في سماءِ مدينتِه ترعى سحائبُ داكنةُ ؛ تسوقُها ريحٌ باردةٌ . وحده يسير عدنان وفي داخلِه طفلٌ فقدَ بوصلتَه في شوارعِ مدينتِه المُهدَّمةِ. لا يملكُ خريطةً ؛ تاهت منه الدروبُ. يحاولُ أن يتجاوزَ مخاوفَه. يفتشُ في وجوهٍ شاحبةٍ عن نظرةِ عطفٍ، يتمنى أن يسمعَ ولو كلمةً تمسح وجنتيه المبللتين بدموعِ الفقدِ، لا شيء في فضائه المظلمِ سوى برودةِ الصمتِ الجاثمِ على صدرِه، بين الرُكامِ تصفعُه الرياحُ فتتداعى حواسُه وترتعدُ أوصالُه، يبحثُ عن يدٍ حانيةٍ فلا يجدُ إلا كفوفَ الصبارِ تدمي قلبَه الأخضرَ، يحبو على ركبتيه يتلمسُ دربَه براحتيه الرقيقتين ؛ تنخزُهما أشواكُ واقعِه المؤلمِ، يفترشُ الأرضَ يبكي خوفًا، ينامُ في العراءِ ؛ تحلقُ روحُه في سماءِ خيالِه ؛ فيرى نفسَه في الأورسيه أو اللوڤر أو البارادو أو المتروبوليتان تمتزجُ روحُه مع ألوانِ اللوحاتِ، يركبُ الأمواجَ العاتيةَ في ظلماتٍ كَأْداءَ لا متناهيةٍ ؛ يبحثُ عن برٍ أو ربَّما وطنٍ لم تمزقه الصراعاتُ. على شاطئ البحرِ تلتقطُ عدساتُ المصورِ جثةً مُسجاةً لفظتها الأمواجُ بعد أن التهمت روحَها، تتصدرُ صورةُ عدنان الصحفَ والمواقعَ .
الآنَ وجدَ قلوبًا تشفقُ عليه ، وعيونًا تدمعُ لحالِه .