في شمال غزة، حيث تتداخل قصص الحياة اليومية مع ملامح الألم والمعاناة، تبرز مأساة الجوع كجرح مفتوح لا يندمل منذ تسعة أشهر، في هذا الركن الصغير من العالم، حيث تلتقي الحدود الجغرافية مع حدود الكرامة الإنسانية، نجد أنفسنا أمام مشهد يتجاوز حدود التصور، أطفال ونساء وشيوخ، جميعهم يقاومون ببطولة صامتة ضد عدو لا يرحم.
في هذه المنطقة المحاصرة التي تشمل مدنية غزة ومخيم جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، لا تسعف الكلمات في وصف حجم المعاناة، ولا تستطيع الصور نقل الأوجاع بدقة، يموت الناس هناك ببطء، وليس فقط بسبب نقص الطعام، بل بسبب غياب الأمل في غدٍ أفضل.
“البوابة” تسرد حكايات تفيض بالإنسانية، وتستمع إلى أصوات الذين يعانون بصمت، في نداء عاجل لضمائر العالم.
"#شمال_غزة_يموت_جوعا"..تصدر مواقع التواصل الاجتماعي، مسلطاً الضوء على المأساة التي يعيشها سكان المنطقة، حيث يتفشى الجوع بشكل خطير بينهم.
في يوم واحد، تجاوز عدد التغريدات والمنشورات نصف مليون، مطالبين بتدخل دولي عاجل من قبل المنظمات الإغاثية والحقوقية لإنقاذ السكان من الموت جوعاً.
منذ سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح، تدهورت الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بشكل ملحوظ نتيجة شح المواد الغذائية والمستلزمات الطبية، كان معبر رفح سابقاً المتنفس الوحيد لجنوب القطاع، ولكن الآن يعاني الجنوب والشمال على حد سواء من أزمات إنسانية حادة.
مدينة بيت حانون شاهد على المأساة
المصور الصحفي محمد مهنا المصري تحدث عن الوضع الحالي في بيت حانون، إحدى مناطق شمال غزة، قائلاً: "إن مدينة بيت حانون شاهد على المأساة الفلسطينية. البُنى التحتية دُمّرت، الأراضي الزراعية جُرفّت، والمياه الصالحة للشرب شحيحة جداً وربما تكون غير صالحة. المباني السكنية والمنشآت التعليمية تضررت بشدة، حيث لم يتبقَ إلا ثلاث مدارس تخدم نحو 2500 شخص". أضاف المصري أن النازحين الذين عادوا إلى بيت حانون بعد انسحاب جزئي لقوات الاحتلال لم يجدوا سوى أطلال. وأكد أن الوضع المعيشي والصحي مأساوي للغاية، حيث يعتمد السكان على المعلبات التي تدخل بصعوبة من معبر الضفة الغربية، وتفتقر المنطقة إلى اللحوم والخضروات والبقوليات والفواكه.
معاناة يومية للحصول على الماء والمواد الغذائية البسيطة
وقال كامل حمادة، صحفي وإعلامي بالتليفزيون الفلسطيني:أن المعاناة يومية للحصول على الماء والمواد الغذائية البسيطة، البعض بدأ بالصيام والبعض يكتفي بوجبة واحدة لافتقاد المواد الغذائية وإن توافرت فالأسعار من الفاسدين خيالية بالنسبة للنازحين الذين خرجوا من بيوتهم بملابسهم الشخصية وأطفالهم بعيدا عن الحرب والدمار والمجازر اليومية، مضافاً، لانجد قوت يومنا وقطاع غزة يشهد أسوأ كارثة في التاريخ.
الوضع صعب في شمال القطاع والقصف مستمر
فيما قال أحمد وائل حمدان، مراسل قناة الجزيرة في حديثه لـ"البوابة نيوز"، عبر تسجيل صوتي، إن الوضع صعب جدا في شمال القطاع وخطر فما زالت قوات الاحتلال موجودة والقصف مستمر والناس على عاتقها فتحت المدارس وسكنت، ولا تصل إلينا أي مساعدات، الشباب تبادر وتدفع الأموال لكي توفر بعض الطعام لأهل المدينة، مشيرا إلى أن نسبة الدمار التي حلت بالمدينة وصلت لـ٨٥٪ وأكثر حيث إن جميع المباني دمرت ومعظم المباني سويت بالأرض، حيث رأيت بأم عيني كيف استهدفوا المباني السكنية فقط، كما لو كانت لعبة كمبيوتر، مشيراً: إلى أن الطعام والماء ينفدان، ولنحو تسعة أشهر، تستمر الحرب على كل شيء البشر والحجر والشجر.
إسرائيل ترفض إدخال المساعدات وتفرض حصارًا قاسيًا
وأوضح الصحفي محمد البرعي، إنه على الرغم من دخول بضائع من معبر كرم ابو سالم جنوب القطاع فإن إسرائيل ترفض إدخالها لشمال القطاع وتفرض حصارا قاسيًا منذ تسعة عشر شهراً قائلا "لم نر حصارا بهذا الشكل قبل ذلك نحن نموت بصمت وهدوء والطريق الى الجنة مليء ومزدحم بالأطفال والنساء والشباب".
و أضاف البرعي في تصريحات لـ"البوابة"، أنه منذ تسعة أشهر ننجو من الحياة ونسأل الله الشهادة، ونسأل الله السلامة لنا ولكل ما تبقى في غزة بشر وشجر وحجر.
اهات
على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر العديد من المستخدمين عن سخطهم وألمهم من الوضع في شمال غزة، فكتب أنس الشريف مراسل قناة الجزيرة على منصة اكس يقول"إذا انفض الناس عن غزة وملوا من أخبارها، فلا تتخلى عنها حتى لو بقيت وحدك"
أما إسماعيل الغول مراسل قناة الجزيرة فكتب: "دعني أخبرك يا صديقي، بأنني أصبحت لا أعرف طعم النوم، جثامين الأطفال والأشلاء وصور الدماء تكاد لا تفارق عيناي، صرخات الأمهات وبكاء الرجال وقهرهم لا تغيب عن مسامعي.
لا أستطيع تجاوز صوت الأطفال من أسفل الركام، غير قادر على نسيان صوت الطفلة الذي يتردد في كل لحظة وصار مثل الكابوس.
الأمر بات مرعبًا أن تقف أمام الجثامين الملقاة والعالقة والممدة والمتكدسة، ومرعبًا أكثر حينما تمر من الأحياء الذين يصارعون الموت تحت منازلهم ولا يجدون سبيلا للخروج والنجاة".
وقد شارك عدد من النشطاء في تدوينات أرفعت بلقطات مصورة لأطفال شمال غزة، وقد ظهر عليهم الجوع، أو خلال طلبهم للأكل من “تكايا” الطعام.
وكتب إبراهيم حبوش “المجاعة تهدد حياة الأطفال شمال قطاع غزة مجددا بسبب وقف المساعدات”.
بسرعة، وصل الهاشتاج إلى المركز السادس عالمياً خلال ٢٤ساعة، حيث حثّ الناشطون على تكثيف نشره بكل اللغات. وحمل المكتب الإعلامي الحكومي بغزة الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأمريكية مسؤولية تردي الأوضاع الإنسانية، مؤكدين أن هناك 3500 طفل معرضين للموت بسبب سوء التغذية. هذا الهاشتاج أصبح صرخة مدوية تنادي العالم لإنقاذ شمال غزة من شبح المجاعة.