قال الدكتور صفوت محمد عمارة، من علماء الأزهر الشريف، خلال خطبة الجمعة اليوم، إنَّ اللَّه تعالى جعل لكل فريضةٍ نافلةً من جنسها؛ لتكون جابرةً لما وقع فيها من خلل، ومتممة لما يكون فيها من نقصان، ونافلة الصيام صيام التطوع بمنزلة السُّنن الرواتب للصلاة المفروضة، والنافلة تجبر نقص الفريضة، وصيام التطوع في شهر شعبان بمنزلة السُنة المؤكدة القبلية في صلاة الفريضة؛ فإنها تهيئ النفس وتنشطها لأداء الفرض، وصيام التطوع في شهر شوال بمنزلة السُنة المؤكدة البعدية، وفي ذلك قال ابن رجب: "أفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعُد عنه".
وأضاف «عمارة» أنّ صيام التطوع يعوض النقص ويجبر الخلل الذي حصل في صيام رمضان، وكان من هدي النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أنه كان يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره؛ فعن السيدة عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: «.. ما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان» [البخاري ومسلم]، ومن المعلوم أنَّ الأعمال تُرفع سنويًّا إلى اللَّه تعالى في شهر شعبان، وقد بيَّن لنا النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم الحكمة من كثرة صيامه في شعبان؛ فعن أسامة بن زيد رضي اللَّه عنهما، قال: قلت: يا رسول اللَّه، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذلك شهرٌ يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحبُّ أن يُرفع عملى وأنا صائمٌ» [أخرجه النسائي وأحمد]، أي: أرغب وأود أن يُرفع عملي وأنا صائم طلبًا لزيادة رفعة الدرجة.
وذكر «عمارة»، أنَّ أعمال العباد تُرفع للعرض على اللَّه عزَّ وجلَّ في أربعة أوقات: يوميًّا، وأسبوعيًّا، وسنويًّا، وختاميًّا، جمعها ابن القيم في قوله: "إن عمل العام يرفع في شعبان كما أخبر به الصادق المصدوق، أنه ترفع فيه الأعمال فأحبُّ أن يرفع عملي وأنا صائم، ويعرض عمل الأسبوع يومي الاثنين والخميس، وعمل اليوم يرفع في آخره قبل الليل، وعمل الليل في آخره قبل النهار، فهذا الرفع في اليوم والليلة أخص من الرفع العام، وإذا انقضى الأجل رفع عمل العمر كله، وطويت صحيفة العمل"؛ فتُرفع الأعمال السنوية على سبيل الإجمال في شهر شعبان.
وأشار الدكتور صفوت عمارة، إلى سبب انشغال الناس عن شعبان؛ لوقوعه بين شهرين عظيمين، وهما شهر «رجب» أحد الأشهر الحرم، وشهر الصيام «رمضان»، فإن الناس يهتمون بشهر رمضان لما فيه من الفضائل، ويعظمون شهر رجب لمكانته وحرمته، لظن بعض الناس أن الصيام في شهر رجب أفضل من شهر شعبان لأن شهر رجب من الأشهر الحرم؛ فانشغل الناس بهما عن شعبان، فصار مغفولًا عنه، لأن الناس ينشغلون عنه ومن المستحب إحياء أوقات غفلة الناس وعمارتها بالطاعات والعبادات لأن ذلك أمر محبوب عند اللَّه عزَّ وجلَّ.. اللهم ارزقنا الإخلاص والقبول.