قال المهندس طارق النبراوي، نقيب المهندسين، إن التعليم الهندسي هو ملف أمن قومي لمصر، وعلى الجميع أن يدرك هذا، وأن يتعامل على هذا المبدأ، مشددا على أن المهندسين جميعًا يرفضون أن تكون هذه المهنة -التي بدونـها لـن يرتقي الوطن- يكون مجموع الثانوية العامة المؤهِّل للقبول بالتعليم الهندسي 58%.
جاء ذلك خلال مؤتمرا موسعا نظمته النقابة العامة للمهندسين، عن "التعليم الهندسي"، وذلك بحضور المهندس طارق النبراوي نقيب المهندسين، والدكتور المهندس أيمن عاشور – وزير التعليم العالي والبحث العلمي – ممثلًا للدكتور المهندس مصطفي مدبولي – رئيس مجلس الوزراء، والدكتور المهندس هاني سويلم وزير الموارد المائية والري.
وعقد المؤتمر برئاسة شرفية للأستاذ الدكتور فاروق إسماعيل – رئيس جامعة القاهرة الأسبق، وشارك فيه عدد من الوزراء السابقين ونخبة من خبراء التعليم الهندسي وأساتذة الجامعات، وقيادات نقابة المهندسين.
وتضمنت أجندة المؤتمر ثلاثة محاور رئيسية هي: متطلبات الحصول على بكالوريوس الهندسة، وجودة التعليم الهندسي، واحتياجات المجتمع المحلي والدولي من التعليم الهندسي.
و خلال كلمته الافتتاحية للمؤتمر أكد المهندس طارق النبراوي- نقيب المهندسين، أن الفترة الحالية حاسمة يستشعر فيها الجميع الخطورة الشديدة التي تحيق بمهنة الهندسة وتتلامس مع أوضاع كافة المهندسين، ماديًّا، واجتماعيًّا ومهـنيًّا، مشددًا على أن المهندسين جميعًا يرفضون أن تكون هذه المهنة -التي بدونـها لـن يرتقي الوطن- يكون مجموع الثانوية العامة المؤهِّل للقبول بالتعليم الهندسي 58%، كما أن المهندسين جميعًا يرفضون أن يُطلَب من النقابة قيد حاصلي الدبلومات الفنية دون اختبارات المعادلة، ويرفضون قيد الحاصلين على الثانوية العامة أدبي.
وتساءل نقيب المهندسين متعجبًا عن الذين يرفضون ويعترضون على تطبيق نظام الجودة (الدستوري والقانوني) في كافة الكليات والمعاهد الهندسية، وعن الذين يصرون على زيادة أعداد المتقدمين للتعليم الهندسي دون وجود البنية الأساسية المتكاملة في العديد من الكليات والمعاهد الهندسية، ليتخرج فيها مَن هم خارج المستوى المهني المطلوب.
وقال "النبراوي": "نحن لا نتحدى ولا نعاند ولا نكابر، نحن جميعًا أمام هدف واحد يجمعنا أمام مصلحة وطن، مصلحة جيل كامل من حقه أن يحلم بمستقبل مشرق، والتاريخ لن يرحم أحدًا أمام مسئولية مهنة عظيمة ترتقي وتتفوق بها الأوطان، وأيضًا تنهار بسببها الأوطان"، مضيفًا: "طالما نادينا وصرحنا أن التعليم الهندسي هو ملف أمن قومي لمصر، وعلى الجميع أن يدرك هذا، وأن يتعامل على هذا المبدأ".
وأوضح "النبراوي" أن الاهتمام بملف التعليم الهندسي لم يكن أبدًا وليد دورة نقابية واحدة أو بسبب حدث ما، ولكن هو وليد إدراك وجهود أجيال من المهندسين الواعين بخطورته، مشيرًا إلى أن النقابة سعت منذ عام 2014 وطرقت كل أبواب متخذي القرار، وقدمت الأفكار، واتخذت القرارات في الجمعيات العمومية، ولكن للأسف تخاذل البعض في تنفيذها في فترة ما.
وقال "النبراوي": "وإذ يحضرني مشهد من كلمة لرئيس الجمهورية حينما تعجب من تقدُّم عدد ضخم لمسابقة أحد فروع مهنة الهندسة والتكنولوجيا، ونجح فيها عدد ضئيل جدًّا، وكنت أتوقع أن تهرع كافة أجهزة الدولة المعنية إلى الالتقاء مع كافة الأطراف، وتبحث الملف، وتضع الخطط المناسبة لتلافي أسباب هذا الإخفاق الجسيم، ولكن كانت ردود الفعل ليست على قدر الحدث"، مستطردًا: "وعلى قدر موقفنا ومسئوليتنا وصلاحيتنا وبدعم كامل وغير محدود من الجمعية العمومية لنقابة المهندسين والمتخصصين القانونيين في هذا الشأن، تحرينا الدقة والالتزام بالقانون والدستور، وسعينا قدر استطاعتنا أن نحرز بعضًا من التقدم في الملفات التي تقع في مسئوليتنا في رؤية مصر 2030 والتي كان أساس مبتغاها وهدفها هو الجودة".
وأوضح "النبراوي" أن النقابة أصدرت القرارات التي تختص بالقيد في نقابة المهندسين في حدود اختصاصها، ووفقًا للقانون العام وقانون نقابة المهندسين، ولصالح المهنة والوطن، وتم عرضها بصدق على الجمعية العمومية السابقة، وأول هذه القرارات عدم تسجيل خريجي المعاهد التي لم تتقدم للحصول على اعتماد الجودة حتى 1/3/2024، وهناك مهلة أخيرة للحصول على الجودة في 31/12/2024.
وعبَّر المهندس طارق النبراوي، عن اندهاشه لوجود اعتراضات غير مبررة من البعض، من اشتراط حصول المعاهد والكليات الهندسية على الجودة، قائلًا: "ظننت أن الجميع سيؤيد ويساند، خاصة وأن هذا البند هو أحد نصوص القانون ويتطابق مع ما ورد في الدستور، ولكن تم إهماله في التطبيق لسنوات طويلة"، مقدمًا الشكر والتقدير للأستاذ الدكتور علاء عشماوي- رئيس هيئة ضمان الجودة والاعتماد الذي ساند هذه القرارات بإيجابية شديدة.
وأوضح نقيب المهندسين، أنه قبل إصدار قرارات بشأن الدبلومات الفنية، تحرينا الدقة في معايير الالتحاق بالتعليم الهندسي التي وضعها المجلس الأعلى للجامعات، والتي اشترطت ضرورة اجتياز اختبارات المواد المؤهلة، فجاء في قراره نصًّا: (ضرورة اجتيازهم الاختبارات حتى يتقارب مستوى الحاصل على الدبلوم الفني بمستوى الحاصل على الثانوية العامة– علمي رياضة)، متسائلًا أين الخطأ عندما تقبل النقابة قيد خريج التزم بضوابط المجلس الأعلى للجامعات، وترفض قيد آخر لم يلتزم بهذه الضوابط حتى وإن حصل على موافقة المجلس الأعلى للجامعات بالمخالفة لقرارات المجلس، أين المساواة؟!
وأكد "النبراوي" أن نقابة المهندسين المصرية لن تكون أبدًا وبقوة جمعيتها العمومية ومجلسها وهيئة مكتبها ونقيبها مجرد أداة صورية أو شكلية فقط للحصول على كارنيه النقابة بحق أو بدون حق، معبرًا عن أسفه كمصري أولًا، وكمهندس ثانيًا بوجود طوابير بطالة لمن أفنوا سنوات من الدراسة الهندسية الشاقة، ولم يحظوا بفرصة عمل لائقة مهنيًّا وماديًّا، قائلًا: "يعتصرني الألم حين أستمع إلى انتقادات لمستوى بعض أبنائنا في البلاد العربية، تلك البلاد التي بناها المهندس المصرى العظيم" ، مستطردًا: "ومن هنا كانت دراستنا لملف أعداد المقبولين بالتعليم الهندسى –وهذا محور رئيسي في هذا المؤتمر- وكان تحديدنا لرقم 22000 طالب للقبول بالتعليم الهندسى يعبر عن رأينا وموقفنا في هذا الشأن، وأنتظر تقييمكم اليوم".
وأشار "النبراوي" إلى أن توصيات هذا المؤتمر هي محور التواصل مع كافة مؤسسات الدولة،وستكون هي خطة عمل النقابة في الفترة القادمة.
وفي كلمته خلال المؤتمر أكد الدكتور هاني سويلم– وزير الموارد المائية والري، أن دور نقابة المهندسين جوهري ومحوري في حوكمة المهنة والعمل على الوفاء بمتطلبات سوق العمل الهندسي وتحقيق جودة العمل الهندسي، مشددًا على أن الوزارة على استعداد كامل للتعاون مع النقابة في كل ما يخص قطاعات المياه والموارد المائية وتدريب الأجيال الجديدة من المهندسين في مختلف التخصصات الهندسية المرتبطة بأعمال الوزارة.
وقال "سويلم": "إن جميع الجهات المعنية بالتعليم العالي تسعى لتحقيق جودة التعليم، ولمست في مجلس الوزراء مدى الجهد الكبير الذي يقوم به الدكتور أيمن عاشور- وزير التعليم العالي والمبادرات التي يطرحها من أجل تحقيق جودة التعليم الهندسي".
وأضاف: "ما نشهده اليوم في مجال الهندسة والتعليم الهندسي نتيجة لتراكمات سنوات طويلة، وهذه التراكمات تم البدء بالفعل في مواجهتها حاليًا".
وأوضح "سويلم" أن متطلبات سوق العمل تتغير، ويجب أن يواكب التعليم هذا التغير، مشيرًا إلى أن وزارة الموارد المائية يعمل بها أقل من 4 آلاف مهندس، وهو عدد قليل أمام المهام العديدة التي تتولاها الوزارة في مجالات الري والموارد المائية.. وقال: "مؤخرًا طلبنا تعيين 750 مهندسًا بالوزارة، فتقدم 5 آلاف مهندس، وفي أول اختبار لم ينجح من جميع المتقدمين سوى 5% فقط، أي 250 مهندسًا فقط".
وأضاف: "سوق العمل شهد تغيرات كثيرة في السنوات الأخيرة، وصار يستوعب إنشاء العديد من الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر في العديد من المجالات الهندسية، وحتى الآن لم نشهد إنشاء مثل تلك الشركات في مجال واعد، وهو مجال تحلية ومعالجة المياه، فإذا كنا نتحدث اليوم عن معالجة 21 مليار متر مكعب من المياه، سنحتاج بعد سنتين إلى معالجة 26 مليار متر مكعب، وأيضًا تطوير الري في الصحراء ودراسة المياه الجوفية مجال واعد أيضًا، وهو أمر يحتاج إليه كل المستثمرين في مجال الزراعة في الصحراء".
وتابع: "وزارة الري تطرح حاليًا الجيل الثاني لمنظومة الري، وكل تطوير يحتاج إلى مهارات جديدة، وتطوير في نوعية الخريجين ومتخصصين في المنظومة الجديدة، وإذا كنا نتحدث عن تطوير السد العالي والقناطر الممتدة بطول نهر النيل، ونتحدث عن مواكبة التغيرات المناخية، فإن ذلك كله يلزمه تحقيق طفرة تعليمية، فالعالم حاليًا يتحدث عن تحلية المياه بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح لاستخدامها في الزراعة، والمغرب حققت هذا الأمر، وعلينا أن نجاري كل هذه التطورات".
وأشار سويلم لوجود العديد من المجالات المتخصصة التى تتطلب وجود مهندسين أكفاء لمتابعتها وإدارتها مثل أعمال تطوير منظومة تشغيل السد العالي، وأعمال إحلال وصيانة المنشأت المائية، وإجراءات التعامل مع الآثار السلبية لتغير المناخ على قطاع المياه، وإدارة المياه الجوفية، والري الحديث بتقنياته المختلفة، بالإضافة لمجال معالجة مياه الصرف الزراعي الذي شهد توسعا كبيرا في الإعتماد عليه مؤخرا لسد جزء من الفجوة بين الموارد والإحتياجات المائية، وتقنيات التحلية للإنتاج الكثيف للغذاء والذى يعد أحد الأدوات الهامة التى يمكن الإعتماد عليها مستقبلا للتعامل مع تحديات المياه والغذاء، مشيرا الى أن سوق العمل سيستوعب أعدادا كبيرة من المهندسين الأكفاء خلال السنوات القادمة للعمل فى هذه المجالات .
وفي كلمته خلال المؤتمر قال الأستاذ الدكتور أيمن عاشور- وزير التعليم العالي والبحث العلمي: "أحضر معكم اليوم بصفتي ممثلًا عن دولة رئيس الوزراء، وبصفتي وزير التعليم العالي وبصفتي مهندسًا معماريًّا في هذه النقابة، وأؤكد أن ما يحدث في الوزارة حاليًا من طفرة في تطوير منظومة البحث العلمي والتعليم العالي، وعلى رأسها التعليم الهندسي، سنجني ثماره قريبًا".
وأضاف « أن الوضع الحالي للتعليم الهندسي هو نتاج تراكمات لسنوات سابقة.
وأكد "عاشور" أن التعليم الهندسي في مصر منظومة متكاملة. وقال: "لذلك نحن نسعى لربط المنظومة بالتعليم في مرحلة ما بعد التخرج، وإعداد مهندس قادر على مواكبة التطورات التي يحتاج إليها سوق العمل".
وشدد وزير التعليم العالي، على أهمية جودة التعليم الهندسي وربطها مع احتياجات الدولة وسوق العمل، مؤكدًا أن ذلك له أولوية في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في مصر.. وقال: "حاليًا لدينا 550 مؤسسة تعليمية ترغب في الحصول على اعتماد الجودة، كما أن البحث العلمي والابتكار أساس التطوير في العملية التعليمية، وبدوري حريص على أن تهتم النقابة بمزاولة المهنة، والعمل مع الوزارة من أجل الدفع بمهنة الهندسة للأمام".
وقال: عندما طرحنا الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي في مارس 2023، كان أحد محاورها جودة التعليم، وحاليا معظم برامجنا في الهندسة تركز على تعليم الطالب كيف يبتكر وينفذ ويقود.
ولفت وزير التعليم العالي والبحث العلمي إلى أنه منذ نحو 48 ساعة كان يقام رالي تصنيع السيارات، واشترك فيه 43 فريق من جامعات مصر ليتنافسوا في تصنيع سيارة كهربائية، بمنتج أكثر من 75 % محلي، وهذا الأمر يحول ابتكاراتهم إلى منتجات بمساعدة شركات في صناعة السيارات، وأعلن أن العام القادم سيشهد مسابقة دولية " فورمولا طلبة مصر على مستوي العالم .. متسائلًا أليس هذا جودة تعليم ؟"
كما علّق وزير التعليم العالي على شكر نقيب المهندسين لرئيس هيئة ضمان جودة التعليم الدكتور علاء العشماوي موضحًا أنها إحدى مؤسسات الوزارة وتنفذ ما تحتاجه.
وفي نهاية كلمته، أكد "عاشور" أن وزارة التعليم العالي ترحب بجميع التوصيات الصادرة من المؤتمر وستعمل عليها بجدية.