سلطت مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية الضوء، أمس الأحد، على استمرار أزمة الرهائن الإسرائيليين الذين لا يزالون محتجزين في غزة مع اقتراب مرور نحو عام على أحداث 7 أكتوبر 2023، وسط فشل الرئيس الأمريكي جو بايدن في دفع إسرائيل وحركة حماس على قبول صفقة وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الرهائن والأسرى على الرغم من دعوته منذ أشهر الى اتمام تلك الصفقة.
وفي مقال تحليلي لميكي بيرجمان الرئيس التنفيذي لمنظمة (جلوبال ريتش)، وهي منظمة أمريكية غير ربحية تساعد في إعادة الأمريكيين المختطفين أو المعتقلين في الخارج، وهو مؤلف كتاب "قصص حقيقية عن مفاوضات عالية المخاطر لتحرير الأمريكيين المحتجزين في الخارج"، أكد بيرجمان على "أن الوقت قد حان للاعتراف بأن الأساليب التي استخدمتها إسرائيل وواشنطن حتى الآن للإفراج عن الرهائن الـ 101 المتبقين المحتجزين في قطاع غزة، بمن فيهم أربعة مواطنين أمريكيين، فشلت جميعها".
وأضاف "لقد فشل بايدن في دفع إسرائيل وحماس الى قبول وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى على الرغم من أشهر من الحث على ذلك، بينما لم تحقق محاولات الإنقاذ الإسرائيلية نجاحا يذكر، فقد أعلنت إسرائيل يوم الأحد أن قواتها عثرت خلال عملية عسكرية قامت بها مؤخرا، على ستة رهائن قُتلوا على يد خاطفيهم، بمن فيهم هيرش جولدبيرج - بولين، وهو إسرائيلي أمريكي، كان قد تحدث والداه في مؤتمر للحزب الوطني الديمقراطي الشهر الماضي.
وتابع بيرجمان "هناك نقطتان أساسيتان يجب توضيحهما، أولا، إن حماس وقائدها في قطاع غزة، يحيى السنوار، هما المسؤولان عن الرهائن في غزة؛ وثانيا، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لديه القدرة على تأمين إطلاق سراحهم ولكنه اختار مرارا عدم القيام بذلك".
واستطرد "منذ ديسمبر الماضي، كان هناك مقترح مطروح على الطاولة لتبادل الرهائن مع الأسرى الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل، وهو مقترح يستند إلى وقف إطلاق النار ومسار لتسوية دبلوماسية للحرب، إنها الصيغة الوحيدة التي يمكن بها أن تضمن إسرائيل عودة جميع الرهائن من غزة".
وأضاف "ولكن الآن، فلن يوافق السنوار على إجراء تغييرات في الخطوط العريضة الأساسية للصفقة، وخلافا لادعاءات نتنياهو، فإن الضغط العسكري لا يجدي نفعا معه، في الحرب يجب أن تفهم خصمك، وبالنسبة للسنوار، فإن ارتفاع عدد القتلى في غزة بكل ما يصاحبه من ألم، يعزز في الواقع مصلحته الأساسية: فهو يزيد من نزع الشرعية عن إسرائيل على الصعيد الدولي".
ومضى بالقول "في حين أنه من الواضح أن السنوار يبذل جهودا كبيرة لحماية حياته، إلا أنه يفضل الموت على التخلي عن الرهائن دون تأمين نهاية للحرب في غزة، أما بالنسبة لنتنياهو، فهو ليس مهتما حقا بصفقة رهائن، لأن ذلك يعرض بقاءه السياسي للخطر، وطالما أن هناك رهائن في غزة، فلديه مبرر لمواصلة الحرب، وطالما أن الحرب مستمرة، فبإمكانه إبعاد المطالب بلجنة تحقيق وانتخابات مبكرة وتصفية حسابات سياسية أوسع".
واستطرد ميكي بيرجمان " لقد شهد نتنياهو على أكبر خسارة خلال أقل من أربعة وعشرين ساعة في أرواح المدنيين اليهود منذ المحرقة، وطريقه الوحيد للنجاة سياسيًا هو إدامة الحرب، وفي الوقت الذي يتشدق فيه نتنياهو بالرهائن وبجهود بايدن نيابةً عنهم، فإنه يعمل بنشاط على تخريب أي فرصة للتوصل إلى اتفاق من شأنه عودة الرهائن ووقف إطلاق النار".
وتابع "لقد حال نتنياهو دون التوصل إلى اتفاق طوال عملية التفاوض من خلال تقديم مطالب جديدة بشكل متكرر، وآخر مثال على ذلك هو إصراره على إبقاء قوات إسرائيلية على محور فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر".
وأضاف "على الرغم قال نتنياهو إن الاحتفاظ بالممر ضروري لمنع حماس من إعادة التسلح، بيد أن إسرائيل لم تكلف نفسها عناء السيطرة على محور فيلادلفيا إلا بعد تسعة أشهر من الحرب".
وأشار إلى أن نتنياهو أيضا أمر باتخاذ إجراءات عسكرية استفزازية في عدة مراحل عندما بدا أن المفاوضات قد تتقدم، ففي أوائل يناير الماضي، عندما كانت صفقة الرهائن بدأت تكتسب زخمًا، قرر نتنياهو اغتيال نائب قائد حماس صالح العاروري في بيروت، ما أدى إلى توقف المحادثات، وفي أوائل أبريل الماضي، وفي الوقت الذي حققت فيه الولايات المتحدة ومصر وقطر انفراجة في صفقة الرهائن، أدى هجوم إسرائيلي في شمال غزة إلى مقتل ثلاثة من أبناء وأربعة من أحفاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وتوقفت المفاوضات مجددا، ولذا يمكننا القول أن نهج نتنياهو واضح لا لبس فيه".
ومضى بيرجمان يقول "حاولت واشنطن إلزام نتنياهو عدة مرات على مدى الأشهر القليلة الماضية بالتوصل إلى اتفاق، من خلال اجتماعات خاصة مع بايدن أو أعضاء فريقه، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي عاد ليغير مسار المفاوضات علنًا".
وأضاف "لقد شاركت في مفاوضات الرهائن لفترة طويلة، ولذا يمكنني القول إنه عندما تكون هناك فجوات بين الأطراف وتريد أن تنجح المفاوضات، فإنك تؤكد على الأرضية المشتركة في تصريحاتك العلنية، أما إذا كنت تريد للمفاوضات أن تفشل، فإنك تتحدث علنا عن الفجوات، ولذا من الصعب تجاهل حقيقة أن نتنياهو لا يتحدث أبدا علنا إلا عن الفجوات".
واستطرد "على الرغم من أن مفاوضات وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن قد وصلت إلى طريق مسدود، إلا أن هناك طريقة أخرى، وهي أن يضع بايدن صفقة الرهائن الشاملة جانبًا، في الوقت الراهن، وأن يركز على إعادة الأمريكيين الأربعة المحتجزين في غزة، ويجب أن يفعل ذلك بسرعة، قبل أن يُقتلوا هم أيضًا نتيجة لسياسات نتنياهو التي تخدم مصالحه الشخصية فحسب، ذلك ومن خلال محاولة التوصل إلى اتفاق محدود مع حماس، مما قد يكسر الجمود ويدفع الطرفين نحو اتفاق أوسع نطاقًا".
وتابع بيرجمان "من المؤكد أن وضع الرهائن الإسرائيليين جانبًا في الوقت الحالي والسعي إلى اتفاق أصغر بكثير سيكون مؤلما للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية بالتأكيد، حيث تصنف الولايات المتحدة حماس كجماعة إرهابية وتتبع واشنطن سياسة عدم تقديم تنازلات عندما يتعلق الأمر بالرهائن الأمريكيين، وأي مفاوضات يجب أن تكون غير مباشرة، ولكن المفاوضات الحالية هي بالفعل غير مباشرة، بوساطة مصرية وقطرية، وغالبًا ما يكون بناء قناة اتصال هو الجزء الأصعب من المفاوضات، وفي هذه الحالة، فهي موجودة
وقائمة بالفعل".
وأضاف "فيما يتعلق بشروط الصفقة، قد يتساءل البيت الأبيض عما يمكن أن يقدمه لحماس مقابل الأمريكيين، ففي نهاية المطاف، لا تستطيع واشنطن وقف الحرب، كما أنها لا تملك أسرى من حماس لإطلاق سراحهم، وهنا سيكون الذكاء العاطفي هو الحل، فلن يتعلق هذا النوع من الصفقات بما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة لحماس، على الرغم من أن المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة يمكن أن تكون مشمولة في الصفقة، وبدلًا من ذلك، سيكون الأمر متعلقًا بالمكاسب الاستراتيجية التي ستجنيها حماس من خلال عقد صفقة مع الولايات المتحدة".
واستطرد "من وجهة نظر حماس، من المحتمل أن يؤدي الاتفاق إلى تأجيج التوترات بين إسرائيل والولايات المتحدة، وبالتالي تعزيز مصالح الحركة، ومن شأنه أن يكشف النقاب عن دور نتنياهو كمعرقل للاتفاق، فالأمريكيون الأربعة المحتجزون في غزة هم أيضًا مواطنون إسرائيليون، ومن شأن إطلاق سراحهم أن ينعكس سلبا على نتنياهو، ما يؤكد أن بايدن كان على استعداد للقيام بالمزيد من أجل الإسرائيليين أكثر من نتنياهو نفسه".
واختتم الرئيس التنفيذي لمنظمة (جلوبال ريتش) مقاله بالقول "يمكن أن يصور خصوم بايدن السياسيون هذه المبادرة على أنها خيانة لإسرائيل في لحظة حساسة، قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل، ولكن يمكن للإدارة الأمريكية أن تقدم حجة قوية فيما يتعلق بمسؤوليتها عن حماية أرواح المواطنين الأمريكيين بعد عام تقريبا من الدبلوماسية، فضلا عن مثل هذا الاتفاق، أو حتى مجرد الحديث عنه من جانب واشنطن، قد يجبر نتنياهو على قبول الإطار الأوسع لصفقة الرهائن، وخاصة مع تزايد الضغط من الشارع الإسرائيلي من أجل قبول الصفقة".