ألقت صحيفة (لوموند) الفرنسية، اليوم السبت، الضوء على المفاوضات السرية بين النيجر وإيران لتصدير اليورانيوم المركز إلى طهران، مشيرة إلى أن المجلس العسكري الحاكم في النيجر ينفي إبرام أي اتفاق مع طهران التي ترغب في شراء 300 طن من اليورانيوم المركز (الكعكة الصفراء) المستخرج من المناجم التي تنقب فيها المجموعة الفرنسية (أورانو) في أرليت.
وقال كتاب المقال مورجان لو كام وإليز فينسان وجاك فولورو: "إن هذه المسألة تحظى بمراقبة شديدة من قبل واشنطن وباريس وكما كشفت وسيلة الإعلام الإلكترونية "أفريقا انتيليجانس" فإن المجلس العسكري الحاكم في النيجر ـ الذي تولى السلطة بعد انقلاب في يوليو 2023 ـ انخرط في "مفاوضات سرية" مع إيران تهدف إلى تسليم طهران 300 طن من اليورانيوم المركز(الكعكة الصفراء) وهي المعلومات التي قالت (لوموند) إنها تأكدت منها من عدة مصادر رسمية غربية ونيجرية.
وأفادت الصحيفة بأن هذا اليورانيوم المركز، الذي يعد منتج التصدير الرئيسي في النيجر، يستخرج من المناجم التي تنقب فيها مجموعة (أورانو) الفرنسية في أرليت (شمال) منذ عام 1971.
وتقول (أورانو) ـ المساهم بنسبة 36.6% من الإنتاج ـ إن الدولة النيجرية تسوق حصتها من الإنتاج بشكل مستقل، مؤكدة أن نيامي وطهران لم تتوصلا معها كجزء من هذه المفاوضات السرية كما أنها تحترم بشكل صارم العقوبات الدولية المفروضة على بيع اليورانيوم من قبل المجموعة إلى إيران.
ومن جهتها تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تم الاتصال بها، أنه لم يتم إخطارها بمثل هذا الاتفاق والذي يمثل إجراء إلزاميا.
وقد تم الكشف عن المفاوضات حول تسليم إيران 300 طن من اليورانيوم المركز يقدر قيمتها ب 56 مليار دولار من جانب أجهزة المخابرات الأمريكية في الربع الأول من عام 2024.
ولفت المجلس العسكري الحاكم في النيجر بنفسه انتباه الرأي العام لهذا الموضوع في 16 أبريل فيما استنكر العسكريون عبر التلفزيون الوطني "الادعاءات الكاذبة" التي صاغتها واشنطن، والتي تتمثل في التأكيد على أنها يمكن أن توقع اتفاقا سريا بشأن اليورانيوم مع إيران".
وقبل ذلك بشهر، تم إيفاد مساعدة وزير الخارجية للشئون الأفريقية "مولي في" بصورة عاجلة إلى نيامي لتناقش مع المجلس العسكري الحاكم استئناف التعاون العسكري، الذي تم تعليقه بعد الانقلاب وهو تقارب مشروط بـ"الحصول على تأكيدات من جانب النيجريين بأنهم لن يبيعوا يورانيوم إلى الإيرانيين وأنهم لن ينشروا مرتزقة روس على أراضيهم مثل العسكريين الأمريكيين، وذلك حسبما ذكر مصدر دبلوماسي غربي يعمل في النيجر.
ولكن هذا المسعى لم يؤت ثماره ففي السادس عشر من مارس، أي بعد يومين من زيارة الدبلوماسية الأمريكية، أعلنت السلطات النيجرية رحيل ما يقرب من ألف جندي أمريكي معتبرة طلبات واشنطن بمثابة تدخل في شؤونها.. ومنذ 10 أبريل هبط نحو مائة من القوات شبه العسكرية الروسية من الفيلق الأفريقي في نيامي.
ومن جانبه يواصل المجلس العسكرى الحاكم فى النيجر نفى إبرام اتفاق مع طهران حول بيع “الكعكة الصفراء”، ويقول أحد مستشارى الحكومة النيجرية: "إننا نشهد نفس الكذبة التى أشاعها الأمريكيون عام 2002، عندما اتهموا النيجر ببيع اليورانيوم إلى صدام حسين لصنع القنبلة الذرية؛ وذلك بهدف تبرير تدخلهم العسكري في العراق".
بيد أن المستشار النيجري اعترف بأن طهران كانت ترغب في توقيع عقد شراء 300 طن من اليورانيوم خلال الزيارة التى قام بها نائب وزير الشئون الخارجية الإيراني مهدي سفاري إلى نيامي في نهاية فبراير.."اليورانيوم ليس الفول السوداني!.. وبما أننا ملتزمون بعقود أخرى، فقد رفضنا ببساطة، لم يكن لدينا أي مخزون متاح لبيعه لهم، وإن كان الوضع يمكن أن يتطور بسرعة.
وقالت الصحيفة: إن إنتاج مجموعة اورانو من اليورانيو والذي تم تعليقه بسبب القيود اللوجيستية المتعلقة بالحظر الإقليمي الذي فرضه رؤوساء دول غرب أفريقيا غداة الانقلاب، قد استؤنف في فبراير، مشيرة إلى أن السلطات النيجرية هددت منذ الربيع بسحب ترخيص التنقيب عن اليورانيوم الممنوح للمجموعة الفرنسية في حقل إيمورارين والمجموعة الكندى جوفييك في حقل ماداويلا، وقد تم إرسال إنذار نهائي لهاتين المجموعتين في شهري يونيو ويوليو على التوالي لإطلاق أنشطتهما في هذين الموقعين الذي يقدر متوسط انتاجهما ب 6000 الف طن / سنويا وإلا لن يتم تفعيل عقودهم.
ومن أجل جمع الأموال للحد من آثار الأزمة الاقتصادية الناجمة عن العقوبات المفروضة على البلاد في أعقاب الانقلاب، تعتزم السلطات النيجرية الاستفادة من معدنها الرمادي، الذي تعد البلاد سابع أكبر منتج له في العالم، وارتفاع سعره (+40% منذ يوليو 2023) عن طريق بيعه لمن يدفع أعلى سعر.
وفي أكتوبر 2023، التقى بكاري ياو سانجاري وزير الخارجية النيجري مع نظيره الإيراني في طهران ليدق ناقوس الخطر الأول لدى الغرب بشأن صفقة محتملة حول اليورانيوم.
وفي يناير، استقبل رئيس الوزراء الأمين زين من قبل السلطات الروسية ثم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال زيارته الخارجية للدولتين، مما فتح الطريق أمام تعزيز التعاون العسكري مع موسكو وتعزيز التعاون في قطاعات الطاقة وصناعة المناجم مع طهران.
وحسب العديد من المصادر الرسمية الغربية، فقد سهلت روسيا المفاوضات الأخيرة حول اليورانيوم.. ويقول مصدر رسمي فرنسي: "إذا كان الحجم محل التفاوض لا يعطي مؤشرا على تطوير البرنامج النووي الإيراني، فمن الناحية الجيوسياسية فإن وجود مثل هذا المفاوضات يعد حدثا مهما للغاية" ويكشف أن الروس ـ الذين استقروا بالكاد فى النيجر ـ فتحوا الباب أمام أحد عملائهم وهي إيران.. مشيرا إلى أن هدف هذا القرار هو ـ بلا شك ـ مرتبط بالاتفاقات السابقة بين موسكو وطهران لدعم المجهود الحربي في أوكرانيا.
وترى (لوموند) أن المفاوضات مع طهران يمكن أن تكون أيضا وسيلة لنيامي لمحاولة الحصول على شروط أكثر فائدة من الغرب الذين يستغلون اليورانيوم المستخرج من أراضيها.. فخلال الارتفاع الكبير لأسعار المعدن في أوائل القرن الحادى والعشرين، زاد الرئيس مامادو تاندجا من المزايدات مع فرنسا عبر الإشارة ضمنا إلى أنه يستطيع تخصيص آبار لإيران بهدف إعادة التفاوض على الأسعار مع باريس.
واختتمت الصحيفة مقالها بالتذكير أنه قبل 50 عاما، وغداة انقلاب عام 1974، استخدم الجنرال سيني كونتشيه اليورانيوم بالفعل لممارسة نفس الضغط على فرنسا.. مؤكدا أن النيجر ستبيع معادنها لمن تشاء، "حتى لو كان الشيطان".