تمر الذكرى الحادية عشر لقيام ثورة 30 يونيو التي خلصت الشعب المصري من تهديدات أمنية صريحة، وحطمت حلم الجماعات الإرهابية بالتمدد في المنطقة، وليس فقط حلم التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية في التمكين والسيطرة، كاشفة عن وعي مصري خالص بمدى خطورة الجماعة الإرهابية على هوية وتاريخ ومؤسسات الدولة المصرية.
ورغم نجاح الجيش والشرطة وأجهزة الأمن المختصة، بعد ثورة 30 يونيو، في محاصرة الحملة الإرهابية التي شنتها الجماعة بمساندة من تنظيمات إرهابية مرتبطة بها، فإن خلايا الجماعة لا تكف عن استغلال الأزمات، بهدف زيادة غضب المصريين، وتحريضهم على الفوضى، وضرب معنوياتهم، انتقاما من المواطنين ومن الدولة ومن الجميع الذين ساعدوا في استئصال حكم الجماعة الإرهابية.
ومن المفارقات مثلا أن جماعة الإخوان الإرهابية التي تتظاهر بالتباكي على أزمة الكهرباء حاليا، هي نفسها التي أطلقت مجموعاتها النوعية لتفجير وإسقاط أبراج الكهرباء، لعرقلة الدولة في إنجاز وحل المشكلة، والقضاء على الأزمة بالكامل، وهو ما نجحت فيه مصر بالفعل، إلا أن ارتفاع درجات الحرارة عالميا بصورة غير مسبوقة أدى لزيادة الطلب، وزيادة الاستهلاك للطاقة الكهربائية، بالتوازي مع أزمة مؤقته في تدبير الوقود المُشغل للمحطات الكهربائية أدى لقيام الحكومة المصرية بتنفيذ خطة لتخفيف الأحمال، وهو ما اعتذرت عنه الحكومة ووعدت بحل المشكلة قبل نهاية العام الجاري.
30 يونيو أسقطت القناع
شكَّل وصول جماعة الإخوان إلى الحكم في مصر خطرا كبيرا على أمن البلد وأسراره، خاصة وأن الجماعة عملت منذ انهيار الأمن في أعقاب ثورة يناير 2011 على استقدام وتجميع قيادات إرهابية من خارج مصر، وكأنها تستعد لمؤامرة كبرى.
قبل يناير 2011، خدعت الجماعة بعض النخبة بأنها حزب سياسي له خلفية دينية معتدلة، وأنها تختلف عن تنظيمات إرهابية مثل "جماعة المسلمين" المعروفة بجماعة التكفير والهجرة، والجماعة الإسلامية، وتنظيم الجهاد، وأنها بديل إسلامي آمن، لا ينتهج العنف، وقابل للمناقشة والمرونة، وهي أفكار ظهر كذبها وعدم صحتها بعد عام 2011، إذ عملت الجماعة على الاستحواذ على السلطة وتقريب القيادات الإرهابية والإفراج عنهم بل وتصديرهم للمشهد، ليظهر جليا أن ادعاء الفصل بين جماعة الإخوان وبقية الجماعات التي ارتكبت الجرائم والاغتيالات مجرد وهم.
هذه الصورة عبر عنها المفكر الاجتماعي الراحل الدكتور سيد ياسين في مقدمته لكتاب "حول تجربة الإخوان المسلمين من جمال عبدالناصر إلى عبدالفتاح السيسي" للكاتب اللبناني فرحتن صالح.
وأكد السيد ياسين أنه تبين عبر الزمن، كما ثبت خصوصا بعد ثورة 25يناير ونجاح جماعة الإخوان المسلمين في الوثوب إلى السلطة السياسية في مصر بعد أن حصلوا على الأكثرية في مجلس الشعب والشورى وبعد أن أصبح رئيس حزب الحرية والعدالة الإخواني محمد مرسي رئيسا للجمهورية، أن التفرقة بين الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف وهمية، وأن جماعة الإخوان المسلمين هي المصدر الرئيسي للتطرف الديني وهي الراعية الحقيقية للإرهاب.
مُدللا على رأيه، لفت "ياسين" إلى أن الحقائق ثبتت بعد أن أسقط الشعب في 30 يونيو حكم الإخوان المسلمين وعزل الرئيس محمد مرسي والقبض على قيادات الجماعة، ومن ذلك التاريخ قامت الجماعة بحملة إرهابية منظمة على المؤسسات وعلى قوات الأمن والقوات المسلحة، بل وجهت هذه الحملة سهامها الغادرة ضد فئات الشعب جميعا بلا تمييز، وهكذا سقط القناع وظهرت جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعة إرهابية، كما أعلنت الدولة المصرية وكما قررت السعودية وغيرها من دول الخليج.
أما فرحان صالح مؤلف كتاب "حول تجربة الإخوان المسلمين"، فقد تحدث عن عدد من السمات التي يجتمع عليها عناصر الجماعة الإرهابية أبرزها إقصاء المخالف وعدم الثقة فيه، وعدم القدرة على المرونة أو التعاطي مع الأفكار المختلفة، إلى جانب تدخل مكتب الإرشاد في الحكم بصورة فجة وغير مقبولة، وتكوين مليشيات لردع المعارضين.
وأوضح "صالح" أن الإخوان لا يأخذون بالقوانين الوضعية بل بالتعليمات التي تأتي من المرشد، وقد نجد أنه ليس هناك تمييز بين القصر الرئاسي ومقر المرشد، وليس من تمييز في تصرفاتهم بين المؤسسات الحكومية ومؤسساتهم الحزبية، والملاحظ أن في التنظيم الإخواني من شارك الرئيس في السلطة وفي اتخاذ القرارات المتعلقة بصلاحيات الرئاسة، أضف إلى ذلك أنهم يديرون مؤسسات الدولة بطريقة القطيع المؤيد والقطيع المعارض والذي ينبغي مواجهته بقطيع من الأمن، وإذا لم يستطيعوا فمليشيات الإخوان جاهزة لانقضاض.
مؤكدا أن الجماعة ظلت تخشى الانفتاح على الآخرين، كما أن نظرتهم إلى خصومهم السياسيين فيها الكثير من الريبة والشك وعدم الثقة، لذا مارسوا استبعاد خصومهم لا الحوار معهم أو استيعاب معطيات مختلفة عن قناعاتهم الثابتة.
استقدام كوادر إرهابية من الخارج
بالعودة إلى تسجيلات قادة جماعة الإخوان التي تم بثها في مسلسل "الاختيار3"، فإن الحلقة العاشرة وثقت تسجيلا يتحدث فيه الإخواني خيرت الشاطر عن مجيء عناصر إرهابية من الخارج، استجابة لنداءات عناصر داخلية مثل عبدالمجيد الشاذلي.
واعترف "الشاطر" بوجود مجموعات خطر للغاية سماها بـ"مجموعة التوقف والتبين"، وقال: إن مجموعة عبدالمجيد الشاذلي المعروفة بالتوقف والتبين أو القطبيين أو السلفية الجهادية مجموعات خطر حقيقي حتى لو كانوا قليلي العدد لأنهم يتبنون فكرة العنف، ولديهم فكرة أنهم لابد أن يقفزوا على الحكم والسلطة وهو تعديل في استراتيجياتهم السابقة.
وأضاف "الشاطر"، أن عبدالمجيد وجه نداء لتنظيم القاعدة ولجماعات العنف بالخارج للمجيء إلى مصر، ونزلت مجموعة يتراوح عددها من 30 إلى 40 شخصًا في وسط غياب أجهزة الأمن، وربما يكون لديهم تفكير في عمليات تفجير محدودة.
ورغم أن "الشاطر" اعترف بدخول عناصر إرهابية مدربة للبلاد فإنه ألصق التهمة بعبدالمجيد الشاذلي وجماعته، وكأنه لا ارتباط بينهم، وهو ما ظهر كذبه جليا بعد ثورة 30 يونيو، وأنها جماعات تنسق لصالح بعضها، وأن الإطاحة بالإخوان فتح جبهة مواجهة مع كل التنظيمات الإرهابية داخل مصر وخارجها.
في كتابه "السلفي الأخير: الإرهاب المعولم والداعشية المصرية" ذكر الكاتب أحمد بهاء الدين شعبان أنه في أعقاب ثورة يناير دخل مصر نحو 3000 إرهابي عتيد من هؤلاء الذين سافروا وتدربوا باحترافية عالية على تكتيكات العمليات الإرهابية في أفغانستان.
كما لفت "شعبان" إلى أن دور الرئيس الإخواني في الإفراج عن عدد من كبار كوادر الإرهابيين وإطلاق سراحهم ليكونوا جميعا أخطر وأهم الركائز الأساسية التي ساعدت على استفحال الظاهرة الإرهابية.
مجرمون طلقاء بعفو رئاسي
حرصت الجماعة الإرهابية منذ وصولها للحكم على تخليص العناصر المسجونة التابعة لها أو التابعة لتنظيمات مرتبطة بها، بعض المسجونين الذين حصلوا على العفو الرئاسي الإخواني خرجوا وسافروا إلى سوريا للقتال هناك، والبعض ظل في مصر، وقدم خدماته الإرهابية لجماعة الإخوان بعدما أطيح بها ولفظهم الشعب المصري في ثورته الخالدة.
وفي كتابه "مصر في زمن الإخوان" عقد المؤلف جمال محمد غيطاس فصلا عن قضية العفو الرئاسي متتبعا بالبيانات والأرقام عدد قرارات العفو الرئاسي التي أصدرها الرئيس الإخواني، وعدد الأسماء التي شملها العفو، والانتماءات التنظيمية لها، والجرائم المرتكبة منها، فوجد مثلا أن أبرز جرائم حصلت على عفو تلك الجرائم المتعلقة باستخدام السلاح أو التجارة فيه أو القتل أو التخريب أو الاعتداءات على الحدود الجنوبية مع السودان مثلا أو الحدود الشمالية في سيناء.
وأشار "غيطاس" إلى أن قضية المسجونين والمعتقلين الذين حصلوا على عفو رئاسي من الدكتور مرسي شكلت لغزا غمضا في الكثير من جوانبه بالنسبة للشعب.
مضيفا، أن قرارات العفو الرئاسية الصادرة عن محمد مرسي خلال رئاسته للجمهورية خاصمت بكل وضوح المعتقلين السياسيين ومن اعتقلوا أو سجنوا في قضايا رأي، واحتضنت بصورة خاصة المسلحين وتجار السلاح وغيرها من الجرائم الجنائية بل ومرتكبي بعض جرائم القتل الذين صدرت بحق الكثير منهم أحكام بالمؤبد والإعدام.
هذه العناصر وخاصة القيادات والكوادر الإرهابية كانت عونا وسندا لجماعة الإخوان الإرهابية في الحملة الشرسة والموجة العاتية من الإرهاب التي راح ضحيته الكثير من أبناء القوات المسلحة والشرطة المصرية فضلا عن المدنيين والأطفال والمنشآت والمؤسسات الحيوية في البلاد.