بعد الهجوم الدموي لتنظيم داعش الإرهابي في روسيا، اتجهت فرنسا لرفع حالة التأهب لأعلى مستوياته في ضوء التخوف من عودة الهجمات إلى باريس مجددا، وذلك في توقيت حساس حيث تشهد العاصمة الفرنسية حدثا رياضيا عالميا، دورة الألعاب الأولمبية 2024، المقررة في الصيف المقبل (26 يوليو- 11 أغسطس).
لم تكتف فرنسا باتخاذ التدابير اللازمة لموجهة التهديدات الإرهابية فقط، بل أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية عن استقبال قوات أمنية من عدة دول أجنبية للمساعدة في تأمين دورة الألعاب الأولمبية.
وتلجأ فرنسا لرفع حالة التأهب القصوى في البلاد كنظام أمني تعمل به عقب وقوع هجمات إرهابية أو شعور الأجهزة الأمنية بالاقتراب من تهديدات وشيكة، وذلك بعدما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تصريحات صحفية، "أن الجماعة التي نفذت هجوم موسكو كانت قد خططت أيضا لارتكاب عدة عمليات في فرنسا خلال الآونة الأخيرة"، في إشارة منه إلى أن الهجوم الإرهابي الذي طال روسيا جاء في إطار تهديدات خطيرة لدول أوروبية أيضا.
بعدما تبنى تنظيم داعش الإرهابي هجوم قاعة كروكوس بالقرب من موسكو، أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اجتماع له مع الحكومة والأجهزة الأمنية: "نعلم أن الجريمة ارتكبها إسلاميون متطرفون، الذين ظل العالم الإسلامي نفسه يحارب أيديولوجيتهم منذ قرون".
لكنه أثار الشكوك حول تورط أوكرانيا وداعميها من الغرب في الهجوم الإرهابي، قائلا: "نحن مهتمون بمعرفة من هو المحرض". بينما نفت كييف علاقتها بالحادث.
بندقية مدفوعة الثمن
وفي تصريح لـ"البوابة نيوز"؛ قال الدكتور جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب بألمانيا، أنه من المرجح أن تكون هناك دول غربية تطمح في استعادة سيناريو حرب الجهاديين والحركات الإرهابية ضد روسيا.
وأضاف "رئيس المركز"، أن تبني تنظيم داعش للعملية الإرهابية في موسكو يعكس أن التنظيم أصبح بندقية مدفوعة الثمن، ومن المرجح وضمن سياق الأحداث والتطورات في حرب أوكرانيا أن الاستخبارات المركزية والمخابرات البريطانية أنها تدفع تنظيم داعش لتنفيذ عمليات إرهابية في موسكو، وهو نهج غير مستبعد عند بريطانيا خاصة وأنها استثمرت في وقت سابق القيادات الجهادية للعمل ضد روسيا.
في ضوء الصراع على خلفية الأزمة الأوكرانية، فإن الغرب يلقي بلائمة هجوم موسكو على التنظيم داعش الإرهابي، وتعلن فرنسا أنها تتعرض لمثل هذه التهديدات الإرهابية من قبل داعش، بينما تقر روسيا بأن منفذي الهجوم هم متطرفون وإرهابيون لكنها تساءلت عن المحرض، بل اتهمت أوكرانيا وداعميها بالوقوف خلف هذا الهجوم.
التهديدات الإرهابية
في أكتوبر 2023، عانت فرنسا من عملية إرهابية راح ضحيتها معلم على يد شاب متطرف، وهو ما دفع الحكومة الفرنسية لرفع مستوى التأهب لأعلى مستوياته، ثم عادت وخفضت حالة التأهب مع مطلع العام الجاري، ثم عادت ورفعته مجددا بعد هجوم موسكو.
بعد حادثة قتل المعلم الفرنسي، كشفت أجهزة الأمن عن تلقي عدة تهديدات خطيرة ومتزايدة، وفي استجابة لهذه التهديدات، جرى إخلاء 6 مطارات فرنسية لساعات عدة بعد تلقيها عبر البريد الإلكتروني تهديدات باعتداءات.
وللتحقق من جدية التهديدات من عدمها، أكدت السلطات أن مطارات ليل وليون ونانت ونيس وتولوز وبوفيه قرب باريس أُخليت بشكل مؤقت. كما جرى إخلاء متحف اللوفر وقصر فرساي أيضًا بسبب إنذارات كاذبة بوجود قنابل. وتوقفت الحركة تمامًا لبعض الوقت على الأقل في مطارات تولوز وبوفيه وبوردو وبو، ثم عادت إلى طبيعتها في جميع المطارات.
إلى جانب المطارات والمتاحف ومؤسسات إعلامية، تلقت أيضا بعض المؤسسات التعليمية في شمال البلاد رسائل تهديد، بعض هذه الرسائل حملت إشارات مرعبة، منها رسالة تحمل نصًا: "الاثنين ستنفجر 122مؤسسة"، وهو رقم ضخم يزيد حجم الرعب في الأهالي والمواطنين ويستهدف تبديد طاقة الأجهزة الأمنية.
خطوات أمنية
وسط هذا الكم الكبير من التهديدات، لجأت الأجهزة الأمنية إلى عدة إجراءات وتدابير، حيث عززت الأمن في المواقع الحيوية، حيث يتم تعزيز الأمان في المطارات والمحطات والمعالم السياحية والمؤسسات الحكومية والمدارس، وجرى نشر قوات الأمن والشرطة للمراقبة والتفتيش.
وزادت من حملات مكافحة التطرف ومراقبة الأفراد المشتبه بهم، كما تتبعت الأنشطة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي للتحقق من أي تهديدات محتملة. وفي السياق فإن فرنسا تتعاون مع دول أخرى ومنظمات دولية لتبادل المعلومات وتطوير استراتيجيات مشتركة لمكافحة الإرهاب.
وجهت الحكومة الفرنسية حملات توعية للجمهور حول كيفية التعامل مع التهديدات والتبليغ عن أي نشاط مشبوه. وعملت على تدريب قوات الأمن والشرطة على كيفية التصرف في حالات الطوارئ والتهديدات الإرهابية.
تخوفات أوروبية
ووفقًا لتقرير "نيويورك تايمز"، أعرب متخصصون في مكافحة الإرهاب عن قلقهم من أن الهجمات التي شهدتها موسكو وإيران قد تشجع تنظيم "داعش-خراسان" على تكثيف جهوده لاستهداف أوروبا، وبخاصة دول مثل فرنسا وبلجيكا وبريطانيا، التي تعرضت لهجمات متقطعة خلال العقد الماضي.
في يوليو الماضي، نُفذت عمليات اعتقال في ألمانيا وهولندا استهدفت 7 أفراد من الجنسيات الطاجيكية والتركمانية والقرغيزية، والذين يُشتبه في تخطيطهم لهجمات داخل ألمانيا.
كما تم أيضًا اعتقال 3 رجال في ولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية، بتهمة التخطيط لمهاجمة كاتدرائية كولونيا في ليلة رأس السنة الجديدة لعام 2023. وشهدت المداهمات الأمنية 3 اعتقالات أخرى في النمسا، بالإضافة إلى اعتقال شخص آخر في ألمانيا في 24 ديسمبر الماضي، بتهمة دعمه لتنظيم "داعش-خراسان".
في تصريحات إعلامية أخيرة، أكدت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، "أفريل هاينز"، أمام لجنة مجلس الشيوخ الأمريكي، أن تهديد داعش لا يزال يشكل مصدر قلق كبير في مجال مكافحة الإرهاب. وأشارت إلى أن معظم الهجمات التي نفذها داعش على مستوى العالم حدثت بالفعل على يد مجموعات تابعة له خارج أفغانستان.
في السياق نفسه؛ أكد الجنرال "مايكل كوريلا"، رئيس القيادة المركزية للجيش الأميركي، أمام لجنة مجلس النواب، أن تنظيم داعش-خراسان لا يزال يمتلك القدرة والإرادة لشن هجمات على المصالح الأمريكية والغربية في الخارج، وذلك في غضون أقل من 6 أشهر دون سابق إنذار.
لماذا فرنسا؟
ويقول المحلل الفرنسي المتخصص في العلاقات الحكومية والشئون الدولية، "فرانك فارنيل"، في تصريحات إعلامية، إنه حذر بشأن التهديد المتزايد داخل فرنسا وربما في جميع أنحاء أوروبا من الأنشطة الإرهابية من قبل داعش خراسان، وحتى الرئيس الفرنسي ماكرون حذر من هجمات محتملة، وأمر برفع مستوى التأهب الأمني داخل البلاد.
وأوضح "فارنيل"، أن التهديدات الداعشية تؤكد الخطر الشديد والمستمر الذي تشكله هذه الجماعات المتطرفة على أمن قارة أوروبا بالكامل. وفي السياق ذاته، حذر المحلل الفرنسي من استهداف الألعاب الأولمبية القادمة في باريس، لأنها ستكون هدفا أساسيا لتنظيم داعش.