يوم نموت.. سيمحو النسيم الرقيق آثار أقدامنا على الرمال..
بعدما يفنى النسيم..
ترى، من سيخبر الأبدية أننا مشينا هاهنا مرة في فجر الزمان؟
أغنية لقبائل البوشمن – سلسلة "سافاري"
عندما أراد أحد الملوك أن يختصر له حكيم تاريخ البشرية في عبارة واحدة تُرضيه قبل أن يموت، قال الحكيم: "يا مولاي، الناس ولدوا، فعاشوا، فماتوا". مات الملك راضيًا، لكنه لم يجد الوقت ليعرف عن كثيرون تركوا آثارهم، تارة بالمباني، وتارة أخرى بالكتابة.
من بين من تركوا آثارهم بالكتابة كان أحمد خالد توفيق، تمنى أن يقول الناس بعد وفاته "جعل الشباب يقرأون"، وقد فعل. امتد أثره في جيلي الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، بل وكثير من مواليد الألفية الجديدة كذلك.
كان الراحل ساخرًا كمن جاب العالم حتى تجرع الملل، ودقيقًا كعادة الأطباء الذين يصفون الدواء بالمللي جرام، مختلفًا عندما تعمق في دراسة طب المناطق الحارة وجعل قارئه خبيرًا بأمراض الدم. برزت شخصيته الملولة من خلال بطله الأشهر رفعت إسماعيل، والذي عرفناه عبر رواياته التي "تخطف الأنفاس من الغموض والرعب والإثارة" كما كنا نقرأ على أغلفة سلسلة "ما وراء الطبيعة"، التي امتدت حكاياتها مع ذلك الأصلع العجوز -الفاتن في الوقت نفسه- الذي صار يُشبه قاطرة قديمة مُتهالكة من فرط التدخين، ويضع عطرًا في المناسبات بينما يرتدى تلك البذلة الكحلية التى تجعله فاتنًا.
ومثل كاتبه، كان رفعت إسماعيل قلقًا من النسيان بعد الرحيل "ماذا سيقولون عنى حين أموت؟ د. رفعت إسماعيل، راهب العلم الذي لم يتزوج من أجل دراسة أمراض الدم.. له أسفار عديدة وصداقات كثيرة في الوسط العلمي، وله تأملات خاصة في الميتافيزيقا.. هذا هو كل شيء..
ولكن أين حقيقتي؟ أين معاناتي العاطفية؟ مشاكلي مع التدخين؟ مخاوفي وإحباطاتي؟ لحظات نصري ولحظات هزيمتي.. كل هذا لن يعرفه أحد سوى من دنا منى إلى مسافة سنتيمترات وسمع سعالى ليلًا.. وأصغى لصوت اصطكاك أسناني بردًا.. وخاض معي مغامرة اختيار ربطة عنق قبل أن أقابل خطيبتي".
لكن، لم يترك أحمد خالد توفيق أثرًا على الرمال لن بشعر به أحد بعد مرور النسيم كما قال "البوشمن" عن أنفسهم. بل رسّخ وجوده بعدما مزج في عقول هذا الجيل، الذي صار بين أواخر العشرينات ومشارف الأربعينات من عمره، الرعب بالفكاهة بالمعلومات الطبية والعلمية التي كان يبثها في الصفحات التي تجمعنا بكل من رفعت وبطله الآخر علاء عبد العظيم.
علاء، الذي كان مرشدنا في أحراش أفريقيا، خضنا خلفه رحلات صيد الغرائب بين قبائل "الماساي" و"الزولو" و"البوشمن" و"الخوي خوي". صرنا نخشى عندما تلسعنا حشرة طائرة في قفانا أن تكون حاملة لمرض النوم، واعتدنا أن يستدعيه المدير في السابعة مساء.
ثالث أضلاع المثلث هي الحكايات غير المعقولة، التي خاضتها بطلتنا الدميمة شكلًا، والرائعة عقلًا، عبير عبد الرحمن، رفيقة عالم الفانتازيا التي طالما ركبنا معها في القطار العجيب بجوار المرشد المضحك ذو القلم الزنبركي العتيد، والذي صار بدوره علامة أخرى في ذلك العالم المليء بالمغامرات.
لم يكن الرجل يحب الظهور كثيرًا، كان خجولًا حقًا، ويُفضّل أن يلتقي الناسَ في مكتبه العتيق بكلية الطب بدلًا من الأماكن الفاخرة، وبينما كان الآخرون ينزحون إلى القاهرة بحثًا عن المجد، فضّل البقاء في مدينته الأثيرة طنطا التي اختار أن يتم دفنه فيها، وبينما كان غيره يتشدقون بالحديث عن طقوسهم الخاصة في الكتابة.
وكان بسيطًا عندما يقول "أغتاظ جدًا من الكُتّاب الذين يُحضّرون طقوسًا كأنهم كهنة. فقط أعطني صمتًا وأعطني ليلًا. بس كده، وزمان كان أعطنى علبة سجائر مليئة، طبعًا انتهى هذا الجزء".
يعترف الكثير من أبناء هذا الجيل أنهم عرفوا الفرنسي الأشهر في علم التنبؤات، ميشيل دى نوستراداموس، عبر "أسطورة العراف" التي ذكر فيها أن الرجل تنبأ بموعد وفاته. لم يكن هو نفسه يدري أنه فعلها مثل المنجم الفرنسي الشهير، عندما كتب في روايته "قهوة باليوارنيوم": كان من الوارد جدا أن يكون موعد دفني هو الأحد 3 أبريل بعد صلاة الظهر.. كنت أشعر أنني لن أرى طنطا ولا أولادي ثانية".
أيضًا، كان موفقًا عندما كتب: "ستكون مشاهد جنازتى جميلة ومؤثرة.. لكنى لن أراها للأسف، برغم أننى سأحضرها بالتأكيد!".. وقد كان.
أصلع وحمقاء ومتهور
فى بداية تسعينيات القرن العشرين، ظهرت شخصيات الروائى الراحل أحمد خالد توفيق، التى تحولت فيما بعد لأيقونات فى عالم أدب الشباب. كان أولها النحيل الملول الدكتور رفعت إسماعيل، الذى ظل طيلة حياته يلعب مع نقيضه، الدكتور لوسيفر، اللعبة الأشهر «القط والفأر»؛ بجوارهما تجول العرّاب الراحل مع قرائه فى أحراش أفريقيا عبر النظارات السميكة التى كان يرتديها طبيبه الآخر علاء عبدالعظيم، وهما الاثنان اللذان لم يجتمعا إلا فى قطار فانتازيا الذى تملكه عبير عبدالرحمن، ويقوده مرشدها ذو القلم الزنبركى العتيد.
يحتوي عالم أحمد خالد توفيق الروائى على الكثير من الشخصيات حقًا؛ إلا أن أشهر هؤلاء كان رفعت إسماعيل،العجوز ذو البذلة الكحلية التى تجعله فاتنًا. وهو الشخصية الرئيسية التى احتلت مكان البطولة فى ما يقرب من 80 أسطورة من كتابات سلسلة «ما وراء الطبيعة»، على مدار 15 عاما تقريبًا، حقق من خلالها نجاحًا كبيرا وانتشارا واسعا بين فئة الشباب. والتي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني من بطولة الفنان أحمد أمين.
الدكتور «رفعت» هو طبيب أعزب فى السبعينات من عمره، ظل يروى ذكرياته عن سلسلة من الأحداث الخارقة للطبيعة التى تعرض لها فى حياته، أو يروى تجارب أخرى عُرضت عليه بسبب الشهرة التى حققها فى مجال الخوارق، بعد نشر أخبار عن مغامراته فى مجلات أمريكية، وحلوله ضيفًا دائمًا على برنامج إذاعى فى منتصف الستينيات يحمل اسم «بعد منتصف الليل».
ولد رفعت إسماعيل فى قرية كفر بدر التابعة لمحافظة الشرقية عام 1924، وأمضى جزءًا من طفولته فيها قبل أن يتوفى والده فيأخذه خاله ليعيش مع أسرته فى المنصورة، وبعد وفاة أبيه تربى مع أبناء خاله الثلاثة التوأم عماد ومدحت وأختهما عبير، ومنذ طفولته اشتهر بالعصبية والعناد والنحول واعتلال الصحة، وهى العلامات التى ستحدد شخصيته المستقبلية، وقد تعرض مع أبناء خاله وصديقتهم إلهام إلى تجربة خارقة للطبيعة حيث تعرفوا على طفلة خيالية تدعى شيراز.
وصف «رفعت» نفسه بأنه حالة فريدة من القبح والنحول واعتلال الصحة. يدخن بشراهة، ويستخدم دائمًا حبوب النيتروجلسرين بسبب حالة قلبه الواهنة. ويعاني من الربو وضيق الشرايين التاجية والقرحة.
امتاز الرجل بأنه ملول وعصبي، وميال إلى انتقاد الآخرين وتصنيفهم، رغم أنه يرفض أن ينتقده الآخرون أو يقوموا بتصنيفه. يميل إلى إصدار الأحكام القاطعة، رغم أن أحكامه قد تصبح موضع تشكيكه هو نفسه فى مواقف عديدة، حيث يُفاجأ بظواهر خارقة لا يستطيع إيجاد تفسير مقنع لها، غير اعتبارها خارقة، وفى المغامرات الأخيرة يبدو أكثر تسليمًا بوجود عالم ما وراء الطبيعة، وأكثر اقتناعًا بأن ما يحدث له، يحدث له وحده.
الشخصية الأخرى هي عبير عبد الرحمن، الدميمة ذات الخيال الواسع، وهي بطلة سلسلة «فانتازيا»، ولدت أدبيًا فى 1996، بظهور «قصة لا تنتهي»، وتعتمد القصة على إبحار البطلة فى عالم الخيال، اعتمادا على خيالها المتسع وعلى جهاز عقلى اخترعه زوجها «شريف».
عالم «فانتازيا» مكون من مخيلة وقراءات عبير، الفتاة الرقيقة الهشة الحالمة والتى قرأت كمًّا من الكتب والقصص والروايات التى يصعب أن يلم بها شخص واحد، وفى هذا العالم العديد من المدن والجسور والقرى والسهول والقلاع والحصون والأبراج والأسوار التى تحيط بمختلف أنواع الأدب والخيال بداخلها. تطوف عبير هذا العالم بمساعدة مرشد فانتازيا، وتخوض تجارب عديدة ومختلفة وقوية فى عوالم الخيال والفانتازيا، فمرة تكون فى عالم كاتب أو أديب معين، أو تخوض مغامرة مع شخصية خيالية.
أما علاء عبد العظيم، الذي يحيا ليظل حيًا ويظل طبيبًا. فقد ولد بالتزامن مع «عبير»، فقد ظهر سلسلة روايات «سفاري» التى يقوم بدور البطولة فيها إلى النور، فى عام 1996، بعد عام واحد من ظهور سلسلة «فانتازيا».. علاء عبد العظيم هو طبيب مصرى شاب، يعمل فى الكاميرون ومتزوج من الطبيبة برنادت، زميلته فى وحدة سفارى هناك.
"يوتوبيا".. ديستوبيا انقسام المجتمع
كانت "يوتوبيا" أول رواية اجتماعية للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، صدرت في عام 2008 وتعتبر هي الرواية الأولي له التي تصدر خارج المؤسسة العربية الحديثة، وقد جاءت الرواية وقتها في المركز الثاني في قائمة أكثر الكتب مبيعًا في دار ميريت.
تدور أحداث الرواية في إطار خيالي سودوي، حيث تحولت مصر إلي طبقتين، الأولى بالغة الثراء والرفاهية وهي "يوتوبيا" المدينة المحاطة بسور ويحرسها جنود المارينز التي تقع في الساحل الشمالي والثانية فقر مدقع وتعيش في عشوائيات ويتقاتلون من أجل الطعام.
بطلا الرواية المتناقضين هما شاب شديد الثراء والدلال من يوتوبيا يريد أن يتسلى ويقوم بمغامرة لكسر ملل الحياة ورتابتها، وهي اختبار الرجولة الذي يقوم به سكان القصور، وهو صيد إنسان فقير من سكان شبرا واللعب به مع أصحابه للحصول على متعة ثم قتله والاحتفاظ بجزء من جسده على سبيل الفخر وهي من الهوايات الجديدة للأغنياء الذين يعيشون في الساحل الشمالي تحديدًا في يوتوبيا التي تشكل عالم الأغنياء.
أما نقيضه، الفريسة، فكان شابًا شديد الثقافة والفقر معًا، يتمتع بشرف ورجولة لا يجدهما القارئ في نقيضه الثري الذي اغتصب بمعاونة صديقته أخت الفقير الذي حماه من أن يمزقه أهل العشوائيات حيًا بعد أن كاد ينكشف أمره.
"السنجة".. الحياة في "دحديرة الشناوي"
تتناول رواية "السنجة" أولئك المطحونين الذين يُتاجر بهم الأثرياء حتى يبيعوا عظامهم، تبدأ بالبحث عن "عصام الشرقاوي" الذي يختفي في ظروفٍ غامضة، لينتقل بسلاسة إلى "عفاف"، الفتاة التي تقرر الانتحار فجأة وسط عالم غريب، بينما تتعدد الحكايات حول سبب انتحارها المفاجئ. هكذا تدور الرواية لتستكشف الأحداث المتشابكة في تلك المنطقة الشعبية المجهولة من هوامش المدينة والتي أطلق عليها اسم "دحديرة الشنّاوي".
الـ"دحديرة" كما تتناولها بعض معاجم المصطلحات هي "المكان المائل للنزول"، عبر هذا الاسم ينحدر القارئ مع سنجة العراب إلى عالم أبطاله من المهمشين والمطحونين تحت وطأة الحياة، الذين كانوا ولا يزالون يصارعون للحصول على لقمة العيش ويصارعون لكي يبقوا فقط على قيد الحياة، بينما كل شيء من حولهم يمتلئ بالقهر.
يُلقي أحمد خالد توفيق في وجه القارئ بشخصيات قد يلقاها في أي مكان أو يصطدم بها في حياته اليومية، فهناك البلطجي "حماصة" الذي يفرض سيطرته وقوته على الجميع، و"حسين" الشاب الطموح الذي يتحد العالم كله ضده حتى يقرر أن ينتقم، و"جمال الفقي" غريب الأطوار، و"إبراهيم أبو غصيبة" مريض الكبد الذي يعتبر كل ما يحدث له كابوس سيتخلص منه ويعود لحياته، وبالطبع "مصطفى المزين" الذي يحث الناس على التقوى والصلاح بينما تتابع عيناه كل صغيرة وكبيرة في المكان.
وبين هؤلاء جميعًا كانت هناك "عفاف" الفتاة المقهورة، ذات الحكاية المأساوية منذ طفولتها وحياتها والذي يعتبروها جميعًا عارًا يجب التخلص منه حتى قادوها إلى الانتحار؛ ليُقدّم أحمد خالد توفيق، بين السخرية حينًا وبين التصوير المأساوي أحيانًا أخرى، العشوائيات، بكل ما تتضمنه تفاصيلها من قسوة وثراء وشخصيات معقّدة.
"مثل إيكاروس".. الشقاء ثمن المعرفة
رواية صدرت عن دار الشروق وتدور أحداثها في عام 2020 وتمتد إلى المستقبل ثم تعود إلى الماضي لتجتمع كل الخيوط فى حجرة داخل مصحة للعلاج النفسي يمكث فيها رجل قادر على قراءة أحداث الماضى والمستقبل، قبل أن يجبر نفسه على الصمت.
للحقيقة ثمن، وللمعرفة ثمن، وقد دفع "محمود السمنودي" شخصية الرواية، مقابل معرفته طردا وألما ومعاناة، منذ طفولته كطفل غريب الأطوار بين أقرانه وكرجل لا يرغب أحد فى الاقتراب منه، بعد أن انفتح على "السجلات الأكاشية"، التي كتب فيها الماضي والحاضر والمستقبل.
يزداد شقاء محمود السمنودي كلما زاد علمًا وخاض أكثر بين السجلات في نوبات غامضة لا يعرف أحد عنها شيئًا، لكنها تثير الرعب لمن يراها. حاول الجميع استخدامه حتى أنهكته السجلات وراغبيها، حتى عندما اعتكف ف جبل بعيد طارده الجميع.
وبين رحلة تنوعت بين مصر والولايات المتحدة من أجل المعرفة التي لا تُقدر بثمن، كان على محمود أن يُنهي الحاجة إليه، لكنه كان أجبن من أن يقتل نفسه. هكذا، انتزع لسانه وقطع يديه حتى لا يجبره أحد على الكلام. لكن الأمر لم ينتهي.
"في ممر الفئران".. حكاية كابوسية في عالم مظلم
ليست المرة الأولى التي يُقّدم فيها أحمد خالد توفيق ذلك العالم الكابوسي عن أرض يحكمها الظلام، فعلها قبلًا في سلسلته الأشهر "ما وراء الطبيعة"، عندما قدّم "أسطورة أرض الظلام"، ليخوض في عالم تحكمه فئة قليلة احتكرت النور، وغسلت عقول البشر ليصير النور هو الجريمة العظمى، ويغدو قومندان ذلك العالم هو المُعادل للأخ الأكبر الذي صنعه جورج أورويل في روايته الأشهر 1984.
ما فعله توفيق هو إعادة مُعالجة لفكرته بشكل أطول وأعقد كما قال في مقدمته، وهو الأمر نفسه الذي فعله شريدان لو فانو من قبل عندما قام بتحويل قصص قصيرة له إلى روايات؛ وكذلك روبرت هاينلاين؛ وأيضًا فتحي غانم الذي كتب "الرجل الذي فقد ظله" مع تغيير الراوي، وستيفن كينج الذي غيّر الأحداث وأعاد نفس الحكاية في "المنظمون" و"ديسبيريشن"، لتختلف الحبكة والنهاية، ويبدو في الرواية الجديدة عُمق ذلك العالم الموازي المخيف، الذي تخلى فيه العالم كله عن حقه في الحرية مُقابل الحياة كالفئران في ممر حالك السواد.
يحكي المؤلف عن الشرقاوي، الرجل الذي دخل في غيبوبة عميقة، ليجد نفسه فجأة في عالم يسوده الظلام، يتذكر على الفور قصة ه. ج. ويلز الشهيرة عن بلد العميان، لكنه لا يجد المبدأ الشهير "في بلد العميان يغدو الأعور ملكًا"، بل يجد قومًا تخلوا عن النور بمحض إرادتهم فقط في سبيل الحق في الحياة بلا أدنى نوع من المميزات، والتي احتكرها حاكم غامض يُدعى "القومندان" استطاع إخضاع العالم لسيطرته بعد أن أخفت سُحب سوداء نور الشمس، وتطويع الشرطة لتكون تحت إمرته، لينهب خيرات العالم كله في قلعته التي تقع فوق مستوى السحب السوداء، ويحظى وقادته بكل ما لم يُتاح لبشري اعتاد أن يعتبر النور هرطقة وصلت لمرتبة الخيانة العُظمى.
تتضمن تفاصيل العالم الظلامي العديد من الأمور الكابوسية، حيث تتشرب الأجيال الجديدة الولاء للقومندان، فيُبلغ الأخ عن أخيه والزوج عن زوجته؛ كذلك تنتشر الشرطة وبصاصيها الذين يحملون مناظير الرؤية الليلية لكي يخترقوا كل بيت ويكونوا حاضرين كل حديث، وتغدو كلمات مثل "الهرطقة" و"الظلام المقدس"، وهي مفردات العصور الوسطى، مصطلحات أساسية في ذلك العالم، بينما يتم الإعدام العلني للمهرطقين الذين يسعون إلى النور بأبشع الطرق، وعلى مسمع من الجميع الذين ينقسمون ما بين منتشي ومرتعب. كذلك يخوض في مشاعر الحلم بالنور والحرية الذي يحاول النورانيون على استحياء ترويجها في عالمهم.
مع خطأه في إشعال الضوء، يجد الشرقاوي نفسه متورطًا مع خوارج هذا العالم وهم "النورانيون"، والذي ينتشرون في بقاع العالم دون أن تكون لديهم وسيلة اتصال سوى إيطالي يُدعى فيتوريو استطاع اختراق قلعة القومندان ومعرفة ما يدور بها، وفي الوقت الذي تكتشف فيه بأولا، إحدى فتيات النورانيون أن القومندان -الذي يعتقد الجميع أنه راهب تبتي يعيش في عزلة عن قلعته اللاهية- ليس سوى صورة ضخمة يختبئ خلفها مجموعة من الجنرالات المُنشقين من الصين والاتحاد السوفيتي، ضموا إليهم أغنياء وثروات العالم، فيما يتحدث فيه الجميع عن نبوءة أسطورية حول غريب قادم من عالم آخر، يراه النورانيون المُخلّص الذي سيقضي على طغاة عالمهم ويجعل النور من حقوقهم.
ومع قرب انفراط عقدهم، يضع فيتوريو خطة يائسة للتسلل إلى داخل القلعة بصحبة الشرقاوي الذي يرونه ذلك المُخلّص حتى تتحقق النبوءة، وتسير الخطة بنجاح، ويكتشفوا أن استمرار الظلام عملية صناعية تتم داخل القلعة، ويبدأ الثوار في تنفيذ خطتهم، حتى يكتشف الجميع أن النبوءة عكسية، وأن ذلك الغريب ليس سوى القومندان الذي ينتظره طُغاة عالمهم ليعلنوا له الخضوع.