قالت الكاتبة الصحفية والإعلامية داليا عبدالرحيم، رئيس تحرير جريدة وموقع «البوابة نيوز» ومساعد رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لملف الإسلام السياسي، إن العلاقات المصرية السودانية علاقات أخوة منذ القدم، وتوصف دائما بأنها علاقات أزلية وتاريخية، وما زالت مصر حتى الآن تقوم بدورها المساند للشعب السوداني منذ اندلاع أحداث ديسمبر 2018، فأكدت مصر مرارًا على احترام خيارات الشعب السوداني، ومع استمرار الأزمة السياسية، حرصت مصر على نقل خبراتها إلى السودان فيما يخص إدارة المرحلة الانتقالية
وأضافت الكاتبة الصحفية والإعلامية داليا عبدالرحيم، خلال تقديمها برنامج «الضفة الأخرى»، المذاع عبر فضائية «القاهرة الإخبارية»، أن مصر كانت حاضرة في المفاوضات بين الحكومة الانتقالية السودانية والجبهة الثورية، وقد بادرت مصر باستضافة قمة تشاورية للشركاء الإقليميين للسودان في 23 أبريل 2019 بهدف رأب الصدع وحلحلة الخلافات بين كافة الأطراف السودانية، واستضافت القاهرة أيضًا في 10 أغسطس 2019 اجتماعا بين قوى الحرّية والتغيير والجبهة الثورّية السودانّيين.
وأوضحت أن مصر شاركت أيضا في التوقيع على اتفاق تقاسم السلطة بين المجلس العسكري الانتقالى وممثلو المعارضة في 17 أغسطس 2019، وفي مارس 2022 نظمت الفصائل الاتحادية السودانية بالقاهرة فعاليات إعلان الوحدة الاتحادية التنسيقية، كما استضافت مصر أعمال مؤتمر قمة "دول جوار السودان" في 13 يوليو 2023، لبحث سبل إنهاء الصراع الحالي وتداعياته السلبية على دول الجوار، واتخاذ خطوات لحقن دماء الشعب السوداني.
ولفتت إلى أنه منذ اندلاع الأزمة السودانية في أبريل 2023، سخرت مصر كافة مؤسساتها المعنية لاحتواء الأزمة وحقن دماء الشعب السوداني، في إطار السياسة الخارجية المصرية وثوابتها المتمثلة في استقرار ووحدة السودان وعدم التدخل في شئونه الداخلية، وسلامة شعبه الشقيق، وتقديم كل المساعدات الممكنة له، وكذلك الحفاظ على الأمن القومي المصري، بدءا من حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي وتأكيده على نزع فتيل الأزمة واتصالاته مع كافة الأطراف سواء السودانية، أوالأفريقية، أو العربية أوالدولية.
ونوهت بأنه منذ أبريل 2023 والحرب المشتعلة في السودان تُهدد بتنامي دور الجماعات المتطرفة والإرهابية خصوصا وأن هذه الحركات تتطور وتنمو في الغرب الأفريقي، مما يتيح لها فرصة النمو في الشرق أيضا، خصوصًا وأن السودان محاط بمناطق تواجد نفوذ لهذه الحركات ويؤكد عدد ليس قليل من خبراء الجماعات المتطرفة أن الحرب في السودان تمنح الكثير من فرص الوجود والتنامي لتلك التنظيمات المتطرفة المسلحة.
وأكدت أنه كان قد كرر مرارًا الرئيس عبدالفتاح السيسي تحذيراته بشأن خطورة الأوضاع، معربًا عن مخاوفه من تداعيات حدوث فراغ مؤسسي وأمني بالسودان، ما يعني عودة الخطر الإرهابي، موضحة أنه بعد فترة وجيزة من رئاسة عمر البشير للسودان، أسس حسن الترابي زعيم الجبهة وأحد جناحي السلطة "المؤتمر الشعبي الإسلامي" في أبريل 1991، وهو العباءة التي تفاعلت تحتها "التنظيمات الإسلامية العربية والشرق أوسطية"، بداية من أفغانستان، وحتى الشواطئ الغربية لقارة أفريقيا على ساحل الأطلسي، حيث عقد هذا المؤتمر ثلاث دورات حتى عام 1995، وحضره نحو 500 عنصر من 45 دولة، وكان يهدف إلى توحيد التنظيمات الإسلامية المهزومة في كابول وما حولها، ويكون بديلًا لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
ولفتت إلى أنه تعود علاقة المجموعات المسلحة التابعة لتنظيم الإخوان في السودان بالتنظيمات الإرهابية الخارجية إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي؛ حيث فتحت استضافة نظام عمر البشير لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في الخرطوم ومنحه معسكرات تدريب في شرق البلاد؛ الباب واسعا أمام زيادة ارتباط الميليشيات الإخوانية السودانية بالتنظيمات العالمية المتطرفة.
وتابعت: "واتهم نظام الإخوان بمساندة جماعات إرهابية نفذت الهجوم على سفارتي الولايات المتحدة بالعاصمة الكينية نيروبي والتنزانية دار السلام في عام 1998 وتفجير البارجة الأميركية "يو إس إس كول" قرب شواطئ اليمن في عام 2000، مما أدى إلى إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب قبل أن يتم شطبه منها في عام 2020 بجهود بذلتها حكومة عبدالله حمدوك بعد الثورة".
وأكدت أن جماعة الإخوان لجأت إلى السودان بعد أحداث 2013 في مصر، خصوصًا تنظيم سواعد مصر "حسم"، الذي أداره في هذا التوقيت محمد كمال عضو مكتب الإرشاد لـ"الإخوان"، وتم تدريب شباب جماعة "الإخوان" في السودان بأعداد وصلت إلى ثلاثة آلاف عنصر على إعداد العبوات الناسفة وحمل السلاح، وقد أسهم وقوع تفجير في إحدى البنايات السودانية بمنطقة أركويت في فبراير 2017، واعترف به "الإخوان" في تقليص أعداد عناصر التنظيم من المصريين، الذين تم توزيعهم على كل من الصومال وكينيا.
وأوضحت أنه وقعت 8 كيانات سياسية سودانية في أبريل 2022 على وثيقة تأسيس لتحالف جديد تحت مسمى "التيار الإسلامي العريض"، لتحقيق الاندماج التنظيمي بينها، ويضم الكيان الجديد الحركة الإسلامية وجماعة الإخوان وحركة الإصلاح الآن، وحزب دولة القانون والتنمية، ومنبر السلام العادل، وجاء في الميثاق أن "وحدة الصف الإسلامي فريضة شرعية وضرورة واقعية وواجب متحتم لا سيما وبلادنا تشهد تهديدا وجوديا جديا يستهدف هويتها وقيمها الفاضلة بالطمس والتجريف"، وتابع الميثاق أنه "من الأهداف التي نستشرفها من هذا الاصطفاف الحرص على تنزيل قيم الدين على جميع أوجه الحياة في شؤون المعاش والمعاد في شمول وتكامل".
واستطردت: "يعول تنظيم القاعدة على القرب الجغرافي بين نقاط تمركزه بدول شرق أفريقيا، خاصة في الصومال والسودان، علاوة على حضوره القوي بدول الساحل الأفريقي لخلق عملية إسناد لمشروعه المستقبلي بالسودان، ويعتمد داعش في سياق محاولات تنفيذ خططه الخاصة بتأسيس فرعه القوي بالسودان (ولاية السودان) على تمركزه بدول غرب أفريقيا واستغلال توغله بدول الساحل الأفريقي لتمرير مقاتليه إلى دارفور ومنها إلى الخرطوم التي يمكن أن تشهد نشاطا لافتا الفترة المقبلة.
من جانبه قال عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية، إن الحرب في السودان لم تنشا فجأة دون الاستناد على بعض الحيثيات، مشيرًا إلى أن هناك تراكم عملي أدى لانفجار هذا الوضع في الخرطوم، موضحًا أن الثورة السودانية أطاحت بالنظام القديم وجاءت بنظام جديد، وبعد ذلك جاءت حكومة مدنية لمدة عامين، ومن ثم حدث انقلابا عسكريا، مما أدى لمظاهرات في الشارع لفترة طويلة أدت لتأزم الوضع لفترة طويلة جدًا.
وأضاف "ميرغني"، خلال لقائه ببرنامج "الضفة الأخرى"، الذي تقدمه الإعلامية داليا عبد الرحيم، المذاع على فضائية "القاهرة الإخبارية"، أن المخرج من الأزمة السودانية كان ممكنًا، طالما كان المكون العسكري يرغب في الخروج من المشهد السياسي، مثلما تحدث الفريق عبد الفتاح برهان بأنه ليس لديه رغبة في السلطة، ويريد تسليم السلطة للمكون المدني شرط الاتحاد وهو ما لم يحدث، موضحًا أن هناك انفجارا حدث في الخرطوم مع استبعاد مكونات مدنية من المشهد السياسي، وبدلًا من أن تقود المكونات المدينة لصراع سياسي، لجأ كل جزء للاستقواء بالقوات عسكرية سواء الجيش السوداني أو قوات الدعم السريع التي كانت تُساند الجيش السوداني.
وأوضح أن كل فريق سياسي في السودان لجأ إلى فريق عسكري سواء الجيش السوداني أو قوات الدعم السريع، وبدلًا من أن تكون المواجهة سياسية أصبحت عسكرية، وتطورت من حرب كلامية إلى استخدام المدافع والضربات العسكرية.
ولفت إلى أن هناك فوارق ما بين الجماعات الإسلامية خارج السودان وبين هذه الجماعات في الداخل السوداني، فهناك فوارق في التسمية قد تؤدي إلى بعض الخلط لدى البعض، موضحًا أن جماعة الإخوان تشكلت في السودان منذ خمسينات القرن الماضي، ولكن حدث خلافا بين الإخوان الموجودين في السودان، وما بين الإخوان الموجودين في مصر، مما أدى لتغيير اسم الإخوان في السودان إلى الحركة الإسلامية، مع بقاء جزء صغير في السودان يطلق على نفسه الإخوان، ولكنه مكون صغير غير مؤثر.
ونوه بأن المقصود بجماعة الإخوان في السودان هي الحركة الإسلامية التي كانت تتولى الحكم حتى إبريل 2019، وسقطت على يد أبناء الشعب السوداني، فهي لم تتنازل عن الحكم، ولكنها خرجت من الحكم بعد مظاهرات ضخمة أدت لاقتلاع هذه المجموعة التي كانت مدججة بالسلاح والقوة، وأصبح لدى الشعب السوداني فرصة لبناء واقع جديد، ولكن تطورات المشهد لم تسير مثلما كان يريد الشعب، لأن النظام الحاكم الجديد كان ضعيفًا، ولم يستطع اقتلاع النظام الجديد، وبناء نظام سياسي جديد.
وأضاف أن الحرب الأخيرة في السودان هي أحد تجليات الخلاف السياسي الموجود الآن، وتُستخدم من قبل الحركة الإسلامية للعودة مرة أخرى للحكم في السودان، مشيرًا إلى أن قوات الدعم السريع كانت مدججة بالأسلحة الحديثة غير المتوفرة لدى الجيش السوداني، ونجحت في السيطرة على الكثير من المؤسسات الحيوية قبل اندلاع الحرب في السودان بفترة، وعندما أُطلقت الرصاصة الأولى من قبل قوات الدعم السريع أصبحت الحرب أمر واقع، ومن ثم عملت الحركة الإسلامية على استثمار هذه الحرب للعودة مرة أخرى للحكم.
وأكد أن قوات الدعم السريع ارتكبت العديد من الانتهاكات ضد الشعب السوداني، ولهذا لن يقبل الشعب بعودة الدعم السريع مرة أخرى إلى المشهد السوداني، موضحًا أن الحركة الإسلامية حكمت مصر 30 عامًا، ولم تنجح في تقديم شيء إلى الشعب، وانتهت فترة حكم هذه الحركة بثورة شعبية شارك فيها الشعب السوداني بنسبة تصل لـ100%، ولذلك ليس من المقبول أن تعود هذه الحركة إلى حكم السودان مرة أخرى، ولكن هذه الحركة تحاول التحالف مع تنظيمات أخرى أو إعادة التموضع بصورة أخرى، ولكن كل هذا لن يسمح بعودة الحركة الإسلامية مرة أخرى إلى السلطة.
واستطرد أن السلطة في السودان ليس لديها أي سياسات مناهضة للحركة الإسلامية، ولذلك على الشعب السوداني أن يحرس نفسه، وألا يسمح بعودة النظام القديم مرة أخرى إلى الحكم، بعد اقتلاع هذا الحكم قبل أربع سنوات من الآن.
ولفت إلى أن السودان قبل الثورة في ظل حكم الحركة الإسلامية كان يحتضن كل التنظيمات المتطرفة، وكان يستضيف القوى المتفرقة في كل العالم الإسلامي، ويوفر الملاذ الآمن لهذه الجماعات، وعلى رأس هذه التنظيمات تنظيم القاعدة الذي كان يرأسه أسامة بن لادن، موضحًا أن السودان بسبب ذلك أُدرج أسمه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفُرض عليه الكثير من العقوبات الاقتصادية، وبعد ذلك قامت الولايات المتحدة بإعداد مقاطعة اقتصادية للخرطوم، وكانت هذه المقاطعة مؤثرة جدا على السودان.
وأشار إلى أن الضربة العسكرية التي وجهتها الولايات المتحدة لمصنع الشفاء على خلفية نسف وتدمير سفارة الولايات المتحدة في نيروبي وتنزانيا في وقت واحد، على خلفية مساعدة الخرطوم الجماعات المتطرفة التي قامت بهذا التفكير، ودفع السودان غرامة كبيرة بسبب هذا الأمر.
وشدد على أن انتزاع السودان أسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب كلف الخرطوم الكثير من الأموال، حيث دفع السودان 400 مليون دولار نقدًا للولايات المتحدة تعويضا عن تفجير السفارة الأمريكية في نيروبي، وهذا ساهم في تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار، وهذا حدث بسبب دعم السودان للجامعات المتطرفة في ظل الحكم البائد، لافتا إلى أن السودان مساحته شاسعة ووضعه الأمني مقلق، فالكثير من المناطق من الصعب السيطرة عليها مع 8 دول، ومن الصعوبة السيطرة على هذه الحدود، وهذا المناح سيكون ملائما للكثير من الجماعات المتطرفة وأبرزها جماعة بوكو حرام الموجودة في غرب إفريقيا.
وتابع أن حدوث اختلال أمني في السوداني سيجعل الملاحة في البحر الأحمر مهددة من الجانب السوداني، وسيدفع العالم أجمع ثمن الأزمة التي حدثت في الخرطوم.
وقال إن الاستقرار في السودان مرتبط بشكل عضوي بدول الجوار المتداخلة مع الخرطوم في الكثير من المناطق من الناحية السكانية، وإذا استطاع السودان السيطرة على هذه الحدود بمساعدة دول الجوار، فهذا من شأنه أن يُساهم في استقرار السودان، مشيرًا إلى أن السودان كون قوات مشتركة مع دولة تشاد خلال السنوات السابقة لحراسة الحدود، لمواجهة القوات المناوئة في البلدين، وهذه القوات استطاعت أن تسيطر على الأمن بصورة كبيرة.
ولفت إلى أن السودان كان معبرًا للأسلحة الخاصة بالجماعات المتطرفة، والمخدرات التي تستخدم لتمويل النشاط المتطرف، وكذلك تجارة البشر، وقطع هذه التجارة من شأنه أن يساهم في تحقيق الاستقرار سواء في السودان أو دول الجوار.
وأضاف أن مواقف الدول العربية من الأزمة في السودان متفاوت، باستثناء مصر، مشيرًا إلى أن السعودية قامت بمراعاة التفاوض بين طرفي الصراع "الجيش والدعم السريع" للوصول إلى اتفاق في القضايا السياسية، ولكن الدور المصري كان مميزًا للغاية، حيث استضافت القاهرة عددا كبيرا من السودانيين الهاربين من ويلات الحرب، والأهم من ذلك أن مصر استضافت كل القوى السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وتتعامل مع القوى السياسي بتوازن كبير.
وأوضح أن مجموعة القوى والتحرير رغم موقفها السلبي من القاهرة إلا أن مصر استضافتها وسمحت لهذه القوى بإجراء الكثير من الاجتماعات، مشيرًا إلى أن العلاقات مع مصر تغيرت بشكل استراتيجي، فبدلا من كون العلاقة قائمة على العواطف أصبحت علاقة مرتبطة بالوضع الاستراتيجي الموجود في كلا البلدين.
وأشار إلى أن مصر ساهمت في إخراج السودان من مأزق دبلوماسي بعدما حاولت بعض الدولة استدعاء العالم ضد الحكومة السودانية قبل 6 أشهر، فقامت القاهرة بإعداد مؤتمر لدول جوار السودان، وهذا ساهم في تغيير مواقف الدول بصورة كبيرة.
وأكد أن مصر استطاعت أن تثبت في هذه المحنة السودانية بأنها الملاذ والداعم الأول للسودان في كل الأزمات، مضيفًا أن السودان رغم الحرب والدمار الشامل إلا أن لديها مستقبل أفضل كثيرًا مما كان عليه السودان قبل هذه الحرب.
وأضاف أن الحرب أتاحت فرصة للسودانيين لإعادة النظر في الكثير من المسلمات واستدراك الكثير من الأخطاء لصناعة واقع جديد، مضيفًا أن المشهد السياسي السوداني كان يحتوي على نوع من الاختناقات المستمرة، وهذا ما أدى إلى وصول الخرطوم إلى هذا الوضع.
وأوضح أن التطرف الإسلامي الذي حكم السودان لمدة 30 عامًا من الضروري عدم السماح له بالعودة لحكم السودان، وكذلك هناك ضرورة لعدم السماح للتيارات المتطرفة باستخدام السودان ضد الدول المجاورة.