ما بين ليلة وضحاها يغير الله من حال إلى حال، وخلال الثورة الصناعية الرابعة التى نعيش فى أبرز منجزاتها وأهمها الذكاء الاصطناعى وتقنياته وبرامجه المتقدمة التى لم ولن تتوقف، بل تدخل فى كل شئون حياتنا ومختلف مجالات الكون، منها فكرة الموت والحياة واستدعاء الموتى أيضا بشكل افتراضى لكى يعيش معنا مجددا من خلال تصنيع روبوت مشابه له فى الشكل والصوت وطبقته ونبرته وآخر تعليقات له على وسائل التواصل الاجتماعى قبل أن يرحل المتوفي، حتى لا يشعر الشخص العادى الذى فقد عزيزا له بالوحدة والألم والفراق!، والأدهى من ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية تدرس إنتاج أفلام بالذكاء الاصطناعى لأشخاص ماتوا ورحلوا عن الحياة لكى نراهم مجددا بأصواتهم وحركاتهم وسماتهم لكى يعرض للجمهور فى الوقت الحالي!.
فضلا عن خلق ما يسمى بـ«بوتات الأحزان» وهى أحدث أساليب الذكاء الاصطناعى فى تعويض غياب الموتى.
حيث أصبح الذكاء الاصطناعى يتدخل فى تفاصيل الحياة اليومية، ويقدم الاحتياجات اللازمة فى كل المجالات بطريقة حرفية ودقيقة للغاية، مما جعله يحل محل الإنسان فى بعض الأشياء ويفعلها بطريقة ربما أفضل بكثير منه، كل هذا لا غبار عليه فى ظل التكنولوجيا الحديثة والتطور السريع للذكاء الاصطناعي.
وهو الأمر الذى جعل الكثيرين يتساءلون هل يستطيع الروبوت تعويض غياب الموتى، والمساعدة على تخطى إحساس الفقد للآخرين؟
الإجابة هنا لدى شركات البرمجيات التى كشفت النقاب مؤخرًا عن نوع جديد من روبوتات الإنترنت أطلقوا عليها اسم «بوتات الأحزان». وهى ببساطة عبارة عن روبوتات الإنترنت أو «البوتات» هى برمجيات وتطبيقات تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعى لأداء وظائف متنوعة. وتعتمد فكرة «بوتات الأحزان» على تخليق نموذج افتراضى من الموتى بحيث يستطيع المستخدم التواصل مع هذا النموذج بل والتحدث معه كوسيلة لتسكين الأحزان والتغلب على آلام الفقد !!
وتعتمد هذه البرمجيات على المخزون المتاح من رسائل البريد الإلكترونى والرسائل النصية، والتسجيلات الصوتية والتدوينات على مواقع التواصل التى تركها المتوفى قبل رحيله عن الحياة من أجل محاكاة شخصيته أمام أقربائه وأحبائه.
فقد أتاحت برامج الذكاء الاصطناعي لأى شخص أن يعطيها صورة ومقطعا صوتيا لشخص متوفى لكى يتعرف على طبقة صوته ومخارج ألفاظه ويبدأ التعرف عليها ليستطيع أن يولد منهما فيديو متحرك وتقليد نفس طبقة صوت الشخص الأصلى مما يجعل أى شخص يستطيع عمل محادثة معه من خلال الإجابة عن بعض الأسئلة عن تعبيراته الإنسانية.
ومن هنا تبدأ المحاكاة مع الشخص المتوفى ويزداد أكثر دقة بعد أن يقوم الشخص بإدخال معلومات أكثر عن شخصية المتوفى مثل تعبيراته الإنسانية وطريقة تفكيره ومعتقداته وثقافته وتعليمه بحيث إنه يستطيع المحاكاة لجزء من شخصية المتوفى ويتخيل أنه يستحضر روحه ويتحدث معها، ولكن هى فى الواقع مجرد تلاعب بالبرامج الإلكترونية فقط!
وهناك مخاطر نفسية واجتماعية على هذا بلا شك فهى تسبب للشخص نوعًا من الألم النفسي، ويمكن أن تجعله يتوحد مع برامج الذكاء الاصطناعى ويظل يتحدث مع الشخص الميت الذى افتقده وينفصل عن العالم الخارجي، مضيفا أنه مع الوقت يساعد على تبلد وخلل فى مشاعر الحزن وقت فقد شخص عزيز بمجرد التفكير فى أنه يستطيع استحضاره والتحدث مع فى أى وقت مما يؤدى إلى آثار نفسية وعقلية خطيرة وخاصة لأن الشخص يشعر بأنه يتحدث مع الأموات بشكل طبيعى للغاية.
كما أن التفكير فى إنتاج أفلام جديدة بالذكاء الاصطناعى أبطالها نجوم رحلوا عن عالمنا، ولكن هناك عائق حقوق الملكية الفكرية التى تقف أمامهم لعدم اكتمال التشريعات والقوانين الخاصة باستخدام هذه التقنية فى استحضار الموتى واستخدام صورهم وأصواتهم مرة أخرى بعد وفاتهم فهل تظل ملكية الصوت والصورة حقا لعائلة المتوفى أم تسقط؟ فلا بد من تطور القوانين أيضا حيث إنه لم يتم حتى الآن وضع قوانين واضحة تشرع هذا الأمر.
ولابد من الاستعانة بالجهات الدينية فى مدى شرعية هذه المبتكرات الجديدة من الذكاء الاصطناعي، والتى قلبت بلا شك حياتنا رأسا على عقب والتى جعلت المستحيل، يمكن تحقيقه!
د.فتحي حسين: أستاذ بكلية الإعلام – جامعة القاهرة