أكدت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في عددها الصادر صباح اليوم الجمعة، أن إسرائيل تخاطر بخسارة حربها في قطاع غزة المنكوب من جراء عدوانها المستمر عليه منذ أشهر رغم زعمها بالفوز في عدة معارك ضد مقاتلي حركة حماس.
وذكرت الصحيفة في مستهل تقرير، نشرته عبر موقعها الالكتروني حول هذا الشأن قبل ساعات قليلة، أن المكاسب التكتيكية لم تحقق الأهداف الاستراتيجية ل إسرائيل في غزة، فضلًا عن أن الكثيرين في الجيش الإسرائيلي يلقون باللوم على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لأنه تجنب اتخاذ قرارات سياسية صعبة لإنهاء الأزمة.
وقالت: على مدى ستة أشهر، انتصر الجيش الإسرائيلي في معركة تلو الأخرى ضد حماس، ولكن مع فقدان القتال زخمه وفشل خطط ما بعد الصراع في التماسك والصمود، أصبحت إسرائيل تواجه احتمال خسارة الحرب. إن اجتياح قطاع غزة يتعثر وقد عاد معظم الجنود الإسرائيليين إلى ديارهم، وكذلك، عادت حماس إلى المناطق التي تم اجتياحها في السابق.
وأوضحت الصحيفة تضافر الضغوط الدولية والتحديات المتمثلة في مواجهة المقاتلين المختبئين بين السكان المدنيين لعرقلة الجهود الرامية إلى اجتثاث حماس من جنوب القطاع المكتظ باللاجئين. وقد أدى ذلك إلى إحباط هدف إسرائيل المركزي المعلن من الحرب وهو قتل زعماء حماس وتدمير معاقلها كقوة عسكرية وسياسية.
ويلقي بعض القادة العسكريين والسياسيين اللوم على فشل نتنياهو في إصدار خطة ل غزة ما بعد الحرب، قائلين إن غياب مثل هذه الخطة ترك فراغًا سياسيًا تستغله حماس حاليًا لإعادة بناء نفوذها في القطاع. كما يتفاقم إحباط الجيش الإسرائيلي بشكل متزايد بشأن تردد الحكومة. وبدون خطة سياسية لغزة، فإن الانتصارات التكتيكية لن تضيف إلى أي مكاسب استراتيجية دائمة، كما يقول كبار الضباط والجنود الحاليين والسابقين الذين أمضوا أشهر في قتال شاق.
وقال نعوم أوهانا، جندي الاحتياط في الفرقة 98 الإسرائيلية الذي قاتل في خان يونس، أكبر مدينة في جنوب غزة (في تصريح خاص لمراسل "وول ستريت جورنال"):" كشخص شهد هذه المعارك، فنحن فزنا بالمعركة. يمكنك اختيار عدم جني ثمار انتصارك العسكري، وعندها ستواجه مشكلة سياسية".
وأكدت الصحيفة أن الحرب الطويلة وتفاقم الخسائر الإنسانية في غزة أدت إلى توتر علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة، بنحو جعل الكثير من الناس في إسرائيل يخشون من أن تتضرر العلاقات الأمريكية- الإسرائيلية بشكل لا رجعة فيه بسبب الحرب، وهو ما يعني أن خسارة أمن إسرائيل تفوق فوائد القتال.
ويقول الجيش الإسرائيلي علنًا إن الحملة حققت نجاحًا كبيرًا، وإن كانت في طور التقدم وتقول إسرائيل إن قواتها قتلت الآلاف من نشطاء حماس ودمرت العديد من صواريخهم وأنفاقهم وغيرها من البنية التحتية. ولكن في السر، يشعر العديد من الضباط والجنود العاديين بالقلق إزاء احتمالات تبديد نجاحاتهم التكتيكية ضد حماس بسبب التردد السياسي.
وأكد عوفر فريدمان، وهو ضابط إسرائيلي سابق وباحث في دراسات الحرب في جامعة كينجز كوليدج في لندن أنه من أجل " القضاء على حماس، تحتاج إسرائيل إلى إنشاء بديل كهيئة حاكمة في غزة"، وقال:" هناك تفاهم عام بين الأجهزة العسكرية والأمنية الإسرائيلية على أن هذه ليست مشكلة يمكن حلها عسكريًا".. مع ذلك، قال نتنياهو يوم الأحد الماضي إن القوات الإسرائيلية تحقق إنجازات في الحرب ضد حماس. وقال في بداية اجتماع لمجلس الوزراء:" نحن على بعد خطوة واحدة من النصر". وكرر مستشار لنتنياهو أمس الخميس الرسالة قائلا:" لقد تم تحقيق العديد من الإنجازات غير المسبوقة في ساحة المعركة". وأضاف أن "الإسرائيليين متحدين بالكامل خلف أهداف الحرب".. حسب قوله.
من جانبه، وجه الجنرال الإسرائيلي دان جولدفوس، قائد الفرقة 98، انتقادات علنية نادرة للقادة السياسيين الإسرائيليين في الشهر الماضي عندما دعاهم إلى التوحد و"أن يكونوا جديرين بثقة الجنود الذين يقاتلون ويموتون في غزة"، وقال جولدفوس:" عليكم التأكد من أننا لن نعود إلى السادس من أكتوبر، وأن كل الجهود والتضحيات لن تذهب سدى"، بينما اتفق معه العديد من قواته، وقال جنود الاحتياط الذين عادوا من غزة مؤخرا إن الإحباط بشأن عدم وجود خطة لتعزيز مكاسبهم التكتيكية وتحويلها إلى نصر استراتيجي دائم يتزايد أسبوعيًا.
وقال جنود احتياطيون آخرون إن هناك إحباطًا بشأن الفشل في إطلاق سراح أكثر من 120 محتجزًا إسرائيليًا متبقين في غزة أو قتل كبار قادة حماس مثل يحيى السنوار، وهما هدفان من الأهداف المعلنة للحرب. وأضاف تامير هايمان، رئيس معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب ومستشار وزير الدفاع الإسرائيلي، أن هدف إسرائيل المركزي من الحرب المتمثل في تغيير النظام وحكومة حماس في غزة هو أمر ليس من السهل تحقيقه على الإطلاق، وقال إن الولايات المتحدة لم تحقق تغييرًا كاملًا للنظام في العراق أو أفغانستان.
وزادت المواجهة بشأن رفح من حدة التوترات بين نتنياهو وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن؛ لاسيما بعدما نفد صبر واشنطن تجاه إسرائيل بعد مقتل سبعة عمال الإغاثة الدولية في غزة التابعين لمجموعة المطبخ المركزي العالمي " World Central Kitchen" غير الربحية ومقرها الولايات المتحدة، وهي حادثة قال الجيش الإسرائيلي إنها كانت خطأ.
وقال جوناثان كونريكوس، وهو ضابط إسرائيلي سابق كان متحدثًا عسكريًا في وقت مبكر من الحرب: إن الخلاف مع الولايات المتحدة يمكن أن تكون له عواقب تصل إلى ما هو أبعد من غزة، مما قد يشجع إيران في المواجهة الإقليمية الأكبر مع إسرائيل. في الوقت نفسه، أبرزت "وول ستريت جورنال" أن حماس عادت إلى المزيد من المناطق في غزة التي أخلتها القوات الإسرائيلية وقلصت وجود قواتها في القطاع إلى لواء واحد، انخفاضا من أكثر من 20 لواء وأكثر من 60 ألف جندي في أواخر العام الماضي، للسماح للجنود بالتعافي وتخفيف العبء عن الاقتصاد الإسرائيلي. وعلى الرغم من تحقيق سيطرة تكتيكية شبه كاملة على حماس في المعارك، إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من القضاء على عدو بعيد المنال، أو العثور على السنوار أو إنقاذ المحتجزين بينما تزعم إسرائيل، مع ذلك، أنها قتلت نحو 13 ألف مسلح وفككت 20 كتيبة من أصل 24 كتيبة تابعة لحماس.