لم ينجح المفكر فرج فودة في تفادي أبواب الجحيم التي أشرعت في وجهه، من عقول عليها أقفالها، استسهلت رميه بالرصاص على إجهاد عقولهم في التفكير، ففي الثامن من يونيو من عام ١٩٩٢ اُغتيل المفكر الكبير، حينما كان يهم بالخروج من مكتبه بالجمعية المصرية للتنوير القاطن بشارع أسماء فهمي في مدينة نصر، وكان بصحبته ابنه أحمد وصديقه وحيد رأفت، اللذان أصيبا في حادثة الاغتيال فيما فشلت كل محاولات الأطباء في إسعافه، ليفارق الحياة بعد ٦ ساعات من رميه بالرصاص.
وبعد أيام قليلة من الاغتيال أدلى أحمد ابن الدكتور فرج فودة، بشهادته عن الحادثة التي هزت أرجاء مصر آنئذ، مستهلا حديث بالقول "إنها أصعب لحظات في حياتي، إن المتطرفين جبناء فقد أطلقوا النيران على والدي من الخلف وكأنهم لا يستطيعون مواجهته".
ويروي أحمد في حديث لمجلة "آخر ساعة" في عددها الصادر في 17 يونيو 1992 بعد عشرة أيام من الحادثة المشهد الأول من عملية الاغتيال قائلا "لقد تركنا مكتب والدي نحن الثلاثة: أنا ووالدي وصديقه الشاب وحيد رأفت، وتلك المرة هي المرة الأولى التي أذهب فيها إلى مكتبه لمعرفة ماذا فعل بشأن استخراج تأشيرة باريس وامستردام.. لقد كنا ننوي السفر في 17 يونيو في نزهة لمدة 15 يوما لمشاهدة المعالم السياحية".
ويضيف "أن هذه الرحلة كانت بالنسبة لي حلم حياتي، فهي المرة الأولى التي أسافر فيها خارج مصر وكان الحوار الذي يدور بيننا حول المفاجأة التي سيحضرها لي عند نجاحي في الشهادة الإعدادية".
وتابع نزلت أنا ووالدي وصديقه ووقفنا جميعا انتظارا لوصول السيارة وفجأة سمعت طلقات رصاص مدوية تأتي من الخلف ووجدت والدي يسقط فوق الرصيف فوق كومة من التراب، فصرخت بصوت عال بابا بابا، وسمعته وهو يصرخ من شدة الألم آه آه".
وأضاف "أسرعت نحو والدي في محاولة لانقاذه ولكن أحسست بأن شيئا من الكهرباء أصاب جسدي وفوجئت بأنني ابتعدت حوالي خمسة أمتار بعيدا عن أبي من شدة الطلقات، وفجأة شعرت بأن كل الدنيا إلتفت حولنا وكنت أشاهد أبي أمام عيني مدرجا في دمائه ولكني لم استطع مساعدته وسمعت الناس تردد السواق جري وراءهم وهما راكبين موتوسيكل وبعد لحظات وجت نفسي داخل مستشفى ميرغني".
هنا انتهت شهادة نجل الدكتور الراحل فرج فودة، وننتقل إلى شهادة صديقه رأفت وحيد الذي قال إنه ذهب إلى مكتب فودة لاستشارته في مشروعه بمدينة الحرفيين قائلا "غادرت مكتبه وفي صحبته مع ابنه أحمد وكنا نسير في اتجاه سيارته وفجأة انهمر علينا الرصاص كالمطر وأحسست بألم شديد في ساقي ونظرت لأجد بجواري الدكتور فرج سقط على الأرض".
ويضيف "عندما أوقفت سيارة أحد المارة جلس الدكتور فودة في السيارة ونظر إلي وهو يقول: خليك شاهد يا وحيد أنا كل اللي عملته لصالح مصر وأدي النتيجة".
وقال صديق الدكتور الراحل "نظرت فوجدت القاتل يجري تجاه الموتوسيكل الذي كان يركبه شريكه في الجريمة على ناصية شارع أسماء فهمي، وانطلق الاثنان وانطلق خلفهم سائق الدكتور فرج فودة يطاردهم.
بعد أيام عشر من الاغتيال كانت لازالت علامات الدهشة ترتسم فوق وجه أخت المفكر الراحل فرج فودة، السيدة راوية التي رددت "لماذا قتلوه ؟ كان مسلما !! كان يحب الخير ويعطف على الجميع، كان لا يبخل بمال أو واجب أو حنان، إسألوا من يعرفه إسألوا أصحاب الحاجة الذين ترددوا عليه ولم يغلق بابه يوما في وجهوههم، كيف اعتبروه ملحدا لا يعرف دينه وما الذي أعطاهم الحق في تقسيمنا إلى مسلمين وكفار.
وواصلت التساؤل قائلة "هل كان ذنب أخي الوحيد أنه كان صاحب فكر ومبدأ وقلم جرئ، لم يشعر يوما بالخوف كان شجاعا، حتى عندما مات لم ينطق لسانه بالندم لكنه قبل أن تصعد روحه إلى السماء: "اشهدوا أن ما فعلته كان من أجل مصر"، لهذه الدرجة أحب مصر، وبفكره كان يحاول إزالة غبار التحلف عنها".