يتابع يورج سورنسن Georg Sorensenأستاذ العلوم السياسية ونظم الحكم في جامعة آرهوس Aarhus Universityالدنماركية، في كتاب "إعادة النظر في النظام الدولي الجديد "Rethinking the New World Order، والذي نقله إلى العربية أسامة الغزولي، بقوله: وتجبرنا هذه الرؤية للقوة، إذن، على التركيز على موارد القوة المادية للدول حتى نكتشف من يملك القوة فى النظام الدولى، وتعين الأهتمام، على نحو خاص، بالقوة العسكرية، لكن المصادر الأخرى للقوة، وبينها القدرة الاقتصادية، لها أهميتها هى أيضًا. وأن تبنينا هذه الرؤية فهل أولئك الواقعيون محقون فيما يذهبون إليه من أن الولايات المتحدة تتركز فى يديها القوة على نحو هائل؟ قد تكون الإجابة المختصرة هى "نعم"، إن نظرنا فى بعض الأرقام الأكثر أهمية:
- الإنفاق العسكرى، إذا أخذنا أكبر 15 دولة من حيث الإنفاق العسكرى فى العام 2013 فسوف نجد أن حصة الولايات المتحدة منه تبلغ 37 فى المائة، وتبلغ حصة الصين 11 فى المائة، وحصة روسيا 5 فى المائة، فى حين تبلغ حصة الأثنتى عشرة دولة الباقية 4 فى المائة من الإجمالى. وهذا يعنى أن الولايات المتحدة متفوقة على ما عداها بدرجة كبيرة، من حيث الإنفاق العسكرى، وفى الوقت ذاته لا يتجاوز هذا الإنفاق 3.8 فى المائة من إجمالى الناتج المحلى الأمريكى، وفى العام 1988 بلغ إنفاق الولايات المتحدة 5.7 فى المائة من إجمالى الناتج المحلى، وإبان حرب فيتنام قارب الإنفاق 10 فى المائة. وهناك اتفاق عام على أن هذه القدرة العسكرية الهائلة تضمن للولايات المتحدة قيادة المشاعات العالمية، من بحر وجو وفضاء، وهى التى " لا تخص أحدًا فى حين أنها تضمن الوصول إلى كثير من أنحاء الكوكب ".
- القدرة الاقتصادية: فى العام 2013 بلغت حصة الولايات المتحدة من الناتج المحلى الإجمالى فى العالم، محسوبة على أساس تعادل القوة الشرائية، 19.3 فى المائة، وبلغت حصة الصين 15.4 فى المائة. وفيما يتصل بنصيب الفرد من إجمالى الدخل تختلف الصورة بدرجة أكبر بالطبع، فهى تبلغ فى الولايات المتحدة 53101 دولار أمريكى للفرد، فى حين تبلغ فى الصين 9844 دولار أمريكيا، أى أن حصة الفرد من إجمالى الناتج العام فى الصين أقل من 19 بالمائة من مثيلتها فى الولايات المتحدة.
- الابتكار والتكنولوجيا: يفوق الإنفاق الأمريكى على البحث والتنمية إنفاق أى دولة أخرى، بهامش بالغ الاتساع، عند حسابه بالقيمة المطلقة 408 مليارات دولار أمريكى، وفق تعادل القوة الشرائية فى العام 2010. والولايات المتحدة هى الأولى عالميا من حيث تسجيل براءات الاختراع والدرجات العلمية فى العلوم الهندسية.
وباختصار إن نظرة إلى التجليات الرئيسة للقدرة المادية للدولة ذات السيادة تُبرز، بالفعل، صورة للتركيز على الأرقام الحالية هم يركزون على الاتجاهات الحالية، القوى الصاعدة، وبخاصة الصين، تلحق بالولايات المتحدة على نحو سريع، وسوف تتجاوزها بمرور الوقت. فقبل خمسة وعشرين عاما كانت حصة الصين من الناتج المحلى الإجمالى فى العالم 3.81 فى المائة، وكانت حصة الولايات المتحدة 25 فى المائة. ولكن الفجوة تضيق، وفى غضون سنوات قليلة سوف يصبح الاقتصاد الصينى الاقتصاد الأكبر، ومن المتوقع أن يفوق الاقتصاد الصينى اقتصاد الولايات المتحدة بمقدار مرة ونصف المرة، بحلول العام 2030. وفيما يخص القدرة العسكرية فهى تتبع السعة الاقتصادية، أساسًا، وفقًا لتشارلز كوبتشان Charles Kupchan: لأن " القوة الاقتصادية هى، فى النهاية، أساس القوة العسكرية، ومن ثم فإن " قدرا أكبر من التماثل فى القدرات الاقتصادية، مستقبلا، من شأنة أن يترجم، فى النهاية، إلى قدر أكبر من التماثل فى توزيع القوة العسكرية فى العالم".
هناك جدل واسع ومتواصل منذ فترة طويلة بشأن مفهوم القوة وحول القوة فى صلتها بالترتبيات الدولية والنظام الدولى. تؤكد وجهة النظر القائلة بــ"تركيز القوة" على القوة من حيث موارد مادية مع اهتمام خاص بالقدرات العسكرية والاقتصادية. ووفقًا لهذه الرؤية، ففى النظام الحالى تركيز هائل للقوة بيد القوة العظمى الوحيدة الباقية، وهى الولايات المتحدة. وفى المقابل يذهب من يقولون بــ"انتشار القوة" إلى أن القوة مبعثرة بين كثيرة من اللاعبين على عديد من المستويات المختلفة، بينها مستويات دون الوطنية ووطنية وفوق الوطنية. وبما أن الحرب لم تعد احتمالا ماثلا، فمن المنطقى الانتقال بالتركيز إلى الموارد غير المادية وغير الملموسة، كالقوة الناعمة.
فالولايات المتحدة تبقى البلد القائد والأكثر قوة فى النظام الحالى. وعلى الرغم ذلك لا تكفى مصادر القوة لبناء نظام مستقر وفعال. للقوة جانب اجتماعى يقوم على القدرة على تخليق وإدامة نظام يتصف بالمشروعية التى تعنى أنه يُنظر إليه باعتباره نافعا للكافة، بأكثر مما هو أداة لسيطرة دولة قائدة.
وللحديث بقية.