من حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن نفسه بالشكل والطريقة التي يراها مناسبة، كما من حقه أنّ يغير في أدوات نضاله، كما يراها هو لا غيره، وكما تتناسب مع العدو الإسرائيلي المحتل لأرضة.
ولكن بين تفاصيل الحرب التي قاربت شهرها السادس في غزة لم نسمع صوتًا للتنظيم الأكثر عنفًا وإرهابًا، داعش، رغم أننا توقعنا أنّ الإرهاب الإسرائيلي في بدايات هذه الحرب، قد يخلق البيئة التي يتحرك فيها داعش، حتى يلملم جراحه وما لحق به من هزائم على خلفية سقوط دولته في 22 مارس من العام 2019، إلا أنّ الواقع أثبت خلاف ذلك.
التنظيمات المتطرفة تستغل الأوضاع السياسية وتخلق حالة الفوضى التي تمثل البيئة الخصبة لوجودها، وإنّ لم يكن هناك فوضى فإنها تقوم بتخليق هذه الحالة، ومن ثما تتنامى هذه التنظيمات بهذه الصورة؛ وغالبًا ما تستغل الإضطرابات أو تُحاول صناعتها من أجل تحقيق أهدافها.
وهنا يمكن القول،: إنّ داعش غابت تمامًا عن مشهد الحرب في غزة ولا أعتقد أنّ حركات المقاومة الفلسطينية في حاجة إليها أو تُريدها أنّ تبرز في مشهد النضال في أي مرحلة من مراحله؛ غيابها عن المشهد يُؤكد أنّ ما ترفعه من شعارات لا يتطابق مع ما تطرحه من أفكار، ولا يُعبر عن حقيقتها، وبدا ذلك بوضح عن فرع التنظيم في القاهرة والذي أطلق على نفسه "أنصار بيت المقدس".
يبدو واضحًا من أسمه "أنصار بيت المقدس" أنه يُدافع عن بيت المقدس أو أنه يضع فلسطين في أولوياته، لكن منذ ظهور هذا التنظيم بعد العام 2013، إلا أنّ معظم عملياته كانت ضد الجيش المصري وليست ضد إسرائيل، بل كانت هناك حالة من التماهي بين هذا التنظيم المتطرف وبين أهداف إسرائيل، حيث لم تتعاون الأخيرة في الإبلاغ عن تحركات التنظيم في سيناء رغم رصدها من خلال أبراج المراقبة، وهذا أحد أشكال داعم إسرائيل لداعش مصر في مهمته.
تنظيم أنصار بيت المقدس، نسى أو تناسى وظيفته التي نشأ من أجلها فواجه الجيش المصري على مدار أكثر من 10 سنوات، دفعًا عن الإخوان المسلمين رغم ما يبدو من عداء ظاهري وأيديولوجي بين كلا التنظيمين، ولكنه أثبت أنه أنصار الإخوان وليس بيت المقدس، كما أثبت أنه يعمل لصالح إسرائيل وليس مقاومًا لها.
على كل الأحوال التنظيمات المتطرفة غابت عن مشهد الحرب في غزة، ولكنها حاولت أنّ تستفيد من هذه الحرب في نفس الوقت، ومازالت تًحاول أنّ تُحقق أعلى أستفادة، وهذا دليل قاطع أنّ هذه التنظيمات لا تعمل لصالح أوطانها ولا قضايا أمتها ولا حتى للدين الذي ترفعه كشعار.
لا تنصر القضايا العادلة إلا بالحق، وهذه التنظيمات لا تُعبر عن أي حق ولا تمثل إلا نفسها وما تؤمن به من أفكار متطرفة، هي تضر في حقيقة الأمر بالإسلام كما أنها تضر بأمتها، ولذلك لا يُرجى منها خير، ومواجهتها واجب وطني وديني في نفس الوقت؛ فلا يمكن الانتصار على العدو البعيد قبل الانتصار على العدو القريب، وهذه التنظيمات تمثل هذا العدو الذي يجب التخلص منه سريعًا.
البيت الفلسطيني يتخلص سريعًا من التنظيمات المتطرفة التي لا تُعبر عن هويته في نضاله ضد إسرائيل، كما أنّ داعش لا يُعبر عن الشعب الفلسطيني ولا طموحه نحو الاستقلال، وقد حاولت هذه التنظيمات أنّ يكون لها مركز قيادة داخل فلسطين، ولكن كثيرًا ما كانت تلفظه الأرض، ايمانًا من الشعب الفلسطيني أنّ قضيته العادلة لا يُناسبها إلا نضال أهلها وعبر أدوات النضال التي لا تتعارض مع الدين أو حتى مع قيم المجتمع التي أجمع عليها الفلسطينيين.