تنبأت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية فى تقرير أُصدر الأربعاء الماضى، بتجدّد الصراع داخل إسرائيل بعد انتهاء الحرب الدموية فى قطاع غزة، مشيرة إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وشركائه فى الائتلاف اليمينى يدركون هذا الأمر جيدًا، كما بينت الصحيفة كيف استخدم نتنياهو الحرب على غزة للبقاء فى السلطة وتجنب تفجير الصراع مرة أخرى بعد انتهائها.
وتشير الصحيفة إلى استغلال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للعمليات العسكرية فى غزة كوسيلة للبقاء فى السلطة ولتجنب تفاقم الصراع الداخلى بعد نهايتها. يتوقع المراقبون أن تكون الإدارة الإسرائيلية قد حددت هدفًا غير قابل للتحقيق بالكامل، وهو تدمير حركة حماس، كجزء من استراتيجيتها فى النزاع.
بالرغم من الوضع المعقد الذى يواجه إسرائيل بعد انتهاء الحرب فى غزة، فإن رفض نتنياهو وحلفائه لأى اتفاق يقضى بوقف إطلاق النار فى غزة وإعادة الأسرى يعكس أنهم يدركون التحديات الجسيمة التى تنتظر الدولة العبرية بعد انتهاء هذا الصراع المسلح.
وأوضحت "نيويورك تايمز" أن الحرب على غزة أسفرت عن تجميد للعملية السياسية المقسمة فى إسرائيل، حيث تسببت التعديلات القضائية المثيرة للجدل التى كان يسعى نتنياهو لتمريرها قبل اندلاع الحرب، فى انقسام غير مسبوق.
ومن خلال تحليلها، تحذر الصحيفة من خطر احتمالية اندلاع حرب أهلية فى إسرائيل، حيث تم تجميد المناقشات العاصفة بشكل تقريبي، مما يجعل الوضع السياسى فى إسرائيل مُتَرَقَّبًا بقلق شديد بعد انتهاء العمليات العسكرية فى غزة.
فى سياق متصل، أفادت الصحيفة أن وزير حكومة الحرب الإسرائيلية بينى جانتس وحزبه تم منعهما من مغادرة الحكومة، فى حين نجح بنيامين نتنياهو فى تفادى تنظيم جولة جديدة من الانتخابات، وذلك فى ظل التحديات السياسية المتزايدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن المستقبل السياسي لنتنياهو يبدو مظلمًا فى ضوء الأحداث التى تلت هجوم على المستوطنات الإسرائيلية يوم السابع من أكتوبر والمعرف بـ “عملية طوفان الأقصى”، وهو ما تسبب فى تدمير إرثه كرئيس للحكومة الذى كان يفتخر بأن السنوات الخمس عشرة التى قضاها فى السلطة كانت "الأكثر أمانًا لإسرائيل".
وأشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو، الذى وصف نفسه بأنه "سيد الأمن" و"حامى إسرائيل"، يتحمل المسئولية عن "اليوم الأكثر دموية فى تاريخ إسرائيل".
ومع استمرار نتنياهو فى السلطة، فإن الصحيفة تخلص إلى أن "المناقشات الأساسية والمستقرة بشأن الشخص الذى سيخلفه لا يمكن تأجيلها إلى ما لا نهاية".
وكان قد ألقى رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، إيهود باراك، فى تصريحاته الأخيرة، الضوء على تدهور الأداء الحكومى لنتنياهو خلال فترة توليه السلطة، وخاصة خلال جائحة كورونا والجولات الانتخابية والحروب، مما أدى إلى فشل واضح فى إدارة البلاد والتعامل مع التحديات.
وبالرد على من يؤيدون استمرارية حكومة نتنياهو، أشار باراك إلى أن الظروف الراهنة غير عادية، وأن الحرب الأخيرة فى غزة كانت الأخطر منذ تأسيس إسرائيل، وقد أثارت هزة سياسية وأدائية وبشرية غير مسبوقة.
وأكد باراك أن المطالبة بإجراء انتخابات فورية ليست مجرد محاولة لمعاقبة المسؤولين عن الفشل فى إدارة الأحداث الأخيرة، بل تهدف إلى إعادة بناء الثقة وتحقيق تغيير جذرى لتجنب مزيد من الفشل فى المستقبل.
فى سياق حديثه؛ قال باراك إن إسرائيل تواجه معارك قتالية ودبلوماسية صعبة، وإن التحديات المقبلة تتطلب قيادة قادرة على التعامل معها بفعالية، وهو شيء غير ممكن بوجود الحكومة الحالية التى فشلت فى مواجهة التحديات السابقة بشكل فعّال.
هذا ما جرى فى ٧ أكتوبر!
فى تقرير نقلته قناة "الحرة" الأمريكية، استعرض رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، عاموس مالكا، الإخفاقات التى أدت إلى الهجوم المأساوى فى السابع من أكتوبر، متهمًا نتنياهو وكبار المسئولين بتحمل مسئولية كبيرة عن هذا الهجوم.
وفى تصريحاته التى نشرتها صحيفة جيروزاليم بوست، أشار مالكا إلى أن فشل منع الهجوم يعزى إلى عدة عوامل، من بينها تجاهل المؤسسة الدفاعية والقادة السياسيين للتهديدات المتعلقة بالأنفاق التى تبنيها حماس، كما أشار إلى صعوبة وصول تقارير المخابرات إلى القيادة العليا، مما سهل تنفيذ الهجوم دون تدخل فعّال.
وأكد مالكا أيضًا أن خطة الإصلاح القضائى أثرت سلبًا على قدرة المؤسسة العسكرية على التصدى للتحديات بفعالية، حيث منحت الأولوية لقضايا داخلية على حساب الأمن القومي.
ووقع هجوم السابع من أكتوبر، عندما اخترق مسلحو حماس الحدود إلى مستوطنات غلاف غزة عبر السياج الحدودى وعبر وحدات الضفادع البشرية من البحر، إضافة إلى مظليين من فوج "الصقر" التابع لكتائب القسام، وأسفرت العملية عن مقتل مئات الإسرائيليين بين جنود ومستوطنين، وأسر وفقدان أكثر من ٢٥٣، بعضهم جنود، تحت غطاء من الصواريخ التى تم إطلاقها على البلدات والمدن الإسرائيلية.
ورد جيش الاحتلال بعملية جوية وبرية فى قطاع غزة أسفرت عن مقتل وإصابة الآلاف. وأعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس، الثلاثاء، ارتفاع الحصيلة فى القطاع إلى ٣٢٩١٦ قتيلا منذ بدء الحرب.
وكشف مالكا أن رئيس الوزراء نتانياهو أطلع لجنة فى الكنيست عام ٢٠١٧ على مخطط يعتزم تنظيم حماس استخدام حرب الأنفاق لاختراق الأراضى الإسرائيلية. واتهم مالكا نتانياهو بالتسلط على موضوع الأنفاق وتجاهل السبل الأخرى التى قد تشكل تهديدًا لإسرائيل، بما فى ذلك الاستراتيجيات البرية.
فى سياق متصل؛ صرَّح المسئول الكبير السابق بأن الجيش الإسرائيلى والجهات السياسية كانتا متفقتين على أن أحد الدوافع التى دفعت حماس لبناء الأنفاق الهجومية العابرة للحدود هو انسحاب الحركة، المصنفة كمنظمة إرهابية فى عدد من البلدان، عن الاستراتيجية القائمة على العمليات البرية. وشدد المسؤول على أن تجاهل هذه النقطة يشكل إهمالًا فى التقييم الاستراتيجى للتهديدات الأمنية والسياسية فى المنطقة.
وأوضح أن العديد من المعلومات الاستخبارية الحيوية التى تم جمعها من قبل المراقبين وضباط المخابرات ذوى الرتب المنخفضة لم يتم نقلها إلى القيادة العسكرية الإسرائيلية أو إلى صنَّاع القرار السياسيين البارزين، وهو ما يشير إلى أن قادة كبار مثل رئيس الأركان ونتنياهو لم يكونوا على علم بتلك التحذيرات والتقارير التى كانت متاحة.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت التقارير أن نتنياهو تلقى تحذيرات من مصادر مختلفة حول تصاعد التهديدات التى تواجه إسرائيل، بدءًا من إيران وصولًا إلى حزب الله وحماس، وأشارت التحذيرات إلى أن هذه الكيانات كانت تراقب الجيش الإسرائيلى نتيجة لتداعيات معارك الإصلاح القضائى وتهديدات جنود الاحتياط بالانسحاب من الخدمة.