الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

أندريه بوير يكتب: هذه الفلسفة.. لمن؟.. البراجماتية تكمن فى التجريب وتعترف بقيمة الأفكار فقط إذا كان لها تطبيق عملى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أصبح الأمريكيون يفكرون في الفلسفة بأنفسهم، وهكذا الحال مع البراجماتية، فقد يتساءل المرء عما إذا كانت فلسفة مُصممة خصيصًا لرجال العمل.

بالنسبة للبراجماتية، كل ما هو صحيح يكون مُفيدًا، وكل ما هو مفيد يكون صحيحا، إنها لا تزال فلسفة أكثر دقة بعض الشيء والتي اقترحها مخترعوها الأمريكيون، بيرس وجيمس وديوي، الذين جعلوها فلسفة العلم أو حتى فلسفة الديمقراطية.

ونشأت الفلسفة البراجماتية وتطورت في أمريكا الشمالية في أواخر القرن التاسع عشر، وقدم تشارلز س. بيرس، الفكرة، ولا سيما لجيمس، خلال اجتماعات نادي الفلسفة في كامبريدج «ماساتشوستس».

جون ديوي

وكتب «بيرس» مقالًا باللغة الفرنسية، بعنوان «العصر السعيد» في مجلة «Revue Philosophique» في يناير ١٨٧٩، ذكر فيه مبدأ البراجماتية: «فكر في التأثيرات العملية التي نعتقد أنه يمكن أن ينتجها موضوع تصورنا». واستخدم ويليام جيمس هذا المبدأ لبناء نظرية الحقيقة في عمل بعنوان «البراجماتية» (١٩٠٧)، الناتج عن سلسلة من المؤتمرات، وطور جون ديوي نظرية نفعية أدت إلى ظهور عمل جماعي لـ«مدرسة شيكاغو»: «دراسات في النظرية المنطقية» (١٩٠٣).

والبراجماتية الأمريكية، هي تعبير عن منهج أكثر من كونها تعبيرًا عن مجموعة من المذاهب، لأن البراجماتيين ليسوا جزءًا من هؤلاء الفلاسفة المحترفين الذين أدانهم «شوبنهاور» في عصره: «بيرس، عالم فلك ورائد في المنطق الحديث، وأبو السيميائية، وجيمس، هو أول عالم نفس حديث عظيم، وديوي، هو أبو التربية الحديثة، والمتحدث باسم الفكر الليبرالي في أمريكا».

و«جيمس»، على الرغم من إنكاره لذلك، عبر عن نفسه بشكل أخرق إلى حد ما في تعبيره إلى حد الإشارة إلى أن البراجماتية تعترف بقيمة الأفكار فقط إذا كان لها تطبيق عملي، ومن جهة أخرى، يبدو واضحًا أن روح البراجماتية تكمن في التجريب، مما يجعلها فلسفة العلم بامتياز، لا فلسفة النتائج، بل فلسفة منهجها.

عالم الفلك بيرس

يستبدل «بيرس» شك «ديكارت» الحدسي بالشك الحقيقي للعالم والحدس الذاتي بالاختبار الموضوعي للأفكار، ووفقًا للمنهج البراجماتي، فإن الفكرة هي فرضية تولد خطة عمل. التنفيذ جزء جوهري من اختباره: تجربة الفكرة وتطبيقها هما شيء واحد.

ويشير البراجماتيون، بحسب «بيرس»، إلى أن «ديكارت» يستبدل الحدس بالتجربة. على سبيل المثال، يخبرنا الحدس أن الجسم يجب أن يكون صلبًا. يجعل الإجراء من الممكن تحديد المقصود بالصلابة، وفي الوقت نفسه، إثبات أنها صلبة: الشيء الصلب الذي لا يخدش بعدد معين من الأشياء، بينما يدهس هذه الأشياء بنفسه.

ووفقًا لهذا النهج، لا يتم اكتساب أي شيء على الإطلاق، ورغم أن البراجماتي يعترف بوجود أفكار تبدو مستقرة، إلا أنه يؤكد أن لا شيء يضمنها ضد التغيير.

جيمس أول عالم نفس حديث

يرى «جيمس»، أن البراجماتية هي نظرية الحقيقة، خاصةً فيما يتعلق بالحقائق الراسخة، واقترح بشأنهم صيغة مضحكة: «الحقيقة تحيا بالدين».. بالدين حتى تواجه بالحقائق وتجد نفسها مؤكدة أو لا.

لكن البراجماتية لا تهتم بالحقيقة في حد ذاتها، بل بعملية التحقق منها.

والخبرة دائمًا لها الكلمة الأخيرة. التجربة هي عملية مستمرة، حتى عندما تكون مضطربة، لأن هناك استمرارية من الوضع المضطرب حتى اكتشاف ما كسر وحدته، ثم من هذه الملاحظة إلى تصور المشكلة، ومن تحديد المشكلة إلى وضع الفرضية بهدف حلها، وأخيرًا من تجربتها إلى حل المشكلة وإعادة الوضع إلى سابق عهده.

هذا الوصف لعملية التجربة يُعيدنا إلى مشكلة الحقيقة وعلاقتها بالواقع. إن الفرضيات المتحققة تصبح حقائق، مؤقتة بحكم تعريفها، إلا إذا منحها الزمن نوعًا من الخلود الذي يجعلها تتجه نحو الحقيقة، وهي الحقيقة نفسها قيد الإنشاء.

البراجماتية، هي طريقة لتوضيح المعاني، لكنها لا تقل تفوقًا في تنظيم السلوك الذي يتم تحديده من خلال العلاقة بين الوسائل والغايات.

وعلى هذا النحو، يمكن للبراجماتية أن تقترح تطبيق منهجها في الأخلاق والسياسة. حتى أن «ديوي» دافع عن فكرة أن المنهج البراجماتي هو القاعدة الذهبية للديمقراطية.

بالنسبة لـ«ديوي»، لا يتم فرض النهاية الديمقراطية من الخارج. إنها ليست فكرة مثالية مُحددة مُسبقًا يمكن تحقيقها بأي وسيلة. إن الغاية، المثالية، هي نتائج الوسيلة، لأن فرض غاية على سلوك الإنسان يدينها: فالديمقراطية دائمًا تجريبية، إنها اختبار مستمر. لا توجد ديمقراطية مثالية، ولا يوجد شكل مثالي للحكومة الديمقراطية. ولا يكفي أن نقول إن الغاية تبرر الوسيلة، إذا كنا نعني بذلك أن قيمة الفعل تكمن في نيته. ويبقى الوضع المثالي للبراجماتية عندما يُحدد أن الأهداف الديمقراطية تتطلب أساليب ديمقراطية لتحقيقها، يُعطي «ديوي» الأسبقية للمثل الأعلى، أو حتى للغاية على الوسيلة.

يُعبر هذا المثل المنفتح عن إيمان البراجماتيين بإمكانيات الطبيعة البشرية مما يعني، وفقًا لـ«ديوي»، أن مهمة الديمقراطية هي إلى الأبد مهمة خلق تجربة أكثر حرية وإنسانية يشارك فيها الجميع ويساهم فيها الجميع. فالبراجماتية، نهج فلسفي مخصص للعلم والديمقراطية.

 أندريه بوير: أستاذ جامعى مُهتم بقضايا التنمية البشرية، يكتب عن أساس الفلسفة البراجماتية والعلماء الأمريكيين الذين أسسوا لها.