منذ تولي وزير التربية والتعليم الجديد محمد عبد اللطيف الحقيبة، ضمن الحكومة الجديدة، في يوليو الماضي، انتشرت اللجان الإلكترونية، الرافضة لتكليف شخص من خارج الديوان، وبدأ الكثير من أرباب المصالح والمتطوعين بالصياح ضده، فيما فرح فريق آخر بالقرار باعتباره تجديدا للدماء، بعد تراجع كبير في المنظومة في السنوات الأخيرة.
وبعدها، جاءت أبرز تصريحات وزير التعليم، من أول ساعة لتوليه المنصب، لتركز على معالجة أزمات المنظومة التعليمية، سواء ارتبطت بالمناهج أو الكثافة والعجز في أعداد المعلمين، ووعد بالسعي لإصلاحها، وهو يحاول أن يفي بوعده، وتحركاته وجرأته في القرارات خير دليل.
لم يكن اتخاذ قرار مثل درجتي الفيزياء لطلاب الثانوية العامة، وتصحيح خطأ بعد اعتماد النتيجة سهلا، بل خطوة جريئة نحو الإصلاح، وإحالة اللجنة المسئولة عن المراجعة للتحقيق، يعد مؤشرًا مهما على إرادة مواجهة الفساد ومحاسبة المخطئين، وأنه لا مكان لفاسد أو مخطئ في الوزارة بعد اليوم، وإن كان هذا القرار قد تأخر وأحدث ارتباكا بعض الشىء، ولكن المهم أنه أنصف من لهم حق.
ولعلها البداية المنتظرة لتغيير منظومة امتحانات الثانوية العامة والمسؤولين عنها، والإطاحة بمن يؤثرون سلبا على أهم وأبرز امتحانات، تساندها وتدعمها جميع جهات الدولة، فمن هنا سيكون تجديد الدماء والقضاء على الشللية والمحسوبية أمرا محسوما في القريب العاجل.
ولأننا نرى المجهود الذي يبذله وزير التعليم، فنريد مساعدته ودعمه ليحقق النجاح وينهض بالمنظومة الجديدة، عن طريق تلافى بعض الأخطاء التي رأيناها في امتحانات الثانوية العامة خلال الأعوام السابقة، ومنها طريقة أداء الامتحان بنظام «البابل شيت»، حيث تتشابه الاختيارات الصحيحة، ما يصعب الأمر على الطالب، كما أنه سبب رئيس في ضياع كثير من درجات الطلاب، بالإضافة لسهولة الغش.
وفيما يتعلق بتعديل بعض المواد، إما بالدمج أو بالإلغاء للمرحلة الثانوية، فإنها وإن كانت خطوات قوية، وتحارب أباطرة الدروس الخصوصية و"السناتر"، ومافيا الكتب الخارجية، إلا أن هناك تخوفات من الاستعجال في تطبيق القرارات الجديدة، وتأهيل الطلاب لها، مع تجاهل مواد رئيسية ومهمة لسوق العمل، مثل اللغتين الألمانية والفرنسية اللتين أصبحتا خارج المجموع ونجاح ورسوب فقط، ما سيؤدي لإهمالهما.
والسؤال الأهم الآن، كيف تم تجاهل إلقاء الضوء على مدارس STEM، والتطرق لها أثناء طرح ملامح التطوير لمنظومة التعليم الثانوي، وهي التي تلقى إقبالا من الطلاب بنظام تعليمها المتميز، رغم تعدد مشكلاتها وضعف الإمكانيات ببعض المدارس، فلم يتضح هل سيشمل التطوير هذه المدارس؟ وهل سيطرأ أي تطوير في نظام الدراسة بها؟ والأمر ذاته في طرق التقييم، أو حدوث تغيير في شروط القبول بها؟ وكل هذه الأسئلة لم نجد عليه إجابة حتى الآن.
وهناك أهمية كبيرة أيضا لقرارات وزير التعليم بعودة التقييمات مرة أخرى، والجميع يعلم أن عدم تطبيق التقييمات في صفوف المرحلة الابتدائية في الماضي، تسبب في عدم الاستفادة من خطط التطوير في السنوات الماضية، فلا جدوى للتطوير دون وجود تقييمات متتابعة ومستمرة لتجنب القصور، بينما الأزمة الحقيقة في العبء على الطفل من ناحية توزيع الدرجات، وآلية ومتابعة التنفيذ على أرض الواقع.
أما بالنسبة للمرحلة الإعدادية، فنرى أن أعمال السنة نسبتها كبيرة بشكل ملحوظ، وهذا له شقين، الاختبارات الشهرية والتقييمات الأسبوعية وكراسة الواجب، وذلك ضروري لأنه سيعطي استمرارية للتقييم والعمل على تعديل مستويات الطلاب ومتابعتها باستمرار والحضور الفعلي، ولكن من جانب آخر يضع نسبة كبيرة من درجات الطالب في يد المعلم والخوف من أن يخضع ذلك للأهواء.
ومن ناحية أخرى، فإن رؤية الوزير حول معالجة الكثافات الطلابية أمر جيد، ولكن يجب أن تتكاتف الدولة لتوفير ميزانية لإنشاء مدارس جديدة، وما عرضته المديريات من حلول يحتاج دراسة جيدة قبل الموافقة على التطبيق، لأن هناك من سيتضرر بالقرارات وأهمهم طلاب الثانوية العامة «خدمات» والمفترض أنهم يذهبون للمدرسة مساء.
أما بشأن الاستعانة بطلاب الجامعات لأداء الخدمة العامة دون مقابل، فلن يحقق الفائدة المرجوة، وكذا معلمي الحصة الجدد والتعاقد معهم سنويا سيكون غير مفيد وتكرارا لقرارات سابقة لن تؤدي هدفها.
الحقيقة أن وزير التعليم يحتاج إلى وقت أطول لبحث ودراسة القرارات، قبل إعلان تنفيذها، كما يحتاج النظر بشكل أسرع في بعض الأشخاص المحيطين بالديوان والرافضين للتطوير، ومنهم من يجلس على كرسيه دون تأدية أي دور يذكر، وهم ليسوا مؤهلين، وآخرون عليهم علامات استفهام كثيرة من سنوات، مع ضرورة التوقف عن الاعتماد على أشخاص محل انتقاد.
الشهادة الأهم أن الوزير لم يعط فرصة لأحد لتكوين «شلة» داخل الديوان كما عهدنا ذلك من قبل، فلذلك، فإن إعادة الهيكلة في الوزارة ضرورة ملحة، والتحدث مع الإعلام وكشف الخطط المستقبلية أمر لا بد منه، والاستفادة من فريق إعلامي محترف يزيد من تأثيره ويخلق حالة من التواصل مع الإعلام خارج الوزارة، ليساهم في شرح رؤى وتوجهات التربية والتعليم، ودفع المنظومة لنقلة حضارية جديدة، مع زيادة التواصل الإعلامي بين فريق إعلام الوزارة وكافة المؤسسات الصحفية والقنوات الفضائية.
ونحن نعلم أن الوزير محمد عبد اللطيف قادم لمشروع إصلاح وتطوير بفكر جديد داخل الجمهورية الجديدة، وهو أمر يحتاج تضافر كافة الجهود، وخصوصا في الإعلام؛ لأن التطوير لن ينجح إلا بالمشاركة الشعبية، وهذه المشاركة لا تأتي إلا بإعلام واعٍ وقوي يستطيع أن يصل لكل الناس، والجميع يعلم أن الإرث ثقيل.