أى نوع من المشاكل للقوانين ولا للجمهورية

جان لوك ميلانشون في حواره مع «البوابة نيوز»

في ظل الأزمات السياسية التي تعصف بفرنسا، والتي تشهد حالة من الجمود البرلماني وعدم الاستقرار، تبرز شخصية جان لوك ميلانشون كقوة بارزة في المشهد السياسي الفرنسي. ميلانشون، مؤسس ورئيس حزب فرنسا الأبية، هو أحد أبرز القادة السياسيين الذين لا يترددون في تسمية الأمور بمسمياتها، ويُعد من أقوى المدافعين عن القضايا الإسلامية والعربية، وخاصة القضية الفلسطينية.

بصفته زعيم اليسار الفرنسي، نجح ميلانشون في إعادة توحيد قوى اليسار بعد فترة من التشتت، مما مكّنه من تحقيق نتائج ملحوظة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، حيث تصدّر تحالف الجبهة الشعبية الجديدة نتائج الانتخابات. على الرغم من تحقيق أكبر عدد من المقاعد، إلا أن الائتلاف اليساري لم يتمكن من الحصول على أغلبية مطلقة في البرلمان، مما زاد من تعقيد عملية تشكيل الحكومة في فرنسا.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

مع تصاعد التوترات بين الأطراف السياسية، خاصة بعد رفض الرئيس إيمانويل ماكرون ترشيح لوسي كاستيتس، الاقتصادية الشابة، لمنصب رئيسة الوزراء، نجد أن ميلانشون يلعب دورًا محوريًا في هذه الأزمة، فقد أصبح ماكرون في موقف صعب، بينما يواصل ميلانشون تقديم نفسه كقوة تغيير في السياسة الفرنسية.

في هذا السياق، أجرت «البوابة» حوارًا مع جان لوك ميلانشون أحد أبرز السياسيين والوجه البارز لليسار الفرنسي لتغوص في عمق رؤيته السياسية، وتفاصيل استراتيجياته لمواجهة التحديات الراهنة، وآماله في تغيير المشهد السياسي الفرنسي. هذا الحوار يوفر فرصة نادرة لفهم أفضل لرؤى ميلانشون حول قضايا فرنسا الحالية وكيفية تأثيره في مستقبل البلاد، وإلى نص الحوار..

 

■ بداية.. كيف تفسر الوضع السياسي في فرنسا اليوم وما يحدث في المشهد الحكومي؟

- في الواقع، نحن نعيش حالة من التوتر السياسي الشديد لسبب يعتبر غير مسبوق في تاريخ البلاد. لم نشهد من قبل نتيجة انتخابات تنافس فيها رئيس الجمهورية ثم تعنت ضد الفائز. هذا لم يحدث قط في الجمهورية الرابعة أو الخامسة. الرئيس فضل استمرار الحكومة الخاسرة لتصبح حكومة تسيير الأعمال. في فرنسا، لدينا فترة انتقالية قد تطول كما حدث في ألمانيا وبلجيكا، لكن ما يحدث هنا يتجاوز المنطق السليم. فرئيس الدولة يتشاور بشكل غير دستوري، رغم أن الدستور ينص على أن رئيس الوزراء هو من يقود الحكومة ويعين الوزراء.

■ أليس من صلاحيات الرئيس اختيار رئيس الحكومة في فرنسا؟

- لا، ليست من صلاحيات الرئيس الدستورية اختيار رئيس الحكومة في فرنسا. وفقًا للدستور الفرنسي، ينص على أن رئيس الجمهورية هو الذي يعين رئيس الوزراء، ولكن ليس من يختاره بشكل مباشر. هذا ينطبق أيضًا على العديد من الدول الأوروبية الأخرى، حيث، عادةً، يُطلب من الفائز في الانتخابات التشريعية تشكيل الحكومة، حسب المادة ٢٠ من الدستور الفرنسي، رئيس الحكومة هو من يتولى توجيه السياسة العامة للدولة.

ما يحدث حاليًا في فرنسا يخرج عن المنطق السليم ولا يتوافق مع ما هو منصوص عليه في الدستور. لقد خسر رئيس الجمهورية الانتخابات ثلاث مرات؛ أولًا في الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠٢٢، حيث لم يحصل السيد ماكرون على الأغلبية في الجولة الثانية رغم تصدره الجولة الأولى. ثم خسر الانتخابات الأوروبية، وأخيرًا الانتخابات التشريعية التي تلت حل البرلمان في عام ٢٠٢٤.

في تعليق له بعد إعلان نتائج الانتخابات، قال ماكرون إنه أراد إجراء انتخابات تشريعية مبكرة لتوضيح المعنى السياسي الذي منحته نتائج الانتخابات الأوروبية للشعب الفرنسي. وقد حل البرلمان بناءً على هذا التصريح، مما أتاح له فرصة لإجراء انتخابات جديدة، مما كان مفاجئًا لشجاعته في اتخاذ هذا القرار.

ومع ذلك، فقد شهدنا في أوروبا حالات متنوعة من الاستيلاء على السلطة عبر عمليات وحسابات سياسية. عادةً، بعد حل البرلمان، تُجرى الانتخابات التالية بعد حوالي شهرين، مما يتيح لجميع الأحزاب الوقت الكافي لترتيب أوراقها وبرامجها الانتخابية. لكن ماكرون أعطى الأحزاب مدة ثلاثة أسابيع فقط، مما جعل فترة الاستعداد للانتخابات قصيرة للغاية وغير كافية، وهو ما كان له تأثير كبير على العملية الانتخابية.

■ في رأيك.. لماذا اختار رئيس الدولة مهلة قصيرة للتفويض؟

- اختار رئيس الدولة المهلة القصيرة للانتخابات لعدة أسباب استراتيجية، أولًا، كان يراهن على تشكيل مشهد سياسي معين يتناسب مع خططه، حيث اعتقد أن اليسار سيبقى منقسمًا، وبالتالي يسهل عليه التحكم في نتائج الانتخابات، لكنه فوجئ بتوحيد اليسار بسرعة، خلال ٢٤ ساعة، كما ظن أن اليمين التقليدي سيواجه صعوبات في تحقيق النجاح، ما يجبره على دعم حزبه بالأصوات، إلا أن الواقع كان عكس توقعاته، حيث انقسم اليمين إلى جزأين، وبرز الجزء الأقوى في حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف.

هذه الحسابات الخاطئة أدت إلى فشل خطة الرئيس، حيث تعرض حزبه للهزيمة مرة أخرى، والنتائج جاءت مخالفة لآماله. في المرة الأولى التي يشهد فيها الساحة السياسية هذه الظاهرة، جاء سياسي ليقول بعد الانتخابات: «لم يفز أحد، ولم يخسر أحد، لذا سأفعل ما أريد».

هذا التصرف غير المعتاد يعكس النظرة الفرنسية التقليدية للسلطة الرئاسية منذ دستور عام ١٩٥٨، التي ترفض التفرد بالسلطات. لا يوجد رئيس دولة آخر في أوروبا يتصرف كما فعل ماكرون، مما قد يكون سببًا وراء اعتقاده بأن الفرنسيين سيقبلون بمثل هذه التلاعبات، لكن الوضع كان مختلفًا، مما أدى إلى توتر سياسي عالٍ في البلاد.

نجاح اجتماعنا الصيفي يشهد على ذلك، فقد كانت هناك تعبئة غير عادية، حيث شهدت فرنسا ٢٧ اقتراعًا ضد الحزب الرئاسي، وتوقعات استطلاعات الرأي كانت تشير إلى تصدر حزب التجمع الوطني، لكن النتائج جاءت عكس ذلك تمامًا. فالتجمع الوطني جاء في المركز الأخير، بينما تصدرنا نحن القائمة، وجاء حزب ماكرون في المركز الثاني.

بشكل عام، كما هو الحال قبل كل انتخابات، تظهر أزمات سياسية يعبر عنها الناس أحيانًا بشكل عنيف، ولكن هذه المرة تفاقمت الأزمة بعد الانتخابات بشكل فريد، الوضع أصبح يدور بين خمس كتل رئيسية: اليمين المتطرف، الوسط، اليمين التقليدي، اليسار، وكتلة الممتنعين عن التصويت، الذين وصل عددهم إلى ١٦ مليونًا في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية.

من هنا، نعتبر أن تصرفات ماكرون غير مقبولة، ونرى أنها بمثابة انقلاب على الديمقراطية. إذا حدث هذا في معظم البلدان الأخرى، لكان الناس سيستاؤون منه ويعبرون عن رفضهم. يحق للناس التساؤل عن هذا التصرف. كيف يمكن لفصيل واحد أن يقرر كأن الانتخابات لم تجرِ وأن يختار من سيشكل الائتلاف؟

■ أعلن الرئيس ماكرون بعد الانتخابات أنه سيعين رئيسًا للحكومة لاحقًا بعد الألعاب الأولمبية.. هل ترون هذا تبريرًا كافيًا ومقنعًا؟ وكيف تتلقى معارضة الرئيس ماكرون لشخصك أو لحزبك فرنسا الأبية لتولي منصب رئيس الحكومة رغم فوزك في الانتخابات التشريعية؟

- هناك جانبان لسؤالك، أولًا، فكرة الهدنة الأولمبية التي تحدث عنها الرئيس ماكرون هي اختراع جديد تمامًا، نحن لسنا في اليونان القديمة، وحتى في ذلك الوقت، لم يتوقف الناس فعليًا عن النزاع خلال الألعاب الأولمبية. ماكرون استخدم هذه الفكرة كراحة لنفسه، مما ساهم بشكل غير مباشر في تفاقم الأزمة.

الألعاب الأولمبية، التي تقام مرة كل قرن في فرنسا، تستدعي إدارة متكاملة من حكومة تتمتع بمصداقية برلمانية. لا يمكن لوزير الرياضة أن يظل في حكومة تسيير أعمال محدودة السلطة خلال حدث بهذا الحجم. كان ينبغي على ماكرون تعيين رئيس حكومة بشكل فوري لضمان إدارة فعالة وواضحة.

أما بالنسبة لمعارضة ماكرون لشخصي ولحزب فرنسا الأبية بشكل عام، فإن فكرة تشكيل حكومة يسارية دون أعضاء من حزبنا هي فكرة غير واقعية. نحن لدينا ٧٢ نائبًا من أصل ١٨٢ نائبًا ضمن الأغلبية الفائزة. على أقل تقدير، فإن رفاقي في الحزب، حتى مع وجود خلافات حادة، غالبًا ما يصوتون بنفس الطريقة في ٩٠٪ من الحالات. تجاهلنا في هذا السياق غير منطقي.

فيما يتعلق بحالتي الشخصية، لم أعتبر شخصيتي مشكلة أبدًا. طالما أنني أملك الكلمة الأخيرة في البرنامج والاستراتيجية، فأنا راضٍ. من ناحية أخرى، كلما زاد الهجوم عليّ، كلما ازدادت قوتي، أعدائي يروجون ضدّي دعاية سلبية، لكننا نرسم دائمًا محيطنا في السياسة بناءً على الظروف. لقد طردنا ماكرون من المشهد السياسي أولًا، ثم بسبب الخوف من فوز اليمين المتطرف، أُدخلنا إلى المشهد السياسي مُجددًا، لكننا لم نتوقف عن كوننا جمهوريين أكثر منه، في الوقت الحالي، يتصرف ماكرون كمستبد، وليس كجمهوري.

■ كيف نجحت في توحيد كل الأحزاب اليسارية المتنافرة في فترة وجيزة؟

- لماذا لا أنجح؟ أين المشكلة؟ نحن أحزاب مختلفة، لكن في مرحلة ما، تحملنا جميعًا المسئولية تجاه جمهورنا، أدركنا أن اليمين المتطرف كان في طريقه للفوز، لذا قلنا إن واجبنا هو أن نتحد لتشكيل سد منيع وبديل موثوق للبلاد، توحدنا أيضًا لكي يقتنع الناس بأننا جادون في ما نقوله، لو كنا ظهرنا متفرقين، لكانوا قد اعتقدوا أننا لا نؤمن بما نقوله، لأن الوحدة هي برهان الإيمان بالقضية.

أعتقد أن الاتحاد كان ضروريًا للغاية، ولهذا السبب حقق النجاح الذي رأيتموه في فترة وجيزة وجئنا في المركز الأول، كان بإمكاننا أن نكون أقوى بكثير لو قدمنا قائمة مشتركة في الانتخابات الأوروبية، لكن شركاءنا لم يستمعوا لنصائحي. لقد فضلوا اتباع استراتيجية كنت أعتبرها انتحارية، وكل منهم عمل لحسابه الخاص.

■ استبعد ماكرون حكومة بقيادة حزبكم فرنسا الأبية أو أحد من الجبهة الشعبية الوطنية ورفض مرشحتكم لوسي كاستيتس لمنصب رئيس الوزراء قائلًا إن فرنسا بحاجة إلى الاستقرار المؤسسي، وهو ما لن توفره حكومة يسارية؛ لأنها لا تستطيع الفوز في تصويت الثقة في البرلمان.. وقال إن مثل هذه الحكومة ستواجه معارضة من أغلبية تزيد على ٣٥٠ نائبًا مما سيمنعها فعليًا من العمل.. فماذا أنتم فاعلون؟

- تلك الحجج واهية ولا أساس لها من الصحة، وتعتبر انقلابًا خطيرًا على الديمقراطية. نحن ندخل حاليًا في دوامة حجب الثقة عن الرئيس. لماذا حجب الثقة؟ لأن معسكر الرئيس يقول لنا إذا شكلنا حكومة من الجبهة الشعبية، فإن رئيس الدولة سيرفضها على الفور ويفرض الرقابة عليها. حسنًا، إذا قمتم بتشكيل حكومة يمينية أو أي حكومة غير حكومة الجبهة الشعبية الجديدة، فإننا سنفرض الرقابة عليها بدورنا. لذلك، لن تكون هناك نتيجة ديمقراطية سوى رحيل الرئيس نفسه.

أصررنا على التهديد بطلب استقالة الرئيس في حال عدم ترشيح لوسي كاستيت، أرسلنا تحذيرًا إلى ماكرون بأنه إذا لم يقم بتعيين لوسي كاستيت، فسيكون لدينا اقتراح بإقالته، لقد صوت الشعب، ولا يمكن لماكرون أن يغير هذا التصويت، نحن نستلهم من نموذج ألمانيا، حيث يمكن التوصل إلى حلول وسط.

■ قيل إن مبادرة إقالة رئيس الجمهورية وئدت في مهدها، لأن الأحزاب المتمردة المتحالفة معك لا تريدها، هل هذا صحيح؟

- هذا غير صحيح، لقد روجته وكالة فرانس برس، ولم يقل الحزب الشيوعي إنه لن يصوت لصالح الإقالة! لقد كان اقتراحًا طرحناه عبر الهاتف، أخبرنا به رئيس المجموعة البرلمانية الشيوعية، ومن الطبيعي أن يكون لدى الجميع مقترحاتهم الخاصة، لقد قدمنا الاقتراح إلى الأطراف الأخرى ونحن واثقون جدًا، فقال الحزب الشيوعي إن هناك مقترحا، وقال حزب الخضر إن هناك مقترحا يعرضهم دائما للسلوك المتمرد، هذا ليس رفضًا، وليس معناه أن المشكلة لدينا هي وجود حزب اشتراكي لسبب لا علاقة له بخلافاته السياسية معنا.

■ تقصد بعض السياسيين في الحزب الاشتراكي ضدكم؟

- نعم، إن علاقتهم داخل الحزب الاشتراكي هي موضع التساؤل، إن هناك بعض المنتمين للحزب الاشتراكي على استعداد للحكم مع أي شخص، إلا معنا، لكن هناك القطاع المركزي العام للحزب الاشتراكي موالي للتحالف، وبالتالي، في كل مرة تكون هناك مبادرة للمتمردين، يكون لديك نفس القادة الاشتراكيين الأربعة أو الخمسة الذين يقولون على أي مقترح منا إن ذلك غير مقبول.

إنه استفزاز وكلام فارغ يخلق جوًا لا يصدق بمجرد أن يفيض بالتصعيد اللفظي ثم يبدو أنهم يتفقون على لا شيء، هذا كل شيء، سنرى من يقود الحزب الاشتراكي إذا كان هو السيد فور أو إذا كان السيد ماير روسينول، أو مدام جوفري، أو مدام ديلجا، من سيؤيدنا في اقالة الرئيس.

لذلك أسمي ما يحدث من خلافات سطحية سلوكًا منفردا، سنبقى أكثر احترامًا للآخرين؛ لأننا لا نهين أحدًا. 

■ هل في اليسار بعض العناصر التي تدخل في تحالفات ضدكم؟

- في اليسار، كانت هناك بعض القوى حمقاء بما يكفي قبلت دخول اللعبة السياسية لأعدائنا! قالوا: «إذا قلنا أشياء سيئة عن ميلونشون، فسوف تكون الطبقة الوسطى معنا»، وبينما ظنوا أن شيطنتي سيجذب الناس إليهم، إلا أن هذا ليس ما يحدث على الإطلاق. لماذا لأنه لا أنا حزبي، بل القوى الاجتماعية التي تتحرك في فرنسا، هم أول من فجروا المشهد السياسي في البلاد، كما حدث في عام ٢٠١٩، من خلال تحويل الحزب الاشتراكي إلى حزب صغير بينما كان حزب التناوب على السلطة والبديل الصريح، فتم تقليص حظوظه بأي شكل من الأشكال وحصل على أقل نسبة من الأصوات. لقد جعل الشعب ثلاث قوى تسود المشهد السياسي.

وكان المركز الأول يتمحور حول السيد ماكرون، يمين الوسط، أو الوسط المتطرف كما نطلق عليه في فرنسا، ثم اليمين المتطرف واليسار بقيادة اليسار الراديكالي الذي نقوده. لذا، وفي هذا السياق. دعونا ننظر إلى الانتخابات الأوروبية الأخيرة، اليمين والاشتراكيين خسروا، الكتلة المكونة من الحزب الاشتراكي، بالإضافة إلى حزب الخضر، ونشطاء البيئة، بالإضافة إلى الاشتراكي هامون الذي كان مرشحًا في ذلك الوقت، وعندما تنظر إلى التصويت هذا العام، لقد خسروا ٤٠٠ ألف صوت. بينما نحن كسبنا مليون صوت منذ الانتخابات الأوروبية الأخيرة.

قلت في انتخابات الرئاسية في مايو ٢٠١٧: «نرمي الضغينة في النهر»، وهي عبارة مأخوذة من الكتاب المقدس. وفي انتخابات عام ٢٠٢٢، قلت نفس الشيء، لماذا، لأننا لا نفعل شيئًا، هل نستمر في الانقسام إلى الأبد؟ لقد كنت على حق في أن أكون منزعجًا. لقد حافظ الحزب الشيوعي على ترشيحه حتى النهاية، وحصل على ٨٠٠ ألف صوت، وكان على بعد ٤٠٠ ألف صوت من الوصول إلى الجولة الرئاسية الثانية، وكان لدي أسبابي للغضب؛ لأنهم لم يستمعوا لي. لا في ٢٠١٧ ولا في ٢٠٢٢، كانوا يمارسون السياسة برؤية حزبية ضيقة.

■ ما التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لتطبيق سياسات الليبرالية الجديدة في فرنسا تحت قيادة ماكرون؟

- لقد تم تطبيق الليبرالية الجديدة بسخرية لا تصدق من قِبل ماكرون، مما أدى إلى خلع فرنسا اجتماعيا، ولم تعد هناك أي طبقات متوسطة صاعدة في فرنسا. بينما كانت سر قوة فرنسا واستقرارها، كما هو الحال في جميع الديمقراطيات الأوروبية، الطبقة الوسطى هي طبقة متوازنة في المجتمع، هذه الطبقة الوسطى، التي رفض ماكرون أن يكون لها مستقبل، لقد كبرت في فرنسا، أولئك الذين لديهم ملكية مشتركة يجدون صعوبة في دفع رسوم والضرائب، لأنها غالية، يذهب أطفالهم إلى المدارس الخاصة بينما كانت مدارسهم في السابق مجانية.

أما الأبناء الذين دفعوا تكاليف دراستهم ونجحوا ووصلوا إلى النهاية، مثل طلاب الكليات الزراعية والمدراس العليا الصناعية، لا يمكنهم العثور على عمل! فرنساأصبح بلد مليء بالأشخاص الذين لديهم مؤهلات أعلى من الوظائف التي يشغلونها! لذلك نحن في بلد غير مستقر اجتماعيا، ويتم التعبير عن زعزعة الاستقرار هذه سياسيا. كل العائلات تتناقش وتتحدث عن هذا، أعرف برجوازيين متمردين وانضموا الى حزبي! ومع ذلك، فإن هدفنا ذو الأولوية هو أحياء الطبقة العاملة والشباب.

جان لوك ميلانشون

■ هل اليساريون متفقون معك في إقالة الرئيس؟

- نعم، ربما نلتقي مرة أخرى وسوف تسألني؛ لأنني مؤمن بما أقول وأراهن على ذلك، لأنني لا أرى أحدا في اليسار سيقول لا أريد التصويت على إقالة ماكرون، خاصة بعدما قال زعيم الحزب الاشتراكي الذي كان متحفظًا إلى حد ما بشأن مسألة الرقابة هذه: «يجب علينا فرض رقابة على الحكومة، فنحن لم نعد نفهم أي شيء». ربما يريدون فرض الرقابة على رئيس الحكومة أتال وليس على ماكرون!! لذلك هم يواجهون تناقضات، وليس نحن، فبمجرد وصولنا إلى لجنة مجلس الأمة بطلب مني بإقالة الرئيس وهو توضيح أول مني له، أراد ماكرون التوضيح السياسي، حسنًا، يتم إعلامه بذلك، في التصويت على عزله.

سنرى وفق المواقف ما إذا كان اليمين في المعارضة أم في الأغلبية، أم في حكومتهم وسنرى ما إذا كان اليمين المتطرف سيسمح بتمرير النص أم لا، فسيكون ذلك توضيحًا ثانيًا وسيكون لدينا توضيح ثالث في وقت الجلسة العامة للتصويت في الجمعية الوطنية. هم يقولون لي نعم ولكن بعد ذلك لا يزال يتعين علينا الحصول على الضمانات، سنرى، لكن التوضيح السياسي سيتم في إطار معركة إقالة رئيس الجمهورية. ولهذا السبب أنا واثق تمامًا من أن هناك بالفعل فوضى بين معسكر الماكرونيين. كما ترى أنهم متفقون على لا شيء تقريبًا؛ إنهم ثلاثة اتجاهات.

أرسلت لنا منهم قوتان اثنتان رسائل مختلفة إلى جميع البرلمانيين، والثالثة تقول إنها لن تكتب رسائل وأنها تسير على خطى الرئيس. حسنًا، نرى أن الأمر عبارة عن فوضى فيما يتعلق بالشخص المناسب لحكم فرنسا، فهذا هو ما يريدونه فقط لأنهم أعدوا قاعدة من المقترحات ومن ثم سيرون أن كل شيء سيتلاشى، لذلك يعتمد ماكرون على انقسام خصومه وعلى هذه الفوضى قال لهم لا أريد رجلًا خاضعًا لميلونشون ولا أريد رائحة الجبهة الشعبية الجديدة. حسنًا، سنرى ما إذا كان بإمكانه حقًا تحمل هذا التعنت لأنه سيعيننا في اللجنة حيث لن يجد أغلبية فيها وسننتصر وسيرحل الرئيس.

■ لكنكم سوف تدخلون البلاد في أزمة نظام كبيرة.. أليس كذلك؟

- هو الذي خلق أزمة النظام، ليس نحن، لا يحق له حل البرلمان أو الحكومة مرة أخرى لمدة عام، كما هو في الدستور. فهو الذي خلق هذا الوضع. لم يجبره أحد على حل البرلمان. لا أحد يجبره على عدم تعيين مدام لوسي كاستيت رئيسة للوزراء، فهذا قراره السياسي. لذلك، وبعد فترة، بدأ يفهم أنه ليس من الممكن خسارة قرارات كهذه. يقول أنه يجب أن تكون هناك تعايش سياسي مع المعارضة الفائزة. لكننا لا نرى أي شيء من هذه المعايشة. وفي الحقيقة ما نسمع منه هو أننا سنشكل حكومة لكي تستمر البلاد. لكنما يفعله يؤدي بالفعل إلى أزمة وضع غير مسبوق.

اليوم، يحاول الناس أن ينسبوا لي مسئولية الضربة القاضية للمشهد السياسي الفرنسي وكل شيء ولكن لا علاقة لي بها، فمن وجه الضربة القاضية هو ماكرون ولست أنا، فانت تظن أن الناس لا يدركون ذلك. في فرنسا، بدأت تشهد تحركات شديدة القسوة، البلاد تستعر. رأينا ذلك خلال قانون الضرائب وحركة السترات الصفراء وخلال قانون إصلاح التقاعد وفي الوقت الحالي في القطاع الصحي، ما نسميه جدار العار، ترون طوابير كبيرة من الأشخاص اضطروا إلى الانتظار لساعات في نظام صحي كان الأول على مستوى العالم، وسترون مع بداية العام الدراسي أولياء الأمور لا يتفقون على عدد المعلمين في المدارس لعدم وجود العدد الكافي إلخ. تعيش فرنسا حالة من التوتر. والتوتر الاجتماعي يتزايد.. لقد رأينا مشاهد عنف لا نراها إلا في الأنظمة الدكتاتورية. يتم إطلاق قنبلة يدوية واحدة لكل متظاهر. إن فرنسا الآن تحت ضغط من الاتحاد الأوروبي قد يكلفها الكثير لاحقًا.

■ لماذا تريد تغيير الجمهورية الخامسة؟

- أنا أؤيد دستورًا تأسيسيًا وبناء جمهورية سادسة وإنهاء الجمهورية الخامسة. لأن الجمهورية الخامسة كانت بالنسبة للفرنسيين فخرا؛ لأنها كانت نظام إدارة الأزمات، أنهت مؤسسات الجمهورية الرابعة الهشة وأقام الجنرال شارل ديجول جمهورية المؤسسات الراسخة وقام بتغيير الدستور للتعامل مع أزمة وطنية فظيعة، وهي اختفاء ١٣ مقاطعة فرنسية من الجزائر الفرنسية، ومن ثم فإن عدم الاستقرار السياسي طرح مشاكل في الأساس، شكلت أزمة وطنية، فقام بعمل الدستور الأول، دستور ٥٨، مع فكرة البرلمانية المعقولة لقطع حالة عدم الاستقرار التي كانت موجودة في الجمهورية الرابعة ولكنه كان نظامًا برلمانيًا رائعا والرهان فقد كان هناك تماسك كامل بينه وبين البرلمان.

لقد كان رهانًا وعرفًا سياسيًا، لكنه لم يكن موجودًا في النص، وفي عام ١٩٦٢ قرر أن يقترح على الشعب الفرنسي انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر، ولم يتم تغيير النص، وأصبح لدينا شرعيتان في كل مرة يكون رئيس الجمهورية المنتخب من دائرة انتخابية واحدة والبرلمان المنتخب في ٥٧٧ دائرة انتخابية وبطريقة ما هذا التناقض الذي قمنا بتسويته أولًا من خلال التعايش والذي تمت تسويته بشكل جيد.

■ لكن الآن في الانتخابات الأخيرة لا توجد أغلبية مطلقة.. هناك أغلبيات نسبية فقط؟

- هذه الحالة لم ينص عليها هذا النص، إذ ليس هناك قواعد يفعل فيها الرئيس ما يريد. لا يفعل ما يريد. في جميع الديمقراطيات هناك قواعد، لذلك هناك قاعدة مفادها أن لكل شخص دور، ودور الرئيس ليس اختيار رئيس الوزراء، ولا الائتلاف، بل تسمية رئيس الحكومة ويقف على مسافة واحدة من جميع الأحزاب لأنه رئيس كل الفرنسيين وليس رئيسًا لفصيل دون آخر.

هناك قواعد تفصل بين السلطة التنفيذية والتشريعية في جميع البلدان، يبدو الأمر كما لو أنه من اختراع اليسار الراديكالي الفرنسي أن يطلب تطبيق فكرة تعود إلى القرن السابع عشر ومن مونتسكيو من القرن السابع عشر في فرنسا، وبالتالي لا توجد صعوبة في القراءة السياسية بالنسبة لأولئك الذين كنا نطرح عليهم الأسئلة وشاهدنا انتخاب رئيسة لمجلس الأمة التي سقط حزبها في الانتخابات لكونها تابعة للمعسكر الرئاسي، لكنها أعيد انتخابها رئيسة بفضل حضور ١٧ وزيرًا في حكومة تسيير الأعمال وصوتوا لها؟ ثم انصرفوا لإعداد الموازنة، هذا لا يصدق.

هي سابقة أولى في أوروبا ولكنكم كما أتوقع، سترون أنها لن تكون الأخيرة. فنحن في حالة يتم فيها التشكيك في حق الاقتراع العام نفسه، أقول إنها لن تكون المرة الأخيرة؛ لأننا نرى بوضوح في العالم أن هناك بطريقة ما يمكن أن نطلق عليها تراجع المشروع الديمقراطي. فبعد الحرب العالمية الثانية وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي، كان يُعتقد أن النظام الديمقراطي، سيزداد ويعم الأرض مع التجمعات وفصائل القوى وسوف تنتشر الديمقراطية أكثر فأكثر في جميع أنحاء العالم. لكنها لم تتوسع فحسب، بل تتراجع حيثما وجدت في بلدانها الأصلية. نحن نواجه ثورة المواطنين والثورات المضادة في كل مكان في العالم تقريبًا. 

■ هل تحالف اليسار موجود بعد الانتخابات التشريعية وسيبقى موحدًا.. كيف تمكنت من الحصول على شرعية توحيده؟

- أولًا وقبل كل شيء، هو موجود بالفعل. لكن لا تصدق زملاءك الفرنسيين. يظل الخط التحريري للصحف الفرنسية معاديًا جدًا لليسار بشكل عام، وبشكل خاص، لليسار الراديكالي الذي يتبنى برنامجًا مثلنا، كما تعرفون برنامج الجبهة الشعبية الجديدة يستعير بشدة من برنامج الجبهة الشعبية السابق. استعار الاتحاد الاشتراكي هو نفسه الكثير من برنامج حزب المستقبل المشترك الذي حملته في الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠٢٢.

هناك شرعية معينة، لأنه في الانتخابات الرئاسية الكبيرة، تم تعبير الجماهير فيها، جمعت أنا ٢٢٪ من أصوات الشعب الفرنسي، حصل الحزب الاشتراكي على١.٧٪، والحزب الشيوعي ٢.٣٪، وأنصار البيئة ارتفعوا بنسبة تقل قليلًا عن ٥٪، لذا وبغض النظر عن نسبتي الـ ٢٢٪، فإن الآخرين على بعد هذه المسافة، فهناك شرعية استمدها من الجماهير التي تؤمن بي، لذلك كان التوازن الشخصي لـ القوة الثالثة في البلاد التي لعبت دورًا.

لقد خسرت الأحزاب اليسارية في الانتخابات الرئاسية، لقد انفجر الحزب الاشتراكي في مرحلة أعقبت اتفاقنا لعام ٢٠٢٢ وكان الاشتراكيون في المقام الأول هم الذين تهالكوا وقت الانتخابات، دون أن يقولوا لماذا أو إلى متى! ثم جاء الشتاء الذي أوقف العمل جزئيًا. في الواقع، كان الجميع مقتنعين بأن الأمر قد انتهى، لكن عندما جاءت الانتخابات التشريعية بعد حل الجمعية الوطنية، لم يستغرق منا سوى ٢٤ ساعة للاتفاق على تشكيل ائتلاف موحد، حطمنا الأرقام القياسية، استغرقنا ٤٨ ساعة للاتفاق على برنامج، فكان الأساس موجودًا، قلنا إن المصلحة المشتركة هي التي وحدت الحراك الشعبي الجديد.

■ هل أنتم خائفون من أن يستخدم «ماكرون» المادة ١٦ من الدستور ويعين الحكومة بنفسه إذ إنكم لا تملكون الأغلبية المطلقة بل أغلبية نسبية؟

- أنت تعرف أن الخوف لا يوجد في قاموسي ولم أعرفه أبدًا في حياتي، وأني قد رأيت الكثير ومررت بكثير من المشاكل والصعوبات. فالمحن تصقل الرجال. وهذا ما تعلمته من حياتي الطويلة إلى حد ما، لقد رأيت كل رؤساء الجمهورية الخامسة، كنت دخلت الحقل السياسي سريعًا ومبكرًا جدًا. كنت مراهقًا عندما كان شارل ديجول زعيمًا، نظمت إضرابا ضده، أستطيع أن أقول إنني مارست كل أنواع المعارضة ضد جميع الرؤساء وهاجمتهم جميعها باستثناء فرانسوا ميتران الذي دعمته بحماس. بالنسبة لفرنسا، عبر هذا المنطلق، فنحن كما قلت لك نعيش نموذجا فريدا من نوعه وبشكل مبالغ فيه، ائتني بأي رئيس دولة في العالم قال إن نتيجة الانتخابات لا تعنيني، ولم يفز أحد؟ غير موجود، ليس لماكرون سابقة. لذلك أنا مقتنع بالفعل أننا إذا سمحنا لهذا الرجل أن يفعل ذلك، فإن الأمر سينتهي بالمادة ١٦. لأنه عندما تكون لديك سلطة غير شرعية، أو تشعر بذلك؟ سيحدث شيء ما بالتأكيد.

أجيب سؤالك، ولكن هنا المثقف أكثر منه قائد الحرب. ألاحظ أننا في العالم، نمر بفترة خاصة من عدم الاستقرار التي تؤدي إلى نهاية المشروع الديمقراطي، ويبدو أن الداعمين الأكثر مبالغة لرجال الأعمال والليبراليين لم يعودوا مهتمين للغاية بمسألة الديمقراطية، هناك بعض الأشياء في الشفرة الجينية لليبرالية تجعلها الآن سلطوية.

■ لا يوجد قانون يلزم الرئيس بتعيين رئيس وزراء يتمتع بأغلبية نسبية، ويبدو أن الرئيس ماكرون لا يحمل لك ودًا خاصًا.. كيف تتعامل مع هذا الوضع؟

- آمل أن يتم سن قانون في الدستور يومًا ما لهذا الغرض، لكن في الوقت الحالي، لا يوجد قانون يُلزم الرئيس بأن يكون ديمقراطيًا، بل فقط ضامنًا للدستور، وعليه أن يعين رئيسًا للوزراء، بغض النظر عن مشاعره الشخصية. أما عن الود، فأنا أدرك أننا لن نقضي عطلة الصيف معًا. ومع ذلك، التاريخ أثبت أن العداوات الشخصية لا تمنع التعاون.

على سبيل المثال، جاك شيراك، اليميني المحافظ، لم يكن يحمل مودة خاصة لليونيل جوسبان، اليساري الاشتراكي، لكنه عينه رئيسًا للحكومة بعد فوز الأخير في الانتخابات التشريعية. وكذلك فعل فرانسوا ميتران عندما اختار جاك شيراك اليميني لقيادة حكومة أغلبية يمينية.

■ لكن كانوا يتمتعون بأغلبية مطلقة.. فما هو الحل الأمثل الذي ترونه للتغلب على العقبات الحالية في ظل غياب الأغلبية المطلقة في البرلمان؟ وكيف يمكن لفرنسا الموازنة بين العجز الاقتصادي والحفاظ على الخدمات العامة؟

- أنت محق في أن أولئك الذين تمتعوا بالأغلبية المطلقة كانوا في وضع قوي لا يمكن الجدال فيه. ومع ذلك، الأمر لا يتعلق دائمًا بالأغلبية المطلقة فقط، بل هناك التزام أخلاقي وديمقراطي بتعيين رئيس وزراء يعكس نتائج الانتخابات. كما ذكرت، في ألمانيا، السيد شولتز لم يكن يتمتع بالأغلبية المطلقة عندما تم تكليفه بتشكيل الحكومة، وهذا هو المفهوم الأساسي للديمقراطية في أوروبا. للأسف، فرنسا تعاني الآن من تعنت ماكرون، الذي رفض تعيين رئيس حكومة يعكس الإرادة الشعبية.

فيما يخص الحكم دون أغلبية مطلقة، هناك دائمًا طرق لتأمين دعم البرلمان من خلال التحالفات المؤقتة، والمفاوضات، والتعديلات على السياسات. لقد تمكنا بالفعل من إحراز تقدم في مجالات مثل زيادة الحد الأدنى للأجور في فرنسا، وإجراء تغييرات هامة في أسعار المنتجات الزراعية، على الرغم من عدم تمتعنا بأغلبية مطلقة.

فيما يخص العجز، نحن ندرك التحديات الاقتصادية، ولكن بدلًا من خفض الإنفاق وتقليص الخدمات العامة، الحل الأمثل هو زيادة الإيرادات بشكل عادل. إذا كنت في منصب رئيس الوزراء، كنت سأدافع عن زيادة الإيرادات من خلال فرض ضرائب عادلة على أولئك القادرين على الدفع، بدلًا من تحميل الفئات الضعيفة أعباء إضافية. هذا هو الخيار بين سياستين، وأنا أعرف أيهما سأتبنى.

■ كيف ستتعاملون مع قرار الرئيس ماكرون برفض تعيين لوسي كاستيت كأول رئيسة للوزراء وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات، وما هي الخطوات التي تنوون اتخاذها للتعامل مع هذا الوضع؟

- لقد خلق الرئيس ماكرون وضعًا بالغ الخطورة بتجاهله نتائج الانتخابات الأخيرة ورفضه تعيين لوسي كاستيت كأول رئيسة للوزراء، مستندًا إلى ما يسميه الاستقرار المؤسسي. هذا التصرف يُعتبر إساءة استخدام واضحة للسلطة ويتنافى مع المبادئ الديمقراطية.

لقد أصدرنا بيانًا شديد اللهجة للتنديد بهذا الانتهاك الواضح للديمقراطية، وأوضحنا أن الرئيس ماكرون يتجاهل الإرادة الشعبية ويستغل سلطته بشكل استبدادي. نحن نعتبر أن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق البرلمان لتحقيق الاستقرار المؤسسي، وليس على الرئيس وحده.

في ظل هذه الظروف، نقدم طلب إقالة الرئيس إلى مكتب الجمعية الوطنية وفقًا للمادة ٦٨ من الدستور. كما أن أي محاولة لتعيين رئيس وزراء آخر غير لوسي كاستيت ستواجه برفض قاطع. سنقوم أيضًا بتنظيم مسيرات للتأكيد على أهمية احترام نتائج الانتخابات ودعم الديمقراطية.

نحن ندعو جميع المنظمات الملتزمة بالديمقراطية للاتحاد ضد هذه الاستبدادية، ونشدد على ضرورة احترام إرادة الفرنسيين، التي أظهرت أن ثلاثة أرباعهم يرغبون في تغيير السياسات الحالية والانفصال عن سياسات ماكرون. سنواصل النضال من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والبيئية، والتأكد من أن صوت الشعب هو الذي يُسمع ويُحترم.

■ نذهب الآن إلى حرب غزة.. ما هو موقفك من الأوضاع الحالية في القطاع، وما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذها فرنسا لوقف المجازر ضد الأبرياء؟

- الوضع في غزة مؤلم للغاية، وسفك الدماء الذي يحدث هو جريمة ضد الإنسانية يجب أن يتوقف فورًا. فرنسا، باعتبارها واحدة من القوى الكبرى في أوروبا وذات تأثير كبير على المستوى الدولي، يمكنها أن تلعب دورًا حاسمًا في محاولة إنهاء هذه المجازر.

أولًا: من الضروري أن نتوقف عن تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وهذا يشمل الضغط على الدول الأوروبية الأخرى للتوقف عن تسليم الأسلحة أيضًا. يمكن لفرنسا أن تقود حركة دولية تدعو إلى وقف الإبادة الجماعية في غزة.

نتنياهو

ثانيًا: لدينا القدرة على التأثير على السياسات الاقتصادية. يجب أن نعمل على استشارة البرلمان الأوروبي بخصوص هذا الموضوع ونسعى إلى فرض عقوبات اقتصادية على حكومة نتنياهو. فعلى الرغم من أن أمريكا لها دور كبير، فإن ٩٠٪ من اقتصاد إسرائيل يعتمد على أوروبا، ما يعني أن لدينا القدرة على استخدام هذه الأداة بفاعلية.

إجراءات مثل وقف العمل بالاتفاقيات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل يمكن أن تكون خطوة حاسمة. كما أن علينا أن نكون مستعدين لمناقشة فرض عقوبات اقتصادية على حكومة نتنياهو بشكل جدي، وذلك من أجل الضغط عليها لوقف الهجمات وتحقيق السلام والعدالة في المنطقة.

■ هل يمكنكم فعل شيء؟

- نعم، يمكننا أن نفعل الكثير من الأشياء، أهمها في النهاية، يمكننا قيادة حملة دولية في أوروبا، للاعتراف الآن بدولة فلسطين. لكي نقول لنتنياهو إنك فشلت، فقد شننت هذه الحرب لكي لا تكون لديك دولة فلسطين، لكن عدد دولنا يتزايد وكلنا نعترف بدولة فلسطين.

■ أول شيء ستفعله إذا وصلت إلى حكم فرنسا سواء كرئيس للحكومة أو رئيس للدولة في هذا الأمر؟

- أول إجراء أقوم به أنا وكل أعضاء تحالف اليسار سوف نعلن اعتراف فرنسا رسميًا بدولة فلسطين.

■ ما رأيك في سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؟

- في رأيي الشخصي، نتنياهو بلا شك هو أسوأ كارثة حلت بإسرائيل منذ قيامها، اتفق الجميع على ضرورة إيجاد حل، لم يكن هناك حل ممكن من قبل عندما أراد بعض الدول سحق إسرائيل، لكن منذ اتفاقيات السلام بين مصر ثم الأردن مع إسرائيل، وأصبحت هناك أيضًا اتفاقيات الإبراهيمية وهي معاهدتا السلام بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين ثم مع المغرب.

لذلك هناك أمل في إيجاد حل، إن ما هو متعارف عليه في الأمم المتحدة هو حل الدولتين، لذلك نحن مع هاتين الدولتين. لكن نتنياهو جعل الأمة الإسرائيلية منبوذة بين الدول، وورط قسمًا كبيرًا من سكانها، وخاصة الشباب الإسرائيلي، في جرائم حرب وممارسات همجية صدمت وهزت الكون بأسره. هذه هي النقطة الأولى، أما النقطة الثانية، يجب تسليط الضوء على ما تحتاجه الغطرسة الأوروبية لقياس الضرر الذي تلحقه بالعالم. لأن الولايات المتحدة تمارس معايير مزدوجة، نعلم جميعًا بأن هناك دولًا معتادة على الإمبراطوريات.

لكن عدم قيام أوروبا بأي شيء، أو عدم إعلانها بأي شيء، يبدو بطريقة ما بمثابة مشاركتها في صياغة الخطوط العريضة لمعسكر غربي لا يهتم بالقواعد التي يدعي أنه يفرضها على الآخرين، مما يجعل الضرر كبيرًا، أعطيكم مثالًا لا يرتبط بشكل مباشر بما يحدث في فلسطين. التصويت على قرار العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، ومن جهتي، أجدها غير فعالة، لكنها مبنية على أساس جيد؛ لأننا نحن الفرنسيين تعرضنا للغزو ٤ مرات من قبل جارنا، لذلك نحن نتفهم تمامًا موقف أولئك الذين لا يريدون أن يحل النزاع عن طريق الغزو، ولا يمكننا أن نقبل أن يظن أحد أن هذه قاعدة مقبولة طالما أننا نستفيد من غزو جارتنا.

أقول هذا بعناية وأزن كلماتي، لأنه عندما تبدأ الحرب بشكل معين فإنها تنتشر وتتوسع. كانت هناك الحرب العالمية الصناعية لأول مرة، وبعد ذلك خاض الجميع حربًا صناعية، حيث لم يعد الجنود يقتل بعضهم البعض فقط. لقد خضنا الحرب العالمية الثانية، كحرب شاملة، ارتكبت مجازرها لأول مرة ضد المدنيين. ثم كانت لدينا حروب عرقية وهي حروب إبادة إثنية، وهذا ما قلناه بالنسبة ليوغوسلافيا، فقد تم إرسال المسئول إلى محكمة العدل الدولية، سلوبودان ميلوسيفيتش، حيث تمت معاقبته. لكن إذا لم نقل شيئًا عندما تكون هناك إبادة جماعية. فكأنما نحن موافقون عليها. لقد اعترف المسئولون الإسرائيليون وقالوا علنًا، يجب قتل الجميع.

هؤلاء يجب أن يحاسبوا ويحاكموا. إذا لم يتم ذلك، فإننا نعرض أنفسنا وانتباه العالم كمعسكر مسيطر يفرض قواعدهم المتغطرسة. وهذا يعرضنا جميعا للخطر. هناك مؤسسات دولية يجب أن نحترمها، مثل الأمم المتحدة، التي تعمل على تسوية الخلافات، لكن إذا قبلنا بدولة يقودها نتنياهو يقول عن الأمم المتحدة إنها منظمة إرهابية مضادة للسامية، فعلى الدنيا السلام. من الواضح أنه لم يعد هناك أي إمكانية لفائدة أي منظمات دولية بعد ذلك، نحن مؤيدون للقانون ونؤثره على القوة، حتى لو لم نكن راضين عن القانون، ولسنا راضين عن القانون الدولي، ولكننا نفضل القانون على القوة.

■ في رأيك.. مَن يقود المفاوضات لإحياء عملية السلام الأمريكان أم الأوروبيون أم العرب؟

- بالنسبة لي، كما تعلم، أنا من مؤيدي دولة فلسطين، وأعتقد أن الأمر متروك للفلسطينيين لقيادة المناقشات مع الإسرائيليين من أجل السلام، وإقامة دولتهم المستقلة، وما يلي ذلك، إلى أمور أخرى. ليس طرفا آخر مهما كان حجمه وقوته. ولا أرى فائدة من حضور هؤلاء الذين يأتون إلى هنا ليجتمعوا في هذه المباحثات وكل من لهم علاقة بهذه القضية؛ لأن العالم كله معني بها. رئيس كولومبيا طرد السفير الإسرائيلي من بلاده ورفض تسليم الفحم لإسرائيل، فهل يجب إشراكه في مباحثات السلام؟ لا، أنا أعتقد أنه إذا أردنا سلامًا جيدًا، فيجب أن يتم بين الطرفين المعنيين فقط أي الفلسطينيين والإسرائيليين.

وبمجرد أن يحل السلام بين هذين الطرفين، أي أننا بدأنا بوقف إطلاق النار، فسوف ترون أن كل شيء آخر سيكون من الأسهل حله. أنا لا أعتقد أن الفلسطينيين سوف يتخلون عن حكمهم الذاتي ولا عن سيادتهم، ولا عن إقامة دولتهم مهما كانت طبيعة الصداقات والتحالفات القائمة بالفعل معهم. أعتقد أن الفلسطينيين يريدون أن يكونوا فلسطينيين وسيبقون على هذا النحو.

■ ما رأيك باغتيال زعيم حماس إسماعيل هنية في إيران وهل تتوقع توسيع نطاق الحرب بسبب ذلك؟

- تعرف عني بأنني لم أكن أبدًا مؤيدًا للأنظمة الاستبدادية، إيران بالنسبة لي ليست ديمقراطية، لماذا لأن الرؤساء هناك يتم فرزهم وفقا لمعاييرهم الدينية، ولكن الشعب يعطي لنفسه حكومته، وبالتالي يجب أن نحترم الرئيس الإيراني مهما يكن كما نحترم كل رؤساء العالم، أقول لكم موقفي هذا حتى لا يقول الناس عني إنني غيرت رأيي تجاه إيران. ولكن أعتبر في هذا الاغتيال بأن إيران تعرضت للهجوم، ولا يسعنا إلا أن نتضامن معها. إن الذهاب لقتل شخص ما في دولة مجاورة ليس موقفًا مقبولًا مهما كان النظام السياسي في الدولة المجاورة.

نحن لن نقوم بتصفية حساباتنا مع الأشخاص الذين لا نحبهم نحن الفرنسيين أو الذين يهددوننا، من خلال الذهاب إلى القتل في البلد التالي، ولذلك فإن إيران تستحق دعم الفرنسيين والأوروبيين ضد اغتيال الأشخاص الذين تستقبلهم. فهي دولة ذات سيادة، بالنسبة لي، إن اغتيال هنية عمل مستفز لشن الحرب، واستدراج إيران. ومن يصدق أن الإيرانيين سيقفون مكتوفي الأيدي وسيبقون على هذه الحال؟ لا أحد سيفعل ذلك. لو حاولت دولة أن تفعل ذلك في فرنسا فسوف ترى الانتقام. لذا فانتقام إيران سيأتي لا محالة.

■ أنت من السياسيين النادرين الذين يدافعون عن القضايا العربية والإسلامية في فرنسا، وقد حصلت على دعم كبير من العرب والمسلمين في الانتخابات.. إذا أصبحت رئيسًا لفرنسا في عام ٢٠٢٧ كيف ستكون سياستك تجاه العالم العربي، خاصةً في ظل عدم وضوح سياسة الرئيس ماكرون في المغرب العربي؟

- يضحك قليلًا ثم يقول: علاقات فرنسا مع العالم العربي، وخاصة مع منطقة الشرق الأوسط، عميقة ومتينة، وقد وضع الرئيس شارل ديغول الأسس لهذه السياسة التي يجب الحفاظ عليها وتعزيزها. أما بالنسبة للمغرب العربي، فإن سياسة ماكرون تبدو غير متماسكة ومربكة، إذ يبدو أنه يتنقل بين المواقف دون وضوح.

المغرب العربي، الذي يشكل حوضًا صغيرًا للبحر الأبيض المتوسط، يمثل منطقة حياة مشتركة مع فرنسا. لدينا في فرنسا ملايين من المواطنين من أصول مغاربية: ثلاثة ملايين مزدوجي الجنسية «فرنسي - جزائري»، ومليون على الأقل «فرنسي - مغربي»، وأربعمئة ألف «فرنسي - تونسي»، ومئة ألف من ذوي الأصول المصرية. هؤلاء هم جزء من نسيج المجتمع الفرنسي، ونحتاج إلى سياسة متماسكة تحترم هذه الروابط وتدعمها.

من الأهمية بمكان أن نتبنى سياسة محترمة ومتبادلة مع الدول المغاربية. لا نقبل أن يتم التحدث إلينا بطريقة غير لائقة، لكن علينا أيضًا أن نفهم أن الآخرين لا يقبلون ذلك أيضًا. إن الأوضاع متوترة بعض الشيء، خاصة مع الجزائر التي لها تاريخ معقد مع فرنسا. يجب علينا تصحيح هذه العلاقة وبناء أساس جديد من التعاون والاحترام المتبادل.

أستذكر فكرة ساركوزي الجيدة بإنشاء «اتحاد ٤+٥» الذي جمع بين الساحل الأوروبي والمغاربي، بما في ذلك موريتانيا. كان ذلك خطوة مهمة لإعادة تأسيس العلاقة بيننا. إذا أصبحت رئيسًا، سأعمل على تطوير هذا التعاون وتعزيز الروابط بين فرنسا والمغرب العربي بما يخدم مصالح الجميع ويعزز السلام والاستقرار في المنطقة.

■ لكنها هيئة لم تعمل بشكل جيد وفشلت؟

- نعم هذا صحيح بالتأكيد، لأنه كانت هناك مداخلة من السيدة ميركل، أرادت أن تشارك فيها أوروبا كلها، وأصبح اتحاد خمس دول أوروبية وخمس دول مغاربية «٥+٥» أسميناه اتحاد البحر الأبيض المتوسط. ولكن لماذا لم تعمل بشكل جيد؟ لأننا انتقلنا من مكان إلى آخر والتقطنا منه كل صراعات العالم. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والصراع بين تركيا واليونان حول قبرص، وما إلى ذلك. لم يكن هناك شيء يمكننا القيام به.

بينما أنا أريد نهجا أكثر واقعية وأكثر هدوءًا، نبدأ بالحوض المتوسطي الصغير. فلدينا مصالح وسياسات مشتركة غالبًا ما يتم إطلاقها. على سبيل المثال، الأمن البحري، في الأزمات والحرائق، فنحن جميعًا تجدنا محتشدين، كل واحد يساعد الآخر. كذلك سياستنا يجب أن تكون بهذا المفهوم، حتى نتمكن من الحصول على سياسة مشتركة. إن تنظيف البحر الأبيض المتوسط أمر مهم حتى يتوقف عن كونه سلة مهملات أوروبا، حيث يتم إلقاء آلاف الأطنان من البلاستيك والقمامات فيه كل عام. هناك الأمن المدني، حركة تنقل الناس، إنها مشكلة معقدة، لكن لم يعد بإمكاننا أن نقبل أن يموت الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين في البحر أثناء محاولتهم عبور البحر. لذا فإن المغرب العربي يجب أن يكون شريكًا مميزًا لنا نحن الفرنسيين. إنه عضو في عائلتنا.

■ ما هو موقفك من الدين الإسلامي وسر دفاعك عنه وعن المسلمين رغم أنك لا تهتم بالأديان؟

- سؤال وجيه أيضًا يتعلق بمسألة الإسلام. كما تعرف، موقفي هو موقف العلمانية. بعض الأشخاص بسبب اهتماماتهم التي تتوافق مع مجتمعهم أو عرقهم، مثل إيريك زمور وآخرين، حولوا العلمانية إلى إلحاد الدولة. هذا لا يمكن أن ينجح. أو نقول إن هناك ديانة يهودية مسيحية تقليدية في فرنسا. لكن الأمر انتهى، فحتى الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية لم تطلب ذلك أبدًا.

لقد اعترفت على مضض بالجمهورية عام ١٩٢٠، ومسألة فصل الكنيسة عن الدولة، وقد تم ذلك. أرى أن للمسلمين الحق في الاحترام وحرية العبادة والضمير، ولا يملك أحد في فرنسا القدرة على إنكار ذلك، ويجب محاربة أولئك الذين يعارضون ذلك. عندما تكون هناك تهديدات ضد المساجد، عندما تكون هناك هجمات ضد المسلمين، يجب على المجتمع الوطني بأكمله أن يرد، كما يفعل عندما تكون هناك هجمات ضد كنيسة كاثوليكية أو معبد يهودي.

نحن نقول إن الدولة يجب ألا تبالي بالدين كونها تقر مبدأ العلمانية، أي أنها لا تعتني بالأديان. لكنها لا تحارب الأديان. لقد أجرى الكثيرون في فرنسا نقاشات مجنونة حول هذا الموضوع. وقد رأينا بعض الناس يقولون إن الإسلام ليس دينًا مقبولًا في البلاد بسبب هذه النقطة أو تلك الشريعة! ولكن منذ متى انخرطت الدولة أو السياسيون في الدين؟ إنها مهمة المؤمنين الذين يحاولون أن يعيشوا حياتهم مع احترام مبادئ وقوانين الجمهورية، لأن المسيحيين يفعلون ذلك. لكننا في كثير من الأحيان نكون في صعوبة وتوتر؛ لأننا لا نفهم ما نقول، على سبيل المثال عندما كان لدينا قانون، مثل ذلك الذي يجيز الإجهاض في فرنسا، كان معظم الأديان ضده.

ولا يعني هذا أن يجبر أحد على الإجهاض؛ لأن هناك قانونًا لحرية الإجهاض. لأن إذا قررت المرأة، بناء على إيمانها، أنها لن تجهض، فهي حرة في ذلك، ولن نجبرها. في الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى. لقد توصل جميعهم تقريبًا إلى النقطة التي اعتبروا فيها أن الحكم في الخير والشر هو يعود فقط على الأخلاق الفردية للشخص، فكل إنسان مسئول عن أفعاله حتى في الإسلام موجود، ومكتوب في كتبكم أن الله لا يفعل الشر ولكن الناس من يفعله إلخ. وبالتالي فإن هذا يجعل الشخص مسئولًا بشكل فردي، ومن هنا لا صعوبة في توضيح أن الدولة لا تتدخل في الدين، وبأن الدين لا يتدخل في الدولة العلمانية. إذا قام شخص متعصب في فرنسا بممارسات مخالفة للقانون فيجب معاقبته، فالقانون واحد على الجميع. لكن شعور المسلمين في فرنسا هو أن القانون ليس هو نفسه بالنسبة لهم. لذلك عندما نريد خلق أو تعزيز الوحدة الوطنية في فرنسا، يجب أن نهتم بمشاعر المسلمين، وأؤكد أن ٩٩.٩٩٪ من المسلمين في فرنسا لا يشكلون أي نوع من المشاكل للقوانين ولا للجمهورية.

■ لماذا هذا الموقف تجاه المسلمين؟

- لأنني أعرف الضرر الذي سببناه لبعضنا البعض في فرنسا على مدى سنوات عديدة. فالحرب بين الكاثوليك والبروتستانت التي استمرت ثلاثة قرون في بلادنا أزهقت أرواح الملايين. لذا فإن حرية المعتقد في فرنسا هي وريثة حرية العبادة التي كانت المطلب الأول. في ذلك الوقت، لم يكن أحد يطالب بحرية المعتقد في فرنسا. لم يكن الأمر كذلك حتى القرن الثامن عشر، عندما قام فيلسوف الحقبة النورية بمركزية مسألة حرية الضمير، وبالتالي حرية المعتقد. لذا، نعم، أنا أحمي المسلمين بقدر ما أستطيع؛ لأنهم يتعرضون لسوء المعاملة، والتمييز، والإذلال، لأن ما فعلوه من أجل الوطن لم يتم الاعتراف به أبدًا. وأنا، من على منصة الجمعية الوطنية، سألت العنصريين، أين كنتم عندما كان المسلمون يقاتلون في مونتي كازينو وأماكن أخرى لتحرير فرنسا. نعم أفعل ذلك والكل يعرف تصوري عن الأديان؛ لقد وضعت الدين جانبًا دائمًا، لكني أدافع عن حقوق المسلمين في الإيمان وممارسة شعائره.

 الخطيب الأحمر 

جان لوك ميلانشون

جان لوك ميلانشون - سياسى يسارى فرنسى.. بدأ حياته صحفيًا ومدققًا لغويًا انخرط فى السياسية.. وأصبح أصغر عضو بمجلس الشيوخ الفرنسى عام ١٩٨٦، ترشح باسم حزب فرنسا الأبية للانتخابات الرئاسية عدة مرات.. وصفته الصحف بـ«شافيز فرنسا»، ولد فى ١٩ أغسطس ١٩٥١ بمدينة طنجة شمال المغرب، غادرت الأسرة إلى فرنسا عام ١٩٦٢.. وبعد طلاق والديه نشأ مع والدته، تزوج من زوجته برناديت فى أبريل ١٩٧٢، وأنجبا ابنة عام ١٩٧٤ سمياها مارلين.. وانفصلا عام ١٩٩٤، حصل على شهادة البكالوريوس فى الفلسفة عام ١٩٧٢ من جامعة فرانش كونتيه، تعاون مع كثير من الصحف.. ثم أنشأ مجلة إخبارية وعبرها بدأ يروج لأفكاره، التحق بـالحزب الاشتراكى الفرنسى عام ١٩٧٦، وعام ١٩٨١ عين سكرتيرا أول لمكتب رئيس فرنسا حينها فرانسوا ميتران، شغل منصب وزير التربية المهنية بين عامى ٢٠٠٠ و٢٠٠٢ فى حكومة ليونيل جوسبان، شغل عدة مناصب على مستوى الحزب.. منها رئيس ومساعد المكتب الوطنى بين عامى ٢٠٠٩ و٢٠١٤، دخل عام ١٩٨٦ مجلس الشيوخ الفرنسى.. وعمل نائبًا فى البرلمان الأوروبى منذ ١٤ يوليو ٢٠٠٩.. وأُعيد انتخابه فى ٢٥ مايو ٢٠١٤، ترشح لانتخابات الرئاسة عام ٢٠١٢.. وحل رابعًا.. وفى الخامس من يوليو ٢٠١٥ أعلن نيته الترشح لرئاسيات عام ٢٠١٧، فى العاشر من فبراير ٢٠١٦ أكد ترشحه الرسمى على قناة «تى إف ١» الفرنسية.. وأعلن بعدها تأسيس حزب فرنسا الأبية.

 عام ٢٠٢٢ حاول الترشح مرة أخرى.. لكنه حل فى المركز الثالث، تمحور برنامجه الانتخابى حول عدة قضايا داخلية وخارجية.. فقد دعا لإطلاق الجمهورية السادسة وزيادة الحد اﻷدنى للأجور بنسبة ١٦٪ وخفض ساعات العمل الأسبوعية وسن التقاعد، ودعا إلى وقف تسريح الموظفين ورفع سقف الضريبة على الدخل لـ٩٠٪ والإنفاق الحكومى بنحو ١٧٣ مليار يورو «نحو ١٨٤ مليار دولار» على مدى ٥ سنوات، ولا يتبنى «ميلانشون» خطابًا معاديًا للمهاجرين بل يدعو إلى إدماجهم.

خارجيًا، يدعو «ميلانشون» إلى الخروج من حلف شمال الأطلسى «ناتو» وسحب فرنسا من معاهدات الاتحاد الأوروبى إذا لم تتحقق بعض الشروط، يصفه خصومه بأنه شعبوى متهور.. ويُثير المخاوف، نعتته الصحف الفرنسية بعدة ألقاب، حيث اعتبرته صحيفة لى زيكو المالية الخطر الفرنسى الجديد.

 أما صحيفة ليبراسيون، فقالت إن «ميلانشون» يُسير فى السياسة الخارجية على خطى «شافيز» و«بوتين» وأطلقت عليه فى افتتاحية لها الخطيب الأحمر، خلال عمل «ميلانشون» سيناتورًا اشتراكيًا.. عارض دعم فرنسا لحرب الخليج عام ١٩٩٠، عام ١٩٩٢ دعم معاهدة ماستريخت.. الوثيقة المؤسسة للاتحاد الأوروبى.. لكنه ندم على قراره.

 أعلن رفضه استفتاء فرنسا حول التغييرات لتعزيز الدستور الأوروبى لعام ٢٠٠٥، يطالب «ميلانشون» بالعودة إلى قيم مؤسس الاشتراكية الجمهورية الفرنسية جان جوريس، برز اسم «ميلانشون» من جديد بعدما فاز تحالف الجبهة الشعبية الجديدة فى الانتخابات التشريعية فى يوليو ٢٠٢٤.

 تصدر تحالف الجبهة الشعبية الجديدة النتائج بمجموع ١٨٢ مقعدًا.. متبوعًا بتحالف الرئيس ماكرون «١٦٨ مقعدًا».. فيما حل تحالف أقصى اليمين ثالثًا «١٤٣ مقعدًا»، وأصبح «ميلانشون» أحد الأسماء المتداولة لرئاسة الحكومة الفرنسية خاصةً بعدما لم يحصل أى تحالف على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة.