في أعقاب استقرار ثورة يوليو، جاءت فكرة إنشاء قصور الثقافة للانتشار في كافة ربوع محافظات مصر من أجل الارتقاء والنهوض بالدولة المصرية، وذلك في سبيل خلق أجيال قادرة على التطوير ومواكبة ما يطرأ عليها من تغييرات، وقد نجحت في القيام بدورها طيلة عقود. لكن، لعل ما يشهده العالم في هذا العصر من تطور تقني جعل كثيرون يفكرون في وسائل أخرى وطرق مبتكرة لمواكبة هذا التطور الرقمي، خاصة مع ظهور الذكاء الاصطناعي الذي توغل في كافة المجالات الحياتية.
خلال توليه المنصب، أشار الراحل الدكتور شاكر عبد الحميد، أستاذ النقد الفني ووزير الثقافة الأسبق، أن من أهم اختصاصات قصور الثقافة أنها تستطيع إيصال الحضارة الثقافية إلى العالم، ولكي يتم تطويرها لا بد من تغيير الفلسفة التي أقيمت عليها، حيث الحد من إنشاء القصور الفخمة التي تتعدى تكلفتها ملايين الجنيهات، وإنشاء قصور صغيرة بشكل مناسب، وفي الوقت نفسه تُقدم كل الخدمات، مطالبًا بتغيير قانون هيئة قصور الثقافة الذي نص على أنها جهة غير ربحية، فالربح سيؤدي إلى تطوير هذا القطاع.
في السطور القادمة، تطرح "البوابة" تساؤلات حول إمكانية جذب الاستثمارات نحو قصور الثقافة، باعتبارها الهيئة الوحيدة التي تنتشر في مختلف محافظات وقرى ونجوع مصر.
تعظيم الاستفادة
يشير عمرو البسيوني، رئيس هيئة قصور الثقافة إلى أنه في ضوء توجيهات الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، تعمل الهيئة خلال الوقت الحالي على دراسة تعظيم الاستفادة من أصولها استثماريا وتعزيز مواردها بما لا يؤثر على طبيعة عملها الأساسية والهدف الذي أنشئت من أجله في نشر الوعي الثقافي والفني لأبناء الوطن بجميع المحافظات.
"في هذا الشأن يتم دراسة استغلال عدد من مواقع الهيئة المحافظات، والتي تصلح للاستثمار بناء على موقعها المتميز، كما يتم حاليا دراسة عدة مشروعات أخرى في هذا الجانب".
وأضاف: لقد فتحنا بعض المجالات من أجل التسويق، وجعلنا له مجالات كثيرة، نستطيع من خلالها جذب فنانين كبار، فموضوع الاستثمار له أولوية عند وزيرة الثقافة، منها عمل بروتوكول مع الشركة المتحدة، لكن لم يتم تفعيله حتى الآن، والمحور الآخر هو تأجير كل الكافتيريا في كل الأماكن الثقافية، وإتاحة مواد الدعاية وإقامة أبراج المحمول على مباني قصور الثقافة، وهناك فندقان في الغردقة وأبو سمبل، يتم تشغيلهما، الذي لا بد أن ترعاهما شركة تستفيد منهما وتستفيد في نفس الوقت منه الهيئة.
ذراع ثقافي
في حديثه، أكد الكاتب يوسف القعيد أن الهيئة العامة لقصور الثقافة تعتبر ذراع مصر الثقافي الذي يصل الى كل قرية ومدينة في البلاد "فهو جهاز شديد الأهمية لأنه ينهي مركزية المدن الكبرى، مثل الإسكندرية والقاهرة واسوان واسيوط ويجعل الثقافة غذاء للمصريين في كل مكان، خاصة في عهد الوزيرة الحالية نيفين الكيلاني التي تولي للثقافة الجماهيرية اهتماما غير عادي، وكذلك عمرو البسيوني رئيس قصور الثقافة الحالي فهو أحد ابناءها الذين تربوا فيها وقتما كان في دمنهور".
وأكد أن الثقافة الجماهيرية ذراع هام جدا على الجميع ان يتكاتف لتطويره لتجذب المصريين للذهاب اليه لنقدم لهم كل ما يمكن ان يحتاجونه من معرفة وثقافة ووعي وإدراك، لأن بناء الشخصية المصرية الجديدة التي ننشدها في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي لابد أن تكون الثقافة رقم محوري في هذا ومكون أساسي في ذلك.
وقال: أتمنى ان تضع الثقافة الجماهيرية ان تضع في تصورها محو أمية المصريين الذين تقابلهم في ريف مصر ومحافظاتها، فوجود الأمية في عهد التطور التكنولوجي لا يصح، والثقافة الجماهيرية في مصر ذراع حقيقي لها في الريف والمحافظات، وأتمنى أن يقدم رجال الأعمال للثقافة الجماهيرية ما تحتاجه دون أي شروط.
ولفت القعيد إلى أن الدولة المصرية توفر ميزانية جيدة للأجور والأنشطة في قصور الثقافة "وهذا لا يمنع أن يقدم رجال الأعمال، كل واحد في محافظته، الدعم المادي الذي يزيد من تطوير الأنشطة، أو حتى إضافة أنشطة جديدة. وهذا دور قام به القطاع الخاص في العالم كله، وظهر في النهضة الأوروبية الحديثة، وكذلك النهضة الأمريكية أيضا، فلا يجب أن يتخلف رجال الاعمال المصريين عن القيام بدورهم في النهوض بالثقافة المصرية وإمداد الثقافة الجماهيرية ما تحتاجه كاملا في سبيل مواكبة التطور التكنولوجي وجذب الاستثمار للثقافة وذراعها المتواجد في كل ربوع مصر.
وتابع إن فكرة جذب الاستثمار في قصور الثقافة فكرة جديدة "فقصور الثقافة لم تخطر ببالي مطلقا خوفا على استقلالية الهيئة باعتبارها الذراع الثقافي للدولة المصرية وليس لوزارة الثقافة فقط. فهي التي تصل للقرى والنجوع وكل مكان في بر مصر، أما كونها لم تفكر في الاستعانة بأصحاب رؤوس الأموال يطرح مسئوليتين على الطرفين.
وقال: أتمنى أن يؤخذ ملف جذب الاستثمار في قصور الثقافة مأخذ الجد، وعمل تشريع يسمح للثقافة الجماهيرية بالاعتماد على تبرعات او أموال في المناطق الجغرافية التي تعمل فيها. وبما أن القانون حاليا لا يسمح بذلك، فيجب تعديل القوانين ومناقشة الفكرة وطرحها على أصحاب رؤوس الأموال الخاصة، لأن ذلك أصبح حقيقة من حقائق حياتنا".
أبواب متعددة
يتصور الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة، أن هناك أبوابا متعددة يمكن من خلالها القيام بجذب بعض الاستثمارات في قصور الثقافة "فهناك، كما نعرف، شبكة واسعة من قصور الثقافة موزعة على المحافظات جميعا، وداخل هذه القصور يمكن القيام بأنشطة تجلب تمويلا ما من ذلك".
وأضاف: على سبيل المثال، يمكن فتح منافذ لبيع المنتجات الثقافية الشعبية التقليدية يمكن من خلالها الحصول على رسوم لإقامة تلك المنافذ بشكل دائم، وكذلك يمكن العمل على تشييد دور سينما صغيرة مرتبة ومزودة بأحدث الأجهزة تعرض كل الأفلام الجديدة، ويكون لها تذاكر محددة بأقل من أسعار الدور السينما المعروفة، مثلما يحدث في عروض "سينما الشعب" الآن.
وأكد: هذا سيمثل دخلا لقصور الثقافة، والاهتمام بمثل هذه الأنشطة يخلق فرصا لتنشيط الجوانب الثقافية من ناحية وجذب الاستثمار من ناحية أخرى.
البنية التحتية
على الجانب الآخر يروي الفنان التشكيلي الدكتور أحمد نوار رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الأسبق، تجربته عندما تولى رئاسة الهيئة في عام 2005. وقتها، كان تولي نوار بعد الحادث المروع الذي شهده قصر ثقافة بنى سويف بقرار رئاسي، لأنه تطلب مد نهاية الخدمة من سن 60 إلى 63 عاما.
يقول نوار: بعد فترة وجيزة، استطعت الإلمام باحتياجات القصور والبيوت الثقافية في جميع المحافظات، وذلك من خلال عدة آلاف من الصور التي كشفت عن حالة الانهيار والتردي في البنية التحتية للهيئة. وعندما عرضت هذه الصور على الفنان فاروق حسني، وزير الثقافة وقتها، أصيب بالفزع، وبناء على ذلك طلبت من الدولة ملياران ونصف جنيه مصري لإنقاذ مشروع مصر الثقافي الذي أسسه الوزير الراحل ثروت عكاشة.
وأضاف: بالفعل، استجابت الدولة وقدمت ربع مليار على عدة سنوات، وبدأت إرادة التغيير والإصلاح تعمل بهمة غير مسبوقة، وتم تطوير عدة قصور منها بنى سويف، السويس، المنصورة، سوهاج، الأنفوشى بالإسكندرية، ومنيا القمح ودمياط، وبناء قصر عين حلوان الجديد.
وأكد نوار أن الاستثمار لا يأتي من فراغ "لابد من صلاحية البنية التحتية حتى تكون صالحة وجاذبة للاستثمار".
وتابع: في هذه الحالة، نجد أن حتمية مشاركة القطاع الخاص بالمساهمة والتعاون في تطوير القصور وإعطاء صلاحيات لاستثمار الشق السينمائي والمسرحي للقطاع الخاص، وإعداد اللوائح المالية والإدارية لتفنيد كيفية توزيع الأرباح بين الهيئة والقطاع الخاص، وكذلك السلاسل الخاصة بالنشر يجب إعادة إعداد لائحة تضمن قانونيا مشاركة القطاع الخاص في التمويل والتسويق، كذلك يمكن الاستثمار في فرق الموسيقى العربية وفرق الفنون الشعبية، وتسويقها على المستويين المصري والعربي.
اهتمامات الربح
أكد الأديب بكري عبد الحميد أن العمل الثقافي يعد من أهم الأدوار التي تلعبها الدولة لنمو المجتمع. لذا، يرى أنه لابد أن يظل العمل الثقافي مدعوما دعما كاملا من الدولة.
وقال: أرفض تماما تدخل رجال الأعمال في الشأن الثقافي، حيث أن رجل الأعمال لا يهمه في المقام الأول إلا الربح أما العمل الثقافي الذي تنتجه الدولة يهمه منها هو توعية الشعب والجماهير وإنشاء جيل مثقف وواعي ومدرك.
وأضاف: لا تبحث الدولة عن مكاسب مادية من خلف ثقافة الشعوب. بينما رجال الأعمال يهمهم الربح المادي، وإذا تدخل الربح المادي في الثقافة فأبشر بانهيار الثقافة في مصر، كذلك أرفض ما يسمى بـ "سينما الشعب"، فهذا ليس عملا مقصودا منه تقديم الثقافة السينمائية بسعر زهيد، لكن بالمقارنة به وبدور السينما في الخارج فالفارق ليس كبيرا، وكذلك المشروع يسطو على مسارح قصور الثقافة على مدار اليوم والليلة وبهذا يُحرم هذا المكان من عمله الذي أُسس عليه من البروفات وغيرها، فتأتي الفرق المسرحية لتمارس أنشطتها فإذا بها لا تجد مكانا لمثل هذه الأنشطة.
لمحة تاريخية
كانت بداية إنشاء الهيئة العامة لقصور الثقافة على يد أمين الخولي عام 1952 تحت مسمى الثقافة الجامعة لإنهاء الأمية ، ولهذا أنشئت الثقافة الجامعة لتكون تابعة لوزارة المعارف التي تُعرف الآن بوزارة التربية والتعليم مما جعلها تنتشر في كافة أنحاء الجمهورية وذلك لإلحاق عامة الشعب بالتعليم فكان هدفها في شقين الأول هو زيادة حصيلة الشباب والأطفال بالمعرفة والتذوق من الفنون المختلفة في الشعر وحتى الرياضة والجانب الآخر الانتشار في ربوع المحافظات كلها لذلك كان مشروع قصور الثقافة لتأهيل الشعب بممارسة الهوايات والوظائف ومعرفة الخبرات الحياتية في المستقبل، لهذا كان مؤشر الثقافة الجامعة في صعود وكل هذا عمل على جذب جماهير كثيرة من جميع طبقات الشعب التي تتفاعل مع الأنشطة الثقافية التي تقدمها الثقافة الجامعة .
كان الاهتمام الأكبر للثقافة الجامعة هو تثقيف المواطنين لتظهر ملامح الثقافة الجماهيرية وتكون في اعلى درجاتها من التطور والتقدم فكلما مرت الأيام ازداد عدد الأماكن التابعة لها في مختلف المحافظات حتى جاء عام 1958 لتتأسس وزارة الثقافة ويكون أول وزير لها وهو ثروت عكاشة ويضع رؤيته الجديدة في كيفية عمل الثقافة الجامعة وكان أول قرار له هو تغيير مسماها إلى "الثقافة الجماهيرية وهو الذي يحدد مضمونها الأساسي الذي يشمل فكرة الإنتشار والتعليم والتثقيف .
وضع عكاشة في ذلك الحين بصمات لها عظيم الآثر يذكرها الجميع حتى الآن في تطوير والنهوض بالثقافة الجماهيرية منها أنه وضع في كل مبنى من بانيها مسرحا لتقديم العروض المسرحية واختيار القادة المناسبين وقاعات للندوات والمؤتمرات وكذلك ضم عدد كبير من الادباء والفنانين الكبار لهذا الصرح العظيم عاونه في ذلك سعد كامل رئيس الثقافة الجماهيرية وقتها ،انشأ عز الدين نجيب فصولا لمحو الامية في احدى قصور الثقافة الذي ترأسه وقتها ليكون ذلك هو عصر القوة والازدهار للثقافة الجماهيرية .
المرحلة الثالثة هي عام 1989 الذي تحولت فيه الثقافة الجماهيرية الى مسمى جديد تحت عنوان الهيئة العامة لقصور الثقافة التي تُعرف به حاليا وبدأت تفقد بريقها الذي كان لامعا في الماضي لتبدأ فترة العزوف عنها من قبل الجماهير بل وصل إلى أن أغلب الجماهير تكاد لا تعرف شيئا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة فتعاني من تكدس بعض الموظفين في بعض القصور وخلوها في البعض الآخر، وضعف الميزانية كما أن المسارح تخلو أحيانا من وجود ممثلين محترفين وربما لان هيئة العامة لقصور الثقافة يُقدم بشكل خدمي ولا يهدف إلى أي تحقيق ربح مادي مما يجعل كثير من المسرحيين الابتعاد عن مسرح الثقافة الجماهيرية حتى أن معظم من يعمل بها يتخذها كمرحلة ينتقل بعدها لتحقيق حلمه .
الكثير الآن يتمنى أن تعود الثقافة الجماهيرية تعود لسابق عهدها ومجدها كما كانت لان انشائها الهدف منه هو التثقيف والانتشار في الربوع والنجوع في مختلف المحافظات فإنشائها جاء لتكون منبرا يبث الثقافة والفنون في كل محافظات مصر وأن يُظهر ادباء الأقاليم قدراتهم الحقيقة في نشر الفن والثقافة الحقيقي الذي ينهض بالشعب والدولة فهل قلة الميزانية سبب تدهورها ام عدم الاستغلال الجيد لها وما أدى الى تدهورها.