"صفحة من التاريخ المصري طُويت، وصفحة أخرى بدأت، ومعها زمان مختلف".. هكذا وصف الكاتب الصحفي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل ما حدث صبيحة ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ في كتابه "سقوط نظام: لماذا كانت ثورة يوليو ١٩٥٢ لازمة؟". يرى هيكل، أن حادثة قصر عابدين في فبراير ١٩٤٢، والأحداث التي وقعت في ديسمبر ١٩٤٨ خلال حرب فلسطين، هي التي فتحت الباب أمام الولادة القيصرية لـ "ثورة يوليو ١٩٥٢".
كانت مصر وقتها على موعد لكتابة فصل جديد من فصول التاريخ، بدايته عندما استيقظ الشعب المصري صباح يوم ٢٣ يوليو على البيان الأول للثورة، والذي ألقاه البكباشي آنذاك محمد أنور السادات، وتضمن المبادئ الستة للثورة والتي انقسمت إلى مجموعتين ثلاثة للهدم: القضاء على الاستعمار، والقضاء على الإقطاع والرأسمالية، وفساد السلطة، وثلاثة للبناء: تأسيس جيش وطني، وإقامة عدالة اجتماعية، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة.
العديد من التغييرات الجذرية داخل مصر وخارجها ساهمت فيها ثورة يوليو، منها إلغاء الملكية وقيام الجمهورية، وتأميم قناة السويس، وإلغاء دستور ١٩٢٣، إعلان الاستقلال وتوقيع اتفاقية الجلاء، فضلًا عن القضاء على الإقطاعية وإصدار قانون الإصلاح الزراعي، ولكن بعد ٧٢ عامًا من ثورة يوليو ماذا تبقى منها؟
"البوابة" طرحت التساؤل على عدد من المؤرخين وأساتذة علم الاجتماع والعلوم السياسية والخبراء، منهم من أكد أن آثار ثورة يوليو والتغييرات التي أحدثتها ما زالت موجودة وباقية، خاصة في المناحي السياسية والعسكرية وأهمها تأسيس الجيش المصري، فيما أوضح آخرون أنه بعد مرور ٧٢ عامًا على ثورة يوليو لم يبق منها شيء.
مبادئها وأهدافها باقية
يقول الدكتور أحمد يوسف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن مبادئ وإنجازات ثورة يوليو باقية وراسخة، موضحًا أنه بعد وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في سبتمبر ١٩٧٠، حدث تحول واضح عن سياسات ثورة يوليو في عهده، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو السياسات الداخلية والخارجية.
وأكد يوسف في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، على أن إنجازات ثورة يوليو موجودة ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، منها أنه لا يمكن أن ينكر أحد دور ثورة يوليو في تحرير الجزائر ودعم المناضلين الجزائريين حتى انتزاع الاستقلال من فرنسا، كما لا يمكن إلغاء دور الثورة في تثبيت النظام الجمهوري في شمال اليمن، والقيام بدور رائد في مساعدة المناضلين من أجل تحرير جنوب اليمن، وصولًا إلى تحريرها.
وتابع، أنه لا يمكن أن يمحو أحد الدور المصري في تحرير أفريقيا وهو ما زالت أصداؤه موجودة حتى هذه اللحظة، مشددًا على أن هناك مكتسبات لا يمكن محوها وأنها باقية على أرض الواقع دون جدال.
وأوضح أن مبادئ ثورة يوليو ما زالت كما هي، ومنها المبدأ الثاني من المبادئ الستة وهو القضاء على الاستعمار، حيث إن هذا المبدأ ما زال معمولًا به وتسعى مصر إلى القضاء على الاستعمار في أرض غزة، وكذلك المبدأ الخاص بإقامة جيش وطني قوي، مؤكدًا أن هذا المبدأ تحديدًا هو أكثر المبادئ التي لا يمكن إنكارها وما زال قائمًا، فمصر تتمتع بواحد من أقوى جيوش العالم.
وأكد الدكتور أحمد يوسف، أن المبادئ والأهداف ما زالت قائمة رغم ما حدث من تحولات، لافتًا إلى أنه يمكن أن تكون المشكلة أنه لا توجد الآن قوة سياسية يعتد بها قادرة على حمل مشروع ثورة يوليو سياسيًا في أي قطر من أقطار الوطن العربي، وذلك بسبب أن التنظيمات المؤمنة بمبادئ ثورة يوليو تعاني من انقسامات واضحة فيما بينها، وأنها لا تتمتع بتأييد أغلبية الرأي العام في الدول العربية.
ما أنتجته من كتابات وثقافة لا يمكن إنكاره
الكاتب الكبير والروائي يوسف القعيد، أكد أن أهداف ومبادئ ثورة يوليو ما زالت موجودة وباقية، موضحًا أن العدالة الاجتماعية التي ما زال البعض يطالب بها موجودة بالفعل بفضل ثورة يوليو، بالإضافة إلى القضاء على الإقطاع وتطبيق قانون الإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي على الفلاحين، ووجود حد أقصى للملكية، وهذا لم يكن موجودًا من قبل.
وأضاف القعيد لـ"البوابة"، أن شعارات الثورة "ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد" ما زال أثره موجود عند المصريين، مشيرًا إلى ما أنتجته ثورة يوليو في الثقافة المصرية من كتابات وكُتاب وأفلام سينمائية وروايات، وأجيال جديدة أصبحوا حقيقة أساسية في الواقع المصري، ولا يمكن إنكار كل هذا أو التحايل عليه أو اعتباره كأنه لم يكن، مشددًا على أن ثورة يوليو جوهرية لها ما قبلها ولها ما بعدها، ونحن نعيش حاليًا فيما أنتجته.
بداية عهد جديد للعلاقات الأفريقية المصرية
من جهته ثمن السفير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق، على دور الرئيس جمال عبد الناصر وقيم ثورة يوليو في إرساء عهد جديد للسياسة في العلاقات الدولية بين مصر ودول القارة السمراء.
وقال "العرابي" في تصريحات لـ “البوابة نيوز” إن مصر لديها رصيد كبير في الدول الأفريقية بسبب مساعدات عبد الناصر لحركات المقاومة والتحرر من الاستعمار، وأنه من المؤكد أن قيم ثورة يوليو ساعدت العديد من الدول العربية المستعمرة علي تأسيس حركات المقاومة مثل الجزائر، وأدت سياسة ما بعد الثورة إلى ظهور حركات عدم الانحياز والتي أدت جدواها فيما بعد في حل المشكلات الدولية.
وأشار "العرابي" إلى أن سياسة مصر الخارجية تأثرت بفترات مختلفة وظروف مختلفة محليًا ودوليًا، ولكن لا تؤثر قيم ثورة ١٩٥٢ عليها بشكل مباشر، ولكل فترة حكم ظروفها في رسم العلاقات.