الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

«تاريخ سيناء» موسوعة متكاملة لأرض الفيروز وأهميتها للقاهرة والعالم.. نعوم شقير: الحصن الطبيعي لمصر من جهة الشرق

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في كتابه "تاريخ سيناء"، والذي صدرت نسخته الجديدة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ضمن سلسلة "ذاكرة الكتابة" -المعنية بنوادر الكتب- بدراسة وتقديم الدكتور أحمد زكريا الشلق، يُقدم نعوم شقير موسوعة متكاملة عن تاريخ سيناء وجغرافيتها، وكذلك رؤية أيديولوجية لسكانها وثرواتها الطبيعية، ومنظومة علاقاتها الاجتماعية في مطلع القرن العشرين.
دون نعوم شقير، في هذا الكتاب، تجربته التاريخية عن كل ما شاهد في سيناء -الحصن الطبيعي لمصر من جهة الشرق- والتي عرفت مصر أهميتها منذ القدم، وربط في هذا الكتاب بين تاريخ سيناء، وتاريخ شبه الجزيرة العربية، والشام، والعراق، خلال عصور التاريخ.

كتب شقير: إن الله قد خص مصر بأربعة حصون منيعة من جهاتها الأربعة البحر المتوسط من الشمال، وشلالات النيل من الجنوب وصحراء ليبيا من الغرب وصحراء سيناء من الشرق، وقد عرفت منذ العهد القديم أن لسيناء أهمية كبرى من الوجهة الحربية فوضعتها تحت السلطة العسكرية، وحتى جميع الدول التي ملكت مصر وسوريا معا ألحقت سيناء بمصر عسكريا وإداريا، ولم تزل الحال على ذلك إلى اليوم.

فقد امتدت صحراء سيناء نحو 150 ميلا شرقا وغربا، وانقسمت بحسب طبيعة أرضها لثلاثة أقسام، وهي "بلاد الطور" وهي بلاد جبلية محضة في الجنوب، و"بلاد التيه" وهي سهل مرتفع فياح جامد التربة في الوسط، و"بلاد العريش" وهي وهاد من الرمال في الشمال وصحراء سيناء واقعة في المنطقة التي يقل فيها المطر، ولذلك غلب عليها الجدب والقحولة، فهي قليلة المياه وقليلة النبت وقليلة الزرع والضرع والسكان.

سيناء.. ذِكر جميل

 

وصف نعوم شقير اسم سيناء بأنه "أشهر من نار على علم"، ولها ذِكرٌ جميل في التوراة والقرآن والهيروغليفية (المصرية القديمة)، على الرغم من موقعها الجغرافي وطبيعة أرضها لا يؤهلانها لذلك، إلى جانب أن عدد سكانها لم يزد في أي عصر عن خمسين ألف نسمة، حتى وقت صدور الكتاب.

وقد بدأت شهرة سيناء بمناجم الفيروز والنحاس والمنجنيز، التي عدها المصريون القدماء في بلاد الطور في عهد الأسرة الأولى إلى عهد الأسرة العشرين، وأقاموا في بعض مناجمها هيكلا من أقدم هياكلهم وأنفسها وأغلاها، وما زال أهل سيناء يعدّنون الفيروز فيها إلى اليوم، ثم كان مرور بني إسرائيل في سيناء عند خروجهم من مصر على يد موسى عليه السلام ونزلت "الوصايا العشر" على طور سيناء، فعدها اليهود ثم النصارى والمسلمون من بعدهم من الأراضي المقدسة.

ويشير الكتاب إلى أن "كل أمة جاءت على سيناء تركت أثرا فيها، فسكانها الأصليون هم أربعة من المساكن، وهي النواويس والقصر والدوارت والمغاور؛ فالنواويس أكواخ متينة جدا من الحجر الغشيم والطين مبنية على شكل حلزوني، وأكثرها في بلاد الطور وجبال التيه الجنوبية، والقصر أكواخ من الحجر والطين أصغر حجما من النواويس، بينما الدوارات فهي دوائر أو زرائب من حجر غشيم كالدوارات التي يصنعها البدو من الحجر وأغصان الشجر، فيسكنون فيها هم وبهائمهم، وترى بقايا دوارات السكان الأصليين في كل جهة من الجزيرة، والمغاور فأكثرها في جبال بلاد الطور وجبال التيه ومازال العرب يستخدمونها في زمن الأمطار اليوم".

وللمصريين القدماء آثار باقية في سيناء أهمها هيكل لعبادة الآلهة هاتور والإله سبدو في سرابيت الخادم وصخرات هيروغليفية في سرابيت الخادم ووادي المغارة وآثار تعدين النحاس في وادي النصب والفيروز في وادي المغارة وخرائب مدينة الفرما وقلعتها عند فم فرع البليوسي، والتل الأحمر عند القنطرة، وهناك آثار النبطيين هي صخرات عليها كتابات بالنبطية على الطرق التجارية وغي جوار المعادن والأماكن المقدسة، ومعظمها في بلاد الطور في أودية حبران والنصب والحمر وفيران والمكتب والمغارة وضواحي جبل سيناء وجبل سربال وغيرها.

كما يوجد آثار لليونان والرومان والبيزنطيين، وتعتبر مدائن وقلائع وآبار وأحواض وهرابات للماء وسدود في الأودية وكنائس وأديرة ومناسك في الجبال منذ القرن الثاني للمسيح أو قبله إلى القرن السابع ومنها في بلاد الطور هي دير طور سيناء القائم إلى اليوم وخرائب أديرة وكنائس وبروج مناسك في جبل سيناء وجبل سربال ووادي فيران وخرائب دير وكنيسة في وادي الطور وكنيسة عامرة في مدينة الطور وفي بلاد التيه هرابات للماء في جوار جبل الحلال وهرابة للماء وقلعة في جبل المغارة وبرك ماء وسدود في أودية بيرين والقديرات والعوجا ومايين وخرائب مدينة فخمة وقلعة وكنيسة في وادي العوجا، وفي بلاد العريش خرائب مدينتي رفح وأم عمد، وفيها أعمدة جرانيتية وآبار وهرابات للماء والحبوب وخرائب قلعة وبئر في "خربة الرطيل" في الجورة شرقي العريش وخرائب مدينة عسلوج والشيخ زويد واليزك والبردويل والخوينات والفلوسيات والقلس والمحمدية على شاطئ البحر المتوسط بين رفح والفرما وبئر نقع شبانة على الدرب المصري وقلعة لحفن وبئر لحفن ورجم القبلين على وادي العريش قرب مدينة العريش.

وجد الباحثون في آثار سيناء القديمة كثيرا من أصناف النقود النحاسية والفضة والذهب من عهد الرومان البيزنطيين والإسلام وأهم الآثار التي تركها العرب المسلمون سكان البلاد الحاليين قبور وقبب أولياء تُزار، تعد بالعشرات في جميع الجهات ورجوم وهي حجارة أو كوم من الحجارة أو أتبام في دوائر في الأرض للدلالة على وقائع مشهورة.

الشعر في سيناء

تمتاز سيناء بالشعر فكل شعر في سيناء يُغنى والشعر والغناء عندهم على أربعة أنواع وهي القصيد، والمواليا، وحداء الإبل، وغناء الرقص، أما القصيد فينشد على الربابة ويشمل باب المدح، بينما الماليا فهو الغناء على ظهر الإبل على مدى الصوت بينما حداء الإبل فهو الغناء للإبل وهي تشرب أو تسير وقبل أنها تستعذب الشرب وتستحب السير على صوت الحداء، أما الدحية فهي من أعظم تسلية للبدو في باديتهم فإذا اجتمع البدو للدحية وقفوا صفا واحدا وبينهم شاعر أو أكثر يُعرف بالبداع يرتجل الشعر وأمامهم غادة ترقص بالسيف تُدعى الحاشية.
إن سيناء عُرفت على الآثار المصرية باسم "توشويت" أي أرض الجدب والعراء وعُرف أهلها باسم هيروشايتو أي أسياد الرمال ونسبوا إلى جنس الآمو المعروف بالجنس السامي وعرف أهلها في الجنوب باسم مونيتيو وكان السكان في الشمال والجنوب متشابهين في الهيئات والملابس والعيشة البدوية وقد دلت صورهم الباقية من الآثار إلى اليوم أن هيئاتهم في تلك العصور الخالية تقرب جدا من هيئات بدو سيناء في هذه الأيام وكانوا يمشون حفاة يشدون أوساطهم بالأحزمة ويتردون بالأعبئة وسلاحهم القوس والنبل والحربة والنبوت والسكين والفأس والترس وكانوا يفتنون قطعانا من الأغنام أما الجمل والحصان لم يكونا معروفين عندهم كما لم يكونا معروفين في مصر ومعظم طعامهم ألبان المواشي وثمار النخيل ويشتغل بعضهم بالزراعة فيسكنون جوار الينابيع والآبار ويزرعون ما خصب من الأرض على قلته وينشئون الحدائق من النخيل والتين والزيتون والكرم ولم يكن يكفيهم محصول أرضهم فكانوا ينتبون أسواق شرق مصر وجنوب سوريا يبيعون فيها العسل والصوف والصمغ والمن والفحم من محصول صحرائهم ويأتون منها بما أعوزهم من الحبوب والملابس على نحو ما يفعل بدو هذه الأيام.

جبال سيناء

إن سيناء يوجد بها جبال كثيرة مشهورة ومنها جبل طور سيناء وإليه تنسب الجزيرة كلها كما مر وهو واقع على نحو ستين كيلو مترا إلى الشمال الشرقي من مدينة الطور وفي تقاليد رهبان سيناء أنه الجبل المعروف في التوراة بجبل حوريب أو جبل سيناء أو جبل الله أي الجبل الذي كلم الله عليه موسى وهناك جبل موسى الذي بُني على رأسه كنيسة صغيرة لرهبان دير سيناء وجامع أصغر منها بل أن الجامع عبارة عن كوخ من الحجارة الغشيمة.

وجبل المناجاة ويقع شمالي جبل موسى ويدل عليه البدو الذي ناجى الله عليه موسى ون ذلك اسمه وهو يعلو نحو 600 قدم عن سطح البحر وينشأ من منقلبه الغربي وادي صغير يفيض في وادي الشيخ يدعى وادي الدير وسمي كذلك لأنه قام على جنبه الأيسر دير طور سيناء الشهير، وجبل الصفصافة الواقع في الشمال الغربي من جبل موسى وسمي كذلك لأن في سفحه الشرقي صفصافة وهو يعلو سطح القمر بـ6760 ويطل على سهل فسيح يُدعى سهل الراحة وتبلغ مساحته نحو ميل مربع ويعلو نحو 5000 قدم من سطح البحر وعند طرف هذا السهل عند مصب وادي الدير يوجد تل صغير من الجدارة الغشيمة يُدعى"مقام النبي هارون"، وقد ذكر المحققون أن جبل صفصافة هو الجبل الذي وقف عليه موسى عند إلقائه الوصايا العشر على الإسرائيليين بينما سهل الراحة هو السهل الذي وقف عليه الإسرائيليون عند تلقيهم هذه الوصايا والتل الذي عليه مقام هارون عليه السلام هو التل الذي عبد الإسرائيليون العجل الذهبي، وتعتبر قمة جبل موسى أعلى قمة في طور سيناء وأبهاها ويطلق اسم جبل موسى على طور سيناء كله.

ومن أشهر الجبال أيضا في سيناء جبل "القديسة كاترينا" الذي يقع بجانب جبل موسى إلى الجنوب الغربي منه، وله قمم ارتفاع أعلاها 8563 قدما على سطح البحر وهي أعلى قمة في سيناء كلها وسمي بهذا الاسم لأن في تقاليد الرهبان أن الملائكة قديما حملت جثة القديسة كاترينا من محل استشهادها لافي الإسكندرية ونزلت بها على رأس هذا الجبل ولم يبق من الجثة إلا الجمجمة وعظم إحدى اليدين وهما محفوظتان في صندوق خاص في هيكل كنيسة الدير إلى اليوم.
وجبل "سريال" الذي يعد أشهر جبال سيناء بعد جبل موسى ويقع في شمال مدينة الطور وغرب جبل موسى على بعد نحو 30 ميلا من كل منهما ويطل على مدينة الطور، ويحجبه عن جبل موسى الجبل الأحمر وله خمسة قمم تمثل تاجا عظيما في شكل نصف دائرة ارتفاع أعلاها نحو 6730 قدما من سطح البحر ونحو 4000 قدم عن وادي فيران الشهير في سفحه الشمالي.

وقيل إن اسم سريال مختذل من سرب بعل أو نخيل الإله بعل إشارة إلى نخيل فيران في سفحه، وأن الناس كانت تقدسه وتحج إليه قبل النصرانية بل قبل الخروج بأجيال وترى في الطريق إليه من وادي فيران حجارة أثرية قد نقش عليها أسماء الزوار الذين لم ينقطعوا عن زيارته حتى القرن الثالث للمسيح وفي سفحه غرائب دير قديم وكنيسة مبنية بالحجر المنحوت ومغاور للنساك وهو في رأي بعض المحققين جبل حوريب وجبل سيناء المذوران في التوراة، لا الجبل المعروف الآن بطور سيناء، غير أن جبل طور سيناء أكثر انطباقا على رواية التوراة ومن جبل سريال.
إن مركز رفح قائم على أنقاض مدينة رفح القديمة على بعد 28 ميلا من مدينة العريش و5 أميال من خان يونس و18 ميلا من غزة وهي مدينة "رافيا" التي ذكرها المؤرخ يوسفيوس، وهي أول محطة سورية استراح فيها تيتوسفي طريقه لمحاصرة القدس سنة 70 ب.م، ورفح هي التي كانت في أكثر العصور التاريخية الحد بين مصر وسوريا وانتصر فيها بطلميوس الرابع على أنطوخيوس الكبير ملك سوريا في واقعة كبيرة عام 217ق.م، وانتصر سرجون ملك آشور على سباقون ملك مصر في أوائل القرن الثامن قبل الميلاد.

مدينة رفح

يقول نعوم شقير عن مدينة رفح في وصفها أنها مدينة عامرة فيها سوق وجامع ومنبر وفنادق ومنها إلى مدينة غزة شجر جميز مصطف على جانبي الطريق عن اليمين والشمال نحو ألف شجرة متصلة أغصان بعضها ببعض مسيرة نحو ميلين وهناك منقطع رمال الجفار فتحها عمرو بن العاص.

وقيل عن رفح أيضا إنها منزل في طريق مصر بعد الدارم، بينه وبين عسقلان يومان لقاصد مصر وهو أول الرمل بينما بئر رفح فهي بئر قديمة العهد مطوية بالحجر المنحوت قطرها نحو عشر أقدام وعمقها نحو أقدام وماؤها غزير صالح للشرب لكنه مائل للملوحة وفيه علق صغير وبين بئر رفح والبحر المتوسط كثبان عظيمة من الرمال تسفى رياح البحر منها إلى الأرض الزراعية فتبتلعها تدريجيا وأهلها لا يبدون أقل حركة لإيقافها عند حدها ويتخلل تلك الكثبان خرائب أبنية قديمة وكسر فخار وزجاج وهذا يدل على أن عمرانها كان يمتد إلى شاطئ البحر المتوسط، بينما بئر رفيح حديثة العهد احتفرها الرميلات وسط الكثبان على نحو ميلين الى الجنوب الغربي من بئر رفح وقد دخلت في حد مصر ورممها محافظ سيناء عام 1907، على بعد نحو ميل ونصف جنوبي بئر رفح شجرتا سدر قيمتا العهد يقال ان لكل منهما "الفقيرة " تزورهما نساء البادية وينذرون لها النذور وهما قائمتان على تل مرتفع يُرى منه جبل الحلال في الجنوب وجبل الخليل في الشرق البحت، وعلى بعد ميل ونصف جنوبي " الفيرة" خرائب" أم عمد" وسميت كذلك لكثرة العُمد في خرائبها وأهم ما هو ظاهر منها الآن عمودان كبيران من الجرانيت الرمادي أحدهما مكسور وعمود من الرخام الأبيض ومطمارة لخزن الغلال مبنية بالحجر والكلس وهرابة للماء كهرابة رفح على نحو 9 أميال جنوبي ام عمد "خربة الرطيل" في شمال الجورة، كما نجد "قبر الغُبي" على نحو ميلين الى الجنوب الشرقي من بئر رفح وهو ضريح شجر شائك عُلق فيه سرج الزيت لإنارة الضريح وأهل البلاد ينذرون له النذور ويذبحون له الذبائح وبجواره على بعد أميال قبر الشيخ حسن وقبر القبة.