الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة لايت

بالصور.. معايشة «البوابة نيوز» في حصاد اللؤلؤ الذهبي.. 500 فدان بقرية العمار الكبرى بالقليوبية تتلألأ بثمار المشمش

معايشة البوابة نيوز
معايشة البوابة نيوز في موسم حصاد مشمش العمار
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مشمش العمار ماركة مسجلة، ليس له شبيه في الطعم في ربوع مصر كلها، تتفرد كل شجرة بإنتاج مخصص لها وبطعم محدد وشكل هندسي مميز للثمرة، فهنا في العمار الكبرى بمحافظة القليوبية يتم زراعة كافة بذور المشمش التي دخلت مصر في عام 1967 قادمة من سوريا، وقد عمل بها أهل قرية العمار وتم انتشار الزراعة رويدًا رويدًا حتى أصبح أكثر من 90% من قاطنيها يعملون بزراعة المشمش وتجارته وتصديره للمصانع وللخارج أيضًا.


فموسم حصاد المشمش يعتبر بمثابة عيد قومي للقرية وجميع أبنائها بجميع أعمالهم المختلفة سواء من المزارعين أو التجار أو العاملين بالأجر اليومى أو النقل، فبمجرد بداية الموسم تدب روح الحياة من جديد بالقرية ويبدأ الجميع بالعمل بالموسم الذهبى لهم، حيث يوجد ما يزيد عن 500 فدان بالقرية مزروعة بمحصول المشمش، أما عن طريقة رعايته فأشجار المشمش لها مرحلة فى السنة تتراوح ما بين 3 إلى 4 أشهر تسمى مرحلة السكون، وتبدأ فى يناير حتى مارس من كل عام، حيث يتم حرمان الأرض من المياه لأن جذور الأشجار تكون فى مرحلة السكون، ونظرا لارتفاع الأشجار وكثرة الظلال لها فيمنع وجود أية زراعات مع أشجار المشمش، ويتراوح عمر هذه الأشجار بين 60 إلى 100 عام، وهو يختلف عن عمر أشجار الجبلية التى لا يتعدى عمرها 12 عاما، إلى جانب اختلاف الطعم واللون، فمشمش العمار يتشكل بجميع الألوان منها الأحمر القاتم والأبيض الناصع، إلى جانب طعمه السكرى وسلاسته فى التناول. 


تختلف قرية العمار شكلًا ومضمونًا عن قريناتها من القري، فى محافظات مصر، فحين تُقبل على دخولها، تشعر للوهلة الأولى أنك فى حقبة زمنية مختلفة عما تعرفه أو ما تشاهده، أو حتى ما سمعت عنه عبر شاشات التليفزيون، وقصص وحكايات الأجداد، فنسائم هوائها العليل الذى يلمس قلبك، وصفاء شمسها التى تُنعش جسدك من كد الحياة وأعبائها، كافية بأن تُنسيك مشقة ساعتين كاملتين من السفر والإرهاق الذهنى والبدني، بعد استقلال ٥ مواصلات كانت آخرهن «الكبود».. ففى العاشرة صباحًا، توجهت « كاميراالبوابة» إلى قرية العمار، حيث استقبلتنا مزارع المشمش التى تسود أراضى القرية، لتزيح هموم مشقة السفر، لم نكن ضيوفًا لحقول المشمش فقط، ولكن لأهل القرية الكرام، الذين استقبلونا بالترحاب فى بيوتهم، وقدموا المبادرات لاصطحابنا إلى حقول مشمش العمار.


"في المشمش".. أصل قصة أشهر ايفيه في مصر 


محصول المشمش فى قرية العمار يطلق عليه مفتاح السعادة لأهالي القرية وبداية لزواج البنات والشباب  وسداد الديون والمستحقات، ونظرًا لقصر الفترة التي يثمر فيها المشمش وهي حوالي أربعين يومًا فقط في السنة، فيقوم الفلاحين والمزارعين بتأجيل كافة الأنشطة التي تتطلب مصروفات حتى حصاد محصول المشمش وجنى الأموال، فتم اعتماد الجملة الأساسية لسداد أي مصروفات بجملة "إن شاء الله في المشمش" أي بعد حصاد المشمش وجنى أمواله، وقد تغير المفهوم شيئًا فشيئًا وانتشر في ربوع مصر وأصبح يعبر عن صعوبة الحدوث وبعد المسافة وقصرها أيضًا، فالديون سوف تتأجل في المشمش وتتم مراسم الزواج في المشمش وشراء الأراضي والبيوت سيحدث في المشمش. 
يقول الحاج "عصام"، صاحب أحد حقول المشمش بالعمار، أن مواسم الزواج والأفراح بالقرية ترتبط بجني محصول المشمش حيث تبدأ مع جني الثمار وبسبب الحالة الاقتصادية في السنوات الماضية اختفت بعض المظاهر مثل غلاء المهور وارتباط تحديد مواعيد الزواج والخطوبة مع المحصول لتعود الظاهرة من جديد هذا العام الذي شهد التعافي للمحصول تحقيق أرباح كبيرة شجعت الكل على عودة مظاهر الفرح من جديد بعد قيام المزارعين بتقطيع الأشجار القديمة وتحسين السلالات مؤكدا أن جني المشمش هو الموسم الذهبي لأهالي القرية فخلاله يعمل الكبير والصغير، ليس الفلاح فقط بل الجميع ويعتبره الفلاحون عيدا لهم.


وأضاف وهو يحتضن شجرة مشمش عتيقة، يكسوها الصمغ الذي تتشمع به الشجرة بعد مرور أكثر من 50 عامًا على زراعتها وإنتاجها الثمار، بأن هذه الشجرة  بفضل الله هي من علمتني وكستني وزوجتني ورعت أبنائي، موضحًأ أنه قد ورث هذه المهنة عن آبائه وأجداده وسيورثها لأبنائه وأحفاده، قائلًا "فتحنا عينينا ع المشمش ومنعرفش ومنحبش غيره"، وأنه يقوم يوميًا بالتجول في الأراضي ورعايته على أكمل وجه، مؤكدًا أن المشمش ثمرة فريدة لا تقبل الشريك، فلا يمكن بأي حال من الأحوال زراعة أي محصول بجانب تلك الأشجار العالية، حيث يؤثر ذلك على الجذور وآلية إمداد الأشجار بالعناصر الغذائية اللازمة التي تستمدها من التربة.


وأضاف أن السبب الرئيسي لاختلاف طعم ثمار مشمش العمار عن مشمش الفيوم وانتاج المزارع الجبلية، هي جودة التربة الزراعية بالعمار وقربها من دلتا النيل حيث يعمل طمي النيل القادم من السودان في إمداد التربة بعناصر غذائية فعالة، فتجد الثمار مليئة بالرطوبة وعند فتحها يكون النسيج متماسك حول البذرة ولونه أصفر مائل للحمرة وللون البرتقالي ويحتوي على "سكارة" ليس لها مثيل في أيًا من أنواع المشمش الأخرى على مستوى العالم، فمنذ عهد محمد علي ودخول زراعة المشمش لمصر فقد قام خبراء الزراعة باختبار أجود أنواع التربة في مصر لزراعة تلك الثمرة التي تحتاج لعناية فائقة، وتم الاستقرار على أراضي العمار لتتلألأ بتلك الثمار الذهبية كل عام. 
 


يصل سعرها لـ 1000 جنيه.. براند محلي يميز نساء قرية العمار


المشمش أو ما يطلق عليه الذهب الأصفر والجلابية الفلاحي أهم ما يميز قرية العمار الكبرى بمركز طوخ بمحافظة القليوبية ويعد الجلباب العماري أحد العادات والتقاليد التي ترجع الى تاريخ كبير وسنوات طويلة داخل القرية تعدت الـ 200 عاما.. فمجرد أن تضع قدامك أرض قرية العمار ستتعرف عليها من خلال الزى العمارى واشجار المشمش التى تتميز بلونها الأخضر وثمارها الذهبية.

وقرية العمار الكبرى تعد من أكبر قرى مركز طوخ وتتوسط مجموعة من اشهر القري على الإطلاق وهي قرية امياي وكفر الفقهاء واكياد دجوى وجزيرة الاحرار والرجالات وبرشوم الصغري وبرشوم الكبري والسيفا وبرشوم المحطة ويوجد فى القرية عدد كبير من المدارس والمعاهد فى مراحل التعليم المختلفة فضلا عن مقر الوحدة المحلية بالعمار وجميع المكاتب الخدمية من تموين وصحة ويبلغ عدد سكانها اكثر من 130 ألف نسمة ويبلغ نسبة المتعلمين بها ما يفوق 80% وتتميز هذه القريه بزيادة التعداد السكانى عن باقى قرى طوخ.
ويرجع تاريخ هذه القرية إلى زمن بعيد وكانت تسمي عرب فزارة ثم تغير اسمها إلى قرية العمار وبعد حفر ترعة الرياح التوفيقية تم قسم البلد الي جزئين الجزء الغربي أطلق عليه العمار الكبري والجزء الآخر أطلق عليه عزبة العمار ونتيجة لامتداد العمران تكون جزء جديد أطلق عليه كفر العمار.


وعن تاريخ الجلباب العمارى قال محمود حسنين، أن مهنة تفصيل الجلابية الفلاحية مهنة يتوارثها الأجيال منذ مئات السنين ومصدر رزق عدد كبير من اهالى القرية، مشيرًا إلى أن الجلباب العماري يتميز بأقمشته القطيفة والتي تتنوع ما بين أقمشة سادة ومشغولة كما أن نساء القرية يفضلون ارتداء القماش الخليجي.
واضاف أن هناك أنواعًا أخرى من القماش مثل المرمر، والستان والكريشة وتختلف الأذواق ولكن أغلب سيدات العمار يفضلن قماش القطيفة الذى يتراوح سعره ما بين 70 إلى 80 جنيها أما القطيفة المشغولة فيصل سعر المتر فيها إلى 150 جنيها مشيرا إلى أن من عادات القرية عند تجهيز العروس يأتون بأقمشة مختلفة ومتعددة الألوان لوضعها في جهازها لافتا أن التكلف النهائية بعد الانتهاء من تفصيل الجلبات تتراوح ما بين 500 جنيه إلى 1000 جنيه شاملة أجرة الخياطة التي تبلغ 50 جنيها حتى 150 جنيها حسب نوع وسعر القماش.
وتقول مريم خالد، من أهالي القرية أنها اعتادت على لبس الجلباب الفلاحي منذ نعومة أظافرها وأنها لا تخجل من ارتدائه بل تفتخر به وسط أقرانها في كلية التربية موضحة إلى أن جميع نساء القرية يرتدون ذلك الجلباب التاريخي سواء كانوا صغارًا أم كبارًأ حيث تشتهر القرية كلها بهذا الجلباب قائلة " ده لبسان من زمان واحنا اتعودنا عليه وبنفتخر بيه وسط كل الناس".


لكل اسم حكاية.. سر تسمية أشجار مشمش العمار 


يصادفك الإبداع في ثمار المشمش على كل شكل ولن وطعم، فكل شجرة لها شكل هندسي مميز للثمار المطروحة وطعم مختلف ورائحة تتفرد بها ولون تتميز به عن قريناتها، فهنا البذور تزرع في الأراضي بمختلف الأنواع، ولكل شجرة بصمتها ولونها المائل للأصفر أو الأخضر أو الأحمر والبرتقالي، وعندما بدأ مزارعو العمار في نثر الثروة النادرة في أراضيهم، تفردت كل شجرة بطرح خاص بها، فتم إطلاق المسميات على الأشجار بأسماء أبنائهم ومحبيهم وذويهم، فالبعض أطلق على أشجاره شجرة "فاطمة" نسبة إلى ابنته المفضلة، وهناك من سماها على اسمه فحين تجد المشمش المائل للخضرة الكبير الحجم نوعًا ما فتعرف أنها شجرة "عبدالحليم" نسبة إلى  الفلاح الذي نثر بذورها على مساحات واسعة حتى باتت تعرف بإسمه بين المزارعين والتجار ومتذوقي الجمال الرباني. 


فمع بداية موسم حصاد المشمش، عادت الفرحة للقرية متزامنة مع الأعياد فكانت الفرحة فرحتين بالمحصول وعودة الأفراح للقرية بعد  تعرض المحصول خلال السنوات الماضية لانتكاسات بعد مشاكل كثيرة أثرت بالسلب على حجم الإنتاج والمساحة المنزرعة بالقرية، والتي تقدر بنحو 500 فدان، حيث عاد مشمش العمار ليسترد عرشه المفقود من جديد بعد تطوير زراعته بسلالات جديدة، الأمر الذي ساعد على زيادة إنتاج المحصول هذا العام ليتحول موسم المشمش إلى بهجة لكل الأسر والعائلات التي أجلت خطوبة وزواج  أبنائها لحين الانتهاء من حصاد المحصول لاستغلال العائد في شراء الأثاث وتدبير النفقات في ظاهرة عادت هذا العام بعد اختفاء خلال السنوات الماضية التي شهدت انتكاسات كثيرة للمحصول، فالعائد المادي من الحصاد يكفي لاحتياجات السنة على جميع فصولها وأيامها. 


وعلى الرغم من أن عملية جمع محصول المشمش تتطلب جهدً كبيرًا ومعاناة للفلاح خصوصًا، إلا أن فرحته بكثرة طرح المحصول هذا العام  وارتفاع أسعاره بددت تلك المتاعب وناشد المسؤولين بضرورة تبني مقترح إقامة مصنع لتجفيف وتعبئة المشمش وإنتاج العصائر وقمر الدين منه حتى يتثنى للمزارعين تسويق كل إنتاج المحصول، فقد تكبد الفلاحون خلال الثلاث سنوات الماضية، خسائر كبيرة وتراجع إنتاج المحصول إلا أنه مازال هو المصدر الوحيد وباب رزق كبير ومربح لفلاحي قرية العمار، وقد تعافى المحصول هذا العام وعاد إلى سابق عهده وأدخل الفرحة والبهجة والابتسامة على المزارعين بعد سنوات عجاف،وأضفى بالإنتاج المبشر بالخير بعد خسارة دامت 3 سنوات، بسبب الأمراض وانسداد منظومة الصرف المغطى التي كانت تطفو على التربة وتحرق الأشجار بسبب الرطوبة، إضافة إلى العوامل المناخية المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة في الأعوام القليلة الماضية، والتي أدت إلى تراجع  الإنتاج أثناء فترة التزهير لأنها تحتاج إلى 700 ساعة صقيع والنمو الورقي طغى على النمو الزهري، فجني المشمش هو الموسم الذهبي لأهالي القرية فخلاله يعمل الكبير والصغير، ليس الفلاح فقط بل الجميع ويعتبره الفلاحون عيدا لهم.


"أحلى من اللوز".. سر صنعة نساء العمار لنواة بذور المشمش وتفاصيل فطامه 4 شهور 


قال الحاج "أنور عليان" صاحب حقول مشمش بالعمار، أن شجرة المشمش حساسة لا تحب المياه الكثيرة وتحتاج إلى فترة "فطام" 4 شهور لأن جذورها في حالة خمول ويتم الري الأول في الأول من فبراير ثم تبدأ عمليات التزهير في نهاية نفس الشهر ويتم ريه مرة أخرى في الأول من مارس، وبعدها يكتمل التزهير وبعد أسبوعين يتم رش الأشجار لحمايتها من البياض الدقيقي وفي شهر أبريل يتم رش الذبابة حتى لا تصاب الثمرة ويصيبها الدود ثم الرشة الأخيرة في أول مايو لحماية الثمرة والشجرة من تفحمها بسبب العنكبوت.
وأضاف أن بشاير المحصول هذا العام أفضل بكثير من العامين الماضيين وتظهر في نهاية أبريل ويصل الكيلو وقتها إلى 40 جنيها وبعد 15 يوما يظهر المشمش ويغرق الأسواق  ويباع من على الأشجار بأسعار تتراوح من 6 إلى 12 جنيها حسب النوع والحجم ويزيد سعره مرة أخرى في نهاية الموسم، مشيرًا إلى أن عمر أشجار المشمش يتراوح ما بين 60 إلى 100 عام، ويختلف عن الأشجار الجبلية التي لا يتعدى  12 عامًا، إلى جانب الطعم واللون.


وأشار إلى أن القرية يوجد بها  "سوق رئيسي" يتجمع به التجار لشراء المحصول من المزارعين عن طريق مزاد علني ويحصل التاجر صاحب أعلى سعر على المنتج ويستعين بالسيدات وأطفال القرية في تعبئة المشمش داخل الكراتين المطبوع عليها شعار القرية  "مشمش العمار"، ولفت إلى أن شجرة المشمش أفقر شجرة في الخدمة لأنها لا تحتاج إلى مياه أو أسمدة كثيرة، فالسماد البلدي والأزوتي يتم وضعه مرة واحدة فقط في السنة ويعد صنف "الكانينو" من أجود الأنواع وكان يتم تصديره بكميات كبيرة إلى معظم الدول العربية وفرنسا لتميزه بطعمه الفريد، وأكد  أنه يتم عقد ندوات توعية وإرشادية للفلاحين بالتنسيق مع الجمعية الزراعية بالقرية، وإدارة طوخ الزراعية، باعتبار المشمش ثروة قومية وذلك للحفاظ على أشجار المشمش وإعطاء النصح والإرشاد على أنواع المبيدات الآمنة وأماكن بيعها. 

وأضاف أن نساء العمار لهم صنعة فريدة في تحويل نواة بذور المشمش إلى مكسرات تكون أطعم من "اللوز" حيث يتم  غمر النواة في مياه لمدة تتراوح من يوم إلى يومين ثم كسرها واستخلاص نواة البذور، ونقعها في مياه مالحة ثم تحميصها وتعتبر تلك الصنعة فريدة بنساء القرية ومشهورة بين البيوت، مؤكدًا أن من ليس لديه حقول مشمش بالقرية فهو أكثر الحاصلين عليه خلال الموسم، حيث يقوم كل الأقارب والجيران بتوزيع الهدايا في كراتين تحمل اسم مشمش العمار، ويقوم الجميع بإهداء بعضهم البعض وذلك نظرًا لاختلاف شكل وطعم كل ثمرة، فيسعى الجميع إلى الافتخار بما أنتجته أراضيه من محصول مميز وفريد.