مع التأخر الواضح في استجابة الولايات المتحدة لطلبات تايوان بشأن الحصول على صواريخ وقاذفات وأسلحة بقيمة ١٩ مليار دولار، تراقب تايبيه بقلق تزايد فرص تعرض الجزيرة للاجتياح الصيني، خاصة وأن تسليم واشنطن لهذه المعدات قد يأخذ وقتًا طويلًا. ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال الأمريكية"، يتجسد القلق لدى محللين عسكريين ومسئولين سابقين في وزارة الدفاع التايوانية حيال احتمال زيادة فرص الغزو أو الحصار الصيني لتايوان، مع انعدام قدرة الجزيرة على إنتاج الأسلحة بشكل ذاتي.
وأشار التقرير إلى أن فوز الرئيس الجديد وليام لاي تشينج في الانتخابات التايوانية يقلل من فرص سيطرة الصين على تايوان، ويقلل من استعدادها للاستسلام دون مواجهة عسكرية، في ظل التصاعد المستمر لتهديدات وابتزاز الصين.
ونقلت الصحيفة تصريحات الرئيس المنتخب، حيث أكد أنه سيواصل تعزيز القوات المسلحة التايوانية، مع التأكيد على تصميمه على حماية تايوان من التهديدات والتخويف المستمر من الصين.
اعتماد شديد على الأسلحة الأمريكية
وذكرت "وول ستريت جورنال" في تقريرها، أن تايوان تعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي لتجهيز قواتها العسكرية، حيث تحصل على توريدات تشمل المقاتلات النفاثة والسفن البحرية الحديثة من الولايات المتحدة، كما يتلقى الجيش التايواني أيضًا تدريبًا من قبل فرق صغيرة من العسكريين الأمريكيين المتمركزين في الجزيرة.
ومع ذلك، أظهرت التقارير أن معظم عقود المعدات الدفاعية التي تم توقيعها خلال فترتي إدارة ترامب وبايدن قد تعثرت بسبب التأخيرات البيروقراطية وقيود الإنتاج التي تواجهها الشركات المصنعة للأسلحة، ما أدى إلى تراكم الطلبات غير المنفذة بقيمة ١٩ مليار دولار.
وفي هذا السياق، أعرب أندرو يانج، وزير الدفاع التايواني السابق، عن قلقه حيال هذا التأخير، حيث قال للولايات المتحدة: "من فضلكم، على الأقل قدموا كميات محدودة من الأنظمة المتقدمة حتى نتمكن من بدء التدريب"، مشيرًا إلى عدم ورود رد حتى الآن. وفي استجابة لسؤال حول تأخير التوريدات، أكد رئيس الهيئة الأمريكية المعنية بالعلاقات مع تايوان أن واشنطن ستظل ملتزمة بتقديم الدعم اللازم لتايوان في قدرتها على الدفاع عن نفسها.
وأوردت الصحيفة تصريحات لورا روزنبرجر، رئيسة المعهد الأمريكي في تايوان، حيث قالت إن "الولايات المتحدة تستخدم كل الوسائل المتاحة التي أذن بها الكونجرس للوفاء بالتزامها بتقديم الدعم المطلوب".
ووقّعت تايوان عقدًا بقيمة ٢.٣٧ مليار دولار مع الولايات المتحدة لشراء ٤٠٠ صاروخ هاربون المضاد للسفن، بالإضافة إلى المعدات ذات الصلة.
وفي العام الماضي أصدرت الولايات المتحدة أمرًا لإنتاج هذه الكمية من الصواريخ في العام الماضي، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من المشروع في مارس ٢٠٢٩، فيما أكدت تايوان أنها الطرف المشتري، على الرغم من عدم الكشف عن اسم المشتري في الأصل. وقال متحدث باسم وزارة الدفاع التايوانية إن هناك تنسيقًا وثيقًا بين تايوان والولايات المتحدة بشأن مبيعات الأسلحة، وأن هذه المعاملات تتم وفقًا لجدول زمني متفق عليه بين الطرفين. ولم يرد البنتاجون على طلبات التعليق بشأن طلبية صواريخ هاربون.
أظهر التقرير أن هناك عدة عمليات تسليم معلقة، من بينها ٢٩ قاذفة من نظام الصواريخ المدفعية عالية الحركة "هيمارس" (Himars)، تم طلبها في عامي ٢٠٢٠ و٢٠٢٢، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار من طراز MQ-٩B SeaGuardian ودبابات وطوربيدات وصواريخ أخرى.
وأفاد التقرير بأن التأخير يعود بشكل رئيسي إلى عدم قدرة مقاولي الدفاع الأمريكيين على زيادة الإنتاج بسرعة، وهو الأمر الذي تسبب في تأخر أيضًا في شحن الأسلحة إلى أوكرانيا.
وفي سبتمبر، أشارت ميرا ريسنيك، المسؤولة بوزارة الخارجية الأمريكية، خلال جلسة استماع في الكونجرس حول التعاون الدفاعي مع تايوان، إلى أن الولايات المتحدة تبذل قصارى جهدها للمساعدة في زيادة القدرة الصناعية وتسريع عمليات الإنتاج، وتقليل المهل الزمنية الطويلة.
هل تستطيع تايوان مواجهة الغزو الصيني؟
وقبل إجراء الانتخابات في تايوان، صَعَّدت الصين من حدة التوتر عبر زيادة النشاط العسكري حول الجزيرة، كما وصفت الرئيس المنتخب "لاي" بأنه انفصالي يجب وقفه، مما أثار قلق المسؤولين التايوانيين والأمريكيين، حسبما أفادت صحيفة وول ستريت جورنال. وتكثيف بكين لمناوراتها العسكرية قبل تنصيب "لاي" في مايو زاد من القلق، على الرغم من تصريحات وزارة الدفاع التايوانية التي لم تلاحظ أي نشاط غير عادي حتى الآن. تشير التقديرات الاستراتيجية إلى أن تايوان يمكن أن تصمد لفترة تتراوح بين أسابيع وأشهر في وجه غزو صيني واسع النطاق، كما أفاد تقرير صادر عن مؤسسة "راند"، بأن تايوان قد تتعرض للهزيمة في صراع مع الصين خلال ٩٠ يومًا دون تدخل عسكري أمريكي كبير.
ويشير تيموثي هيث، المؤلف الرئيسي لتقرير راند، إلى أن تسليم الولايات المتحدة للأسلحة المطلوبة من تايوان يمكن أن يساعد الجزيرة في مواجهة تحديات الصين ومنع تحقيقها لنجاح سريع.
اللجوء للصناعات العسكرية المحلية
رغم بعض الإحباطات بسبب تأخر تسليم الأسلحة الأمريكية، يركز المسئولون التايوانيون بشكل متزايد على تطوير المعدات العسكرية المحلية، ومن بينها أول غواصة تايوانية منتجة محليًا التي تم الانتهاء من تصنيعها العام الماضي، كما يرى الاستراتيجيون العسكريون في هذا الصدد أن الغواصات التايوانية قد تلعب دورًا حيويًا في استهداف السفن الحربية الصينية، بما في ذلك حاملات الطائرات.
وتحت حكم الرئيسة المنتهية ولايتها تساي إنج وين، عززت تايوان من إنفاقها العسكري السنوي إلى حوالي ٢٪ من الناتج المحلي الإجمالي، حيث قدمت في عام ٢٠٢١، ميزانية تكميلية بقيمة تقريبية ٨.٧ مليار دولار، تم تخصيصها للصواريخ المضادة للسفن المنتجة محليًا ولسفن الحرب من طراز كورفيت. وتوقع محللون سياسيون أن يستمر الرئيس القادم، لاي تشينج تي، في نفس النهج في الإنفاق العسكري، ولكن فقدان حزبه للسيطرة على المجلس التشريعي قد يعقد من تنفيذ مشتريات دفاعية إضافية.
كما يسلط التقرير الضوء على عزلة تايوان الدولية واعتمادها على الولايات المتحدة، ما أدى إلى تأخر صناعتها الدفاعية نسبيًا.
ويُعتبر معهد تشونج شان الوطني للعلوم والتكنولوجيا، الذي يتخذ من تايوان مقرًا له، أكبر منتج للأسلحة في البلاد ومتخصص في إنتاج الصواريخ، ويسعى حاليًا لزيادة مستوى الإنتاج.
مخزونات الصواريخ تحسم مصير تايوان
التفاصيل حول مخزون الصواريخ والقدرة الإنتاجية في تايوان ليست معروفة بشكل علني، ومع ذلك، يُقدر من قبل محللي الدفاع أن تايوان قد تنتج ما يصل إلى ١٢٠ صاروخًا مضادًا للسفن سنويًا، وعددًا أقل قليلًا من صواريخ الدفاع الجوي.
وأُكد المحلل في معهد تايوان لأبحاث الدفاع الوطني والأمن، سو تزو يون، في تصريحات نقلتها "وول ستريت جورنال" أن تايوان تحتاج إلى حوالي ٢٠٠٠ صاروخ مضاد للسفن و٤٠٠٠ صاروخ للدفاع الجوي في مخزونها.
وأظهرت التجربة الأوكرانية، حيث استُنفِذت كميات هائلة من الذخيرة على مدى نحو عامين من الصراع مع روسيا، أهمية الاحتفاظ بمخزون كبير من الذخائر، بما في ذلك القذائف المدفعية والصواريخ. ويقول تقرير نُشِرَ عام ٢٠٢٢ من قِبَل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إنه دون دعم من الولايات المتحدة، ستجد وحدات المدفعية التايوانية نفسها في وضع مشابه لوحدات المشاة بعد مضي ثلاثة أشهر من صدام شامل مع الصين، حيث ستنفد ذخيرتها.