فى ظل تزايد وتمادى العدوان الإسرائيلى على غزة لدرجة ارتكاب إبادة جماعية، وتهجير قسري، تتنامى دعوات وخطابات الجماعات المتطرفة التى تسعى لتأجيج مشاعر الغضب لدى الشباب بهدف دفعهم إلى الارتماء فى أحضان تنظيمات مسلحة للرد على هذا العدوان، حيث تظل القضية الفلسطينية مصدرًا للأزمات طالما أن إسرائيل تقف فى وجه الشعب الفلسطينى وتمنعه من الحصول على حقوقه المشروعة من إقامة دولته المستقلة.
وتبنت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان رئيسها جو بايدن خطابا حادا منحازا ضد حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة فى أعقاب عملية ٧ أكتوبر التى نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية، حيث قال "بايدن" فى خطاب له: "لقد أغلقتُ الهاتف للتو، كانت المكالمة الثالثة مع رئيس الوزراء نتنياهو، وقلتُ له إذا مرت الولايات المتحدة بالتجربة نفسها التى تعيشها إسرائيل، فإن ردنا سيكون سريعا وحاسما وساحقا".
ولم يكتف الرئيس الأمريكى بحض إسرائيل على رد ساحق وصلت بشاعته إلى سقوط أكثر من٣٦ ألف شهيد وفقا لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية، حتى الآن، بل ذهب إلى إرسال حاملة طائرات يو إس إس جيرالد آر فورد، بالإضافة لاتخاذ إجراءات عاجلة لتمويل متطلبات الأمن القومى لإسرائيل.
معايير أمريكية مزدوجة
تلعب إدارة بايدن، دورًا كبيرًا فى زيادة الاحتقان ضدها، وخاصة فيما يخص القضية الفلسطينية، حيث تكيل الإدارة الأمريكية بمكيالين، وتتعامل بمعاييرها المزدوجة، فهى ترغب فى محاكمة قادة عرب وأفارقة وروس أمام محكمة العدل الدولية، لكنها لا تتحمل أن ترى محاكمة الحليف المطلق المتمثل فى دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم أن واشنطن تنادى بتعزيز الديمقراطيات حول العالم، فإنها تقف بالفيتو ضد رغبة الغالبية من دول العالم الذين صوتوا لصالح الاعتراف بدولة فلسطين، كما عارضت اعتراف بعض الدول فعليا بفلسطين، متذرعة بأن الاعتراف سيأتى بعد حل الدولتين، لكنها تماطل مع إسرائيل فى منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة والمسلوبة.
وتستغل التنظيمات المسلحة المتطرفة لغة خطابات بايدن التى تكشف دعمه الواسع لإسرائيل، وتغاضيه عن حقوق الشعب الفلسطيني، من أجل التحريض وإشعال لغة عدائية تتسم بالحض على العنف والكراهية ضد المجتمعات التى تعيش فيها، لذا فإن الموقف الأمريكى الواضح فى دعم العدوان الإسرائيلى على غزة دفع بكثير من التنظيمات المسلحة فى كل من العراق واليمن وسوريا بتنفيذ عمليات هجومية على القواعد العسكرية الأمريكية فى المنطقة، وذلك على الجانب العسكري.
وارتكبت إسرائيل مذبحة جديدة فى رفح، عندما قامت بإحراق الخيام التى تضم نازحين، ورغم أن أمريكا اعتبرت - على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأميركى جون كيربي- أن الحادث مفجع ومروع، فإنها فى الوقت نفسه رأت أن تنتظر التحقيقات فربما يكون الحريق ناتجا عن تفجير مخزن أسلحة لحركة حماس، وذلك رغبة منها فى إبعاد التهمة عن إسرائيل.
فى الوقت نفسه، أدان مسئول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل حادث حرق الخيام، مؤكدا أنه يدل دلالة قاطعة على أنه لا يوجد مكان آمن فى غزة، وأن هجوم رفح يؤدى إلى عواقب وخيمة وقتل المزيد من المدنيين، مؤكدا على أنه لا يمكن بأى حال تبرير الكارثة التى تحدث فى غزة. وهذا النوع من الخطابات مفتقد لدى الإدارة الأمريكية التى تسعى دائما لتبرير الأفعال الوحشية للمحتل الإسرائيلي.
لذا، فإنه وبسبب المعايير الأمريكية المزدوجة، والمواقف الداعمة من قبل جو بايدن لإسرائيل وما ترتكبه من جرائم وحشية وإبادة جماعية فى غزة، تنجح الجماعات المتطرفة فى توظيف هذه الأحداث لصالحها، وتستغلها فى خطابها المتطرف ضد المجتمعات التى تعيش فيها.
وفى السياق، تعهد بايدن، مطلع مايو المنتهي، بمكافحة ما أسماه بـ"الزيادة الهائلة فى معاداة السامية" وهى التهمة التى لا تفرق بين خطابات العنف والتحريض لجماعات متطرفة، وبين أشكال سلمية وعادية من المظاهرات الجامعية الرافضة للعدوان الإسرائيلي، والمساندة لحقوق الشعب الفلسطيني، وفقا لرؤية المراقبين والمحللين.
ووفقا لتقرير بموقع RT الروسية، فإن بايدن قال خلال حفل "أيام الذكرى" السنوى الذى ينظمه "متحف المحرقة" فى الكابيتول بواشنطن: "لقد شهدنا زيادة هائلة فى معاداة السامية فى أمريكا وفى جميع أنحاء العالم"، مكررا دعمه "الثابت لإسرائيل".
مخاوف من الخطابات التحريضية
فى العواصم الأوروبية، حذرت المراكز البحثية والمراقبين من زيادة النشاطات الإرهابية والعدائية من قبل جماعات إرهابية تستغل العدوان الإسرائيلى على غزة، وتحرض ضد الدول الأوروبية، كما تحرض ضد اليهود فى هذه البلاد، وهو ما يخلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار، مثل ما تفعله مجموعة تسمى "مسلم انتراكتيف" فى ألمانيا، حيث تقوم ببث مقاطع مرئية على "تيك توك" بهدف تعزيز العنصرية وإشعال خطاب الكراهية فى ألمانيا.
دعا السياسى الألمانى فريدريش ميرتس زعيم الحزب المسيحى الديمقراطى فى مؤتمر الحزب حول حركات الإسلام السياسى إلى ضرورة التصدى لأنشطة هذه الحركات لما لها من خطورة على المجتمع الألماني.
ووفقا لتقرير بموقع مونت كارلو الدولية فإن ميرتس دعا للتصدى بحزم للكراهية والعنف والتطرف، وبخلاف أحزاب اليسار والخضر الذين يركزون انتقاداتهم على اليمين المتطرف ويعتبرونه خطرا على الديمقراطية، واعتبر ميرتس أن الخطر الأكبر يأتى من المتطرفين الإسلاميين وجماعات الإسلام السياسي.
ووفقا للتقرير المشار إليه، فإن خطاب ميرتس يأتى بعد دعوته مؤخرا لمنع الجمعيات والمنظمات ذات التوجهات الإسلاموية، وبهذا الموقف فإن توجه الحزب يتشدد أكثر ويصبح أكثر صرامة ضد تنظيم المظاهرات الإسلاميين وأنشطتهم وجمعياتهم، وخصوصا المظاهرات الداعية للخلافة أو المؤيدة لحماس، مثلما حدث أخيرا فى برلين أو هامبورغ.
ووفقا لتقرير صادر عن المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب بألمانيا، بعنوان "تزايد معاداة السامية، التطرف اليمينى والإسلاموى بعد حرب غزة"، فإن ما يحدث فى ألمانيا ودول أوروبا من أعمال عنف وكراهية داخل المجتمع، يأتى نتيجة تداعيات الحروب والنزاعات، أبرزها حرب غزة وحرب أوكرانيا التى نتج عنها انقسام واسع داخل المجتمع الألمانى والمجتمعات الأوروبية.
وشدد التقرير على أن إحصائيات مكتب مكافحة الجريمة بوزارة الداخلية الألمانية يعكس التزايد فى معدلات الجريمة والكراهية ومنها معاداة السامية فى أعقاب حرب غزة. وهذا يعنى إن حرب غزة سوف تفرض بتداعياتها أكثر على ألمانيا وأوروبا، مالم يتم التوصل إلى حل سياسى لوضع حد للحرب والنزاعات التى يشهدها العالم.