خمس سنوات ونصف مرت على فراقه، رحل جسده ولم يرحل ذكره الطيب، فما زالت أعماله الخيرية وجهوده وبصماته الرائعة في العمل الخيري والتطوعي باقية وشاهدة على ما عرف عنه من حب الخير ومساعدة المحتاج، فكان دائمًا وأبدًا سندًا وعونا للبسطاء، كرس حياته لإسعادهم بكل ما يملك، جعلته ظاهرة فريدة وعظيمة في حياته ووفاته؛ إيمانًا منه بان في قضاء حوائج الناس لذة لا يعرفها إلا من جربها، ضاربًا بذلك نموذجًا مشرفًا وحضاريًا للعمل الإنساني والخيري و لضابط الشرطة المصري الأصيل، وخير قدوة لكل طامح في النجاح و لكل طامح في رضا ربه.. حتى إنه لُقبَ بـ "أمير القلوب"، و"صانع السعادة"، إنه أيقونة العمل الخيري بجنوب سيناء: الشهيد الرائد الشاب "سامح مدحت عبدربه"، الذي لقي ربه شهيدًا إثر حادث أليم أثناء ذهابه إلى عمله، تاركًا نجلته الصغرى والوحيدة "تمارا" وعمرها 47 يومًا.. طيب الله ثراه وأسكنه الفردوس الأعلى.
ولالقاء مزيد من الضوء حول قصة حياة الشهيد الرائد "سامح مدحت"، التقت "البوابة نيوز" بوالديه فماذا قالا؟
نذر حياته لإسعاد البسطاء
بصوت أجش مغموس بالدموع قالت والدة الشهيد "سامح" أم كلثوم محمد عقل، (كبير معلمين على المعاش): "قلبي مازال مجروحًا ووجع فراق ابني لا يهدأ، ولكنها إرادة الله، وعزائي الوحيد انه ينتظرني في الجنة، فابني لم يكن له مثيلًا في خلقه وبره بوالديه وحسن معاملته لأخوته وللناس جميعًا، والكل يشهد بذلك ولله الحمد، فكان رحمة الله عليه رمزًا للتواضع وللطيبة، عاش حياته يخدم كل من حوله بكل طاقته وامكاناته، وكل مواقفه محفورة في قلبي لا تنسى أبدًا، ولن أنسى أبدًا حينما جاءني وقال لي: يا ماما لم أنجح في مشروعي التجاري الخاص بي، ولكني سوف أتاجر مع الله، فقلت له: فعلًا أفضل وأعظم وأجلّ تجارة هي التجارة مع الله الكريم.
وتابعت: ابني لم يكن يحب أن يقول كلمة (الناس الفقراء)، كان دائمًا يقول: الناس الواجب علينا مساعدتهم، كما كان لا يحب أن يقول أطفال أيتام ولكن كان يقول: "أطفال في قلوبنا"، فبذل قصارى جهده في سبيل خدمة غير القادرين، وكان دائمًا وأبدًا سندًا وعونًا للبسطاء، فنذر حياته لإسعادهم، ارتبط بهم وعاش معهم بعقله وقلبه ووجدانه، وعندما كنت أقول له : هتتعب، يرد ويقول: يا ماما دول واجب علينا مساعدتهم وهنتحاسب عليهم.
ووجهت أم الشهيد "سامح" كلمة لأم كل شهيد قائلة: "صبرًا.. فأولادنا أحياء عند ربهم يرزقون وربنا يجمعنا معهم في الفردوس الأعلى بإذنه تعالى".
أمير القلوب وصانع السعادة
واستعرض مدحت عبد ربه (مدير الشؤون التنفيذية بالتربية والتعليم على المعاش) والد الشهيد "سامح" صور وأشكال الأعمال الخيرية والتطوعية لنجله الشهيد قائلًا: في مطلع عام 2018 نجح الشهيد سامح في توحيد جمع غفير من شباب وفتيات مدينة طور سيناء، بعد تأسيسه لجروب" الطور بينا أجمل مدينة"، كان من أهدافه الارتقاء بفكر وثقافة أبناء المدينة وتنمية الوعي بأهمية العمل التطوعي والخيري، بجانب تطوير المدينة وظهورها بالمظهر الحضاري الذي يليق بها، كعاصمة لمحافظة جنوب سيناء، وتعددت أنشطة هذا الجروب وخدماته التطوعية ومنها على سبيل المثال وليس الحصر: "سلة الخير" وكانت عبارة عن سلة كبيرة موضوع عند مدخل عدد كبير من محال تجار الخضروات والفاكهة والسبور ماركات، يضع فيه كل مشتري ما يجود به وفي آخر اليوم يأتي أحد الشباب أو الفتيات المشاركين في جروب "الطور بينا أجمل مدينة" ويقومون بتوزيعه على الأسر الأكثر احتياجًا، بجانب تقديم مساعدات للفقراء والمرضي وغيرهم، و إقامة حفلات خيرية للاحتفال بالطفل اليتيم والأم المثالية ومائدة الرحمن في رمضان، وعمل مكتبة عمومية بالطريق العام، وعمل ثلاجة الخير صدقة جارية لأمواتنا جميعاً ولقد لاقي قبولاً عند الناس جميعاً بالمدينة والمدن المجاورة وساهموا فيه بكل ما يستطيعون سامح وفريق العمل؛ ومن هنا جاء لقب الشهيد سامح "أمير القلوب" و"صانع السعادة"، ما جعل اللواء الدكتور خالد فودة، محافظ جنوب سيناء، يشيد بهذا الجروب ويكرمه، كما شارك المحافظ معهم في الإفطار الجماعي الذي أقامه أعضاء جروب "الطور بينا أجمل مدينة" في شارع المنشية الرئيسي بالتنسيق مع الوحدة المحلية لمدينة طور سيناء وجاء حضور المحافظ تلبية لدعوة أعضاء الجروب بعد إعلانه انبهاره بنشاطات الجروب وأعمالهم المتميزة سواء الخيرية أو التنموية التي تهدف إلى رقي ونهضة المدينة.
مواقف بطولية
وأشار والد الشهيد "سامح" إلى أن نجله رحمة الله عليه لم يكن نموذجًا في حب الخير والعطاء للناس بل كان أيضًا نموذجا في الانضباط والالتزام كضابط شرطة والنهوض بوطنه وحمايته الذي كان بالنسبة له الانتماء والوفاء والتضحية والفداء والعزيز على قلوب الشرفاء، في كل موقع عمل شهد له الجميع بالانضباط والالتزام منذ تخرجه من كلية الشرطة وتعيينه في مباحث مدينة الإسماعيلية والتي استمر بها لمدة عامين ثم انتقل للعمل بجنوب سيناء والبداية كانت في مدينة راس سدر بعدها انتقل للعمل بمباحث مدينة أبورديس وعمل بالحراسات الخاصة المشددة في أبورديس ثم انتقل للعاصمة طور سيناء في مباحث قسم الطور ثم مباحث مدينة سانت كاترين ثم أخيرًا عمل بإدارة تأمين الطرق بمديرية أمن جنوب سيناء.
واسترجع والد الشهيد سامح بعض المواقف البطولية لنجله قائلًا: "في أحداث 2011 والانفلات الأمني تعرض قسم شرطة طور سيناء لهجوم من الخارجين على القانون، لإخراج المساجين، ورغم أنه كان في أجازة إلا أنه قطع وقتها أجازته فورًا وعاد للدفاع عن قسم الشرطة، ولله الحمد تمت السيطرة على المساجين، كما تم السيطرة أيضًا على الحريق داخل القسم، بمعاونة الحماية المدنية وبعض زملائه ورجال الأمن، ورجع لنا آخر اليوم مصاب إصابة خفيفة ولكن الحمد لله ، كما أن الشهيد سامح تصدى للعديد من التعديات الاجرامية ومنها التعدي على كمين شرطة الوادي من قبل بعض الخارجين على القانون والمطالبة بتسليم الكمين، ولكنه رفض ووقف لهم بالمرصاد وتصدى لهم وقال "على جثتي تسليم الكمين"، والحمد لله نجح في التصدي لهؤلاء الخارجين وأتى إلينا في منتصف الليل، وفي اليوم التالي سأل عنه الفريق أول صدقي صبحي قائد الجيش الميداني الثالث آنذاك وقام بتكريمه والإشادة بموقفه الشجاع والبطولي."
تكريمات.. وإطلاق اسمه على أحد شوارع العاصمة الحيوية
وأشار والد الشهيد سامح إلى أنه جرى تكريمه هو وأم الشهيد سامح من قبل اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية
برحلة حج؛ تكريمًا لسيرة نجليهما الحسنة، موجهًا خالص الشكر والتقدير للواء الدكتور خالد فودة، محافظ جنوب سيناء، على مواقفه الإنسانية تجاه أسرة الشهيد سامح، منذ وفاة الشهيد سامح وحتى الآن، لافتًا إلى أن جنازة الشهيد سامح كانت جنازة شعبية مهيبة بحضور المحافظ واللواء طارق مجاهد مدير أمن جنوب سيناء الأسبق وجمع غفير من القيادات الأمنية والتنفيذية والآلاف من مواطني جنوب سيناء حرصوا على تشييع جنازته ، كما حرص المحافظ على زيارة قبر الشهيد سامح ورافقه عدد من القيادات الأمنية والتنفيذية، كما حرص أيضًا على زيارة منزل الشهيد سامح وتقديم واجب العزاء، كما أطلق المحافظ اسم الشهيد سامح على أحد شوارع العاصمة الحيوية؛ تخليدًا لذكراه، بجانب إقامة جدارية ضخمة أمام موقف الجبيل على امتداد طريق الكورنيش، وجرى دهان الجدارية باللون السماوي وتوسطتها صورة الشهيد وحولها تتلألأ النجوم وأسفل الجدارية رموز للبيئة المصرية الخالدة.
ووجه والد الشهيد سامح رسالة لكل والد شهيد قائلًا: " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ". صدق الله العظيم
وحث والد كل شهيد بالتحلي بالصبر قائلا: "وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بالله"، لافتًا إلى أن الصبر هو الشيء الوحيد الذي خلقه الله سبحانه وتعالى ولم يجعل له مرادفًا آخر والصبر ثوابه الجنة.
رائد شرطة برتبة إنسان
قال إسلام النجار، من أصدقاء الشهيد سامح المقربين وأحد أعمدة جروب "الطور بينا أجمل مدينة": "سامح مدحت ربنا يرحمه ويغفر له يارب انا مش هتكلم عن حياته ونشأته لأننا كلنا عارفينها الجزء الأهم ان سامح الله يرحمه كان رائد شرطة برتبة إنسان"، مشيرًا إلى أنه قبل انشاء جروب الطور بينا اجمل مدينة والشهيد سامح طول عمره يحب التطوع من صغره بداية من جمعية الهلال الأحمر، ولافتًا إلى أن فكرة جروب الطور بينا اجمل مدينة ربنا جعلها سببًا لكي تدعي له كل الناس وتترحم عليه على كل أعمال الخير التي كان يفعلها عن طيب خاطر بعيدًا عن أضواء الشهرة فلقد كان رحمة الله عليه مليارديرًا في حب الخير والعطاء للناس.
عمدة كاترين
وتابع: "سامح الله يرحمه ايام ما كان بيخدم في سانت كاترين كان سيارته ماكانش بيكون فيها مكان فاضى غير مكان انه يعرف يسوق بس من المساعدات اللى كان بياخدها للأسر الواجب علينا مساعدتهم فى كاترين وكان يقول كدا جبرت من حب أهل كاترين؛ ولذلك أطلقوا عليه "عمدة كاترين."
واستطرد: "الشهيد سامح ماكانش يحب يشوف حد محتاج، ومن الحاجات اللى كان متعود عليه كل عيد بعد صلاة العيد يجمع الصحاب عند البيت عنده يفطروا، وكان متواضع جدا مع الكل وبيحب الخير للكل ماكانش يحب يشوف حد محتاج وطبعا غير الزيارات المعنوية اللى كانت بتتعمل للناس. وكنت دايما اقوله اللى انت بتعمله دا هيأثر على شغلك يقولى: انا مشيت فى طريق مش هينفع اقف ولا ينفع ارجع وهو طريق انى بعمل لأخرتي فالتجارة مع الله تجارة رابحة ولا تبور."
وأشار النجار، إلى أن الشهيد سامح اتصل به قبل وفاته بثلاثة أيام وطلب مقابلته وأطلعه على عدد من الأسر الأكثر احتياجًا لأول مرة يحكي عنها وأعطاه أرقام تليفوناتها، وأخبره بان هذه الحالات خاصة به ولا أحد يعرف عنها شيء، وعندما سأله إسلام عن سبب اخباره بهم أجابه الشهيد سامح: من باب العلم بالشيء، وكأنه يشعر بدنو أجله ولقاء ربه، لافتًا إلى أن أغلب الناس لم تعرف أن الشهيد سامح ضابط شرطة إلا بعد وفاته رحمة الله عليه، مؤكدًا أن الشهيد سامح لم يلجأ إليه أحد وخيب ظنه ، إلا أنه كان دائمًا وأبدًا خير عون وسند.
وأختتم إسلام كلامه قائلًا: "من الحاجات اللى كان بيهزر ويقولها: لما تحطوا صورتى على "سلة الخير" خلوها كبيرة وسبحان الله صورته بقت على سلة الخير ودائما كان شغله الشاغل وهمه في الأسر الواجب علينا مساعدتهم.. مهما اتكلمنا فى حق سامح فالقليل لا يكفي والكثير لا يوفى."