يتابع دكتور وجية عبد الصادق عتيق فى كتاب "السياسة الدولية وخفايا العلاقات المصرية الألمانية" والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهو فى الأصل أطروحته للدكتوراه باشراف من البروفسيور ألكسندر شولش Prof.Dr.Alexander Schoelch والتى يبحث من خلالها الجانب السياسى للعلاقات المصرية الألمانية خلال الفترة من 1952 إلى 1965بقوله: لدراسة الموقف الألمانى خلال أزمة السويس علينا أولا أن نتعرف إلى موقع ألمانيا الاتحادية داخل الخريطة السياسية للكتلة الغربية، من حيث القدرات والإمكانات والأدوار التى وزعت على أعضاء هذه الكتله خلال الخمسينيات والستينيات. فمن خلال النظر إلى الاستراتيجية العامة للتحالف الغربى يمكن لنا من قبيل التبسيط أن نقسم موقف هذا التحالف – خلال الحقبة نفسها – من مصر إلى ثلاث مجموعات.
المجموعة الأولى: مجموعة دول رئيسة، وهى القوى الفعالة والمؤثرة فى السياسة الغربية، وتشمل بالترتيب حسب درجة عنف إجراءاتها ضد مصر كلا من: بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذه القوى كانت تخطط فيما بينها لأزاحة جمال عبد الناصر من مسرح السياسة فى مصر، كما أنها كانت على اتصال وثيق فيما بينها لتبادل المشورة حول تنفيذ خططها الاستراتيجية تجاه مصر، وتتولى فى الوقت نفسه توزيع الأدوار على باقى حلفائها.
المجموعة الثانية: مجموعة دول مساندة، وهى القوى المعاونة والمتجاوبة مع خطط المجموعة الأولى، وتشمل بالترتيب حسب درجة مساندتها وقدراتها كلا من ألمانيا الإتحادية وإيطاليا وهولندا وبلجيكا والدنمارك، وهذه الدول كانت تتلقى التوجيهات السياسية من دول المجموعة الرئيسة ويحدد لكل منها الدور المساعد فى إنجاح خطط الغرب، حيث يتم تلقينها إياه قبل تنفيذ تلك الخطط.
المجموعة الثالثة: وهى مجموعة دول ثانوية، وهى الدول الجانبية أو الهامشية لمجموعة الكتلة الغربية وكانت لا يسند إليها أى أدوار، كما كانت تتعرف إلى تطورات الموقف بين القوى الأوروبية ومصر عن طريق وكالات الأنباء، وتشمل هذه المجموعة، النمسا وإسبانيا والبرتغال وبعض دول البلقان والدول الاسكندنافية. وكان لا يعول عليها كثيرًا وإن كانت، بحكم وقوعها تحت المظلة العسكرية للغرب، تعلن باستمرار تأييدها الضمنى لسياسته تجاه مصر.
من ناحية أخرى، يمكن لنا أن نحدد ملامح ثلاث مراحل من تطور علاقة مصر مع القوى الغربية خلال حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.
المرحلة الأولى: هى مرحلة الاحتواء والحوار 1952-1954، وخلالها حاولت القوى الغربية بشتى الطرق إقناع مصر بالانضمام إلى أحلافة العسكرية والسياسية، أو على الأقل تحجيم خطورة نهجها السياسي التحررى على المصالح الغربية فى الشرق الأوسط والعالم الثالث.
المرحلة الثانية: هى مرحلة المقاطعة والتصدى 1954-1956، وفى هذه المرحلة اتجهت علاقة مصر مع القوى الغربية العظمى نحو منعطف خطير، لاختلاف وجهات النظر وتباين المواقف من خلال الوسائل الإعلامية، وبدأ كل من الجانبين يتخذ بعض الخطوات العملية لتهديد مصالح الطرف الآخر وتصعيد الخلاف معه.
المرحلة الثالثة: هى مرحلة الصدام والمواجهة 1956-1967، وفيها أصبحت العلاقة بين القوى الغربية ومصر عدائية بدرجة كبيرة. ولجأ الغرب إلى تنفيذ عدة خطط للقضاء على شخص عبد الناصر، كما شهدت هذه المرحلة ثلاث مواجهات خطيرة تمثلت فى العدوان الثلاثى عام 1956 على مصر، وانفصال الوحدة المصرية – السورية عام 1961 والهجوم الإسرائيلى عام 1967.
وفى الحقيقة، فإن العلاقات المصرية الألمانية عانت كثيرًا بين الجانبين المصرى والألمانى بشكل أو بآخر، كما ارتبكت مرات عدة من جراء تعقيدات السياسة الدولية خلال فترة الحرب الباردة بين الغرب والشرق.. فكانت ألمانيا الاتحادية خلال لتلك الفترة – كإحدى نتائج الحرب العالمية الثانية – تقع على رأس الدول التى تلعب دورًا قويا فى إنجاح مختلف خطط الغرب الاستراتيجية بالسبل العسكرية والسياسية والاقتصادية كافة، فى انحاء متفرقة من العالم بصفة عامة، وتجاة منطقة الشرق الأوسط ومصر بصفة خاصة، وذلك خلال المراحل الزمنية الثلاث التى مرت بها علاقة مصر بالقوى الغربية. ولذا تأثرت العلاقات المصرية الألمانية من جانب الحكومة الألمانية بحركة المد والجزر فى علاقة مصر بالقوى الغربية العظمى من ناحية، وبعقدة الذنب التى سيطرت على الألمان تجاة اليهود من ناحية أخرى أكثر مما تأثرت من جانب الحكومة المصرية.
بدأت منذ عام 1954 احتمالات استعمال القوة من جانب القوى الغربية ضد عبد الناصر تلوح فى الأفق. ومنذ النصف الثانى لعام 1956 زادت هذه الاحتمالات حتى أصبحت، كما تصور الغرب، ضرورة ملحة بعد أن أصبح جمال عبد الناصر الشخصية السياسية الأولى فى مصر، كما تمكن بمقدرته الفائقة فى الخطابة السياسية وبالإذاعة والصحافة المصرية من تجنيد الجماهير العربية بحماس منقطع النظير ضد النفوذ الغربى فى العالم العربى.. وقد وجدت هذه الجماهير فى شخص عبد الناصر تجسيدًا حيًا لتطلعاتها القومية، فاتقادت إليه رغم أنف الغرب وبعض حكوماتها من المحيط إلى الخليج تحت شعار التخلص من الاستعمار.
وللقوى الغربية العظمى تدابير شبه معروفة فى معاقبة من يخالفها من دول العالم الثالث فى التوجه السياسى والاقتصادى، أو من يقاوم خططها الاستراتيجية. ومن وجهة نظر الغرب، فقد حق على عبد الناصر أن تتخذ ضده مختلف أنواع هذه التدابير، والتى تبدأ من قطع الإمدادات العسكرية ثم الضغوط الاقتصادية المتزايدة، حتى الوصول إلى التأمر لقلب نظام الحكم بالقوة أو ضربه عسكريًا.. وبالنسبة إلى علاقة عبد الناصر بقوى الغرب، كانت هناك أفعال وردود أفعال متبادلة بين الطرفين، ساعدت على زيادة حدة التباين بينهما على شتى المستويات.