على هذه الأرض ما يستحق الحياة، كانت تسمى فلسطين، صارت تسمى فلسطين، هنا في أرض الزيتون ترى صمودًا وقوة وشجاعة على استمرار الحياة وسط أهوال لا توصف ودمار لا تطيق على حمله الجبال، يسطر الشعب الفلسطيني كل يوم ملحمة جديدة من دروب الصبر واستئناف الحياة، ليخبروا الجميع أن للحكاية بقية ما دمنا أحياء ولن ينسدل الستار إلا بتحرير الأرض وإن طال الزمان.
بملابس الصلاة وفي أرجاء مدرسة الفاخورة التابعة لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، في مخيم المغازي بقطاع غزة، التي تحولت إلى قبلة للنازحين جراء القصف المتوالي على غزة منذ أسابيع، قرر الفلسطينيان "ماجد الدرة" و"سارة أبو توهة"، إقامة حفل زفافهما الذي كان من المقرر إقامته الشهر الماضي وسط العائلة والأصدقاء، ولكن بعد العدوان الأخير على غزة منذ السابع من أكتوبر فقد تهاوت المنازل على رؤوس أصحابها لتعلن وقف الأفراح والمناسبات وانتهاء الموسم الدراسي، فلا شئ هناك سوى صوت الصواريخ والمنازل المتساقطة ولا لغة إلا لغة القتل والعدوان، ليصل عدد الشهداء إلى أكثر من 15 ألف شهيد بينهم أكثر من 6150 طفلا وأكثر من 4 آلاف امرأة، فيما تجاوز عدد المفقودين أكثر من 6500 مفقود تحت الأنقاض بينما الجرحى أكثر من 37 ألفا وفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد تم تدمير منزل الزوجية خلال القصف، وتوجهت أسرتي "ماجد" و"سارة" إلى مدرسة الأونروا للنزوح هناك، حيث نزحت "سارة" مع عائلتها في الطابق الأول بالمدرسة فيما نزح خطيبها بالطابق الثالث مع أسرته في نفس المدرسة.
"طالعة من صف أبوكي.. رايحة على صف جوزك" بهذه الكلمات الحزينة والتي توحي بالقهر والتشرد من البيوت الدافئة إلى صفوف المدارس الباردة في ليالي غزة الحالكة الظلام، ووسط التصفيق ومحاولات إدخال الفرحة على النفوس التي أنهكتها الحروب، وبزغاريد مخنوقة بنبرات الألم وعبرات فقدان الأحبة، ورقصات محفوفة بالمخاطر والدبابات والأقمار الصناعية التي تراقب المدرسة، استجمع الأهالي جراحاتهم وقرروا عدم الاستسلام ولعل هذا هو انتصارهم الحقيقي، فرددوا عبارات التهنئة والأغنيات وأقاموا حفل زفاف بدائي ليعلنوا أن الحكايات في غزة لم تنتهي بعد وسنعمر أراضينا بالحب والود والأبناء ما دمنا باقيين.
ويوجد في قطاع غزة 183 مدرسة تديرها منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التابعة للأمم المتحدة، تُقدم الخدمة لما يقرب من 300 ألف طالب وطالبة، وبسبب نقص التمويل، تعمل تلك المدارس فوق طاقتها، حيث إن 63% منها تعمل بنظام الفترتين ويستضيف المبنى الواحد مدرسة وطلابها في الفترة الصباحية، ومدرسة أخرى بطلاب مختلفين في الفترة المسائية، بينما تعمل 7% منها بنظام الثلاث فترات.
وإلى جانب خدمات التعليم الأساسي، توفر الأونروا أيضا فرصا تدريبية مهنية وفنية لحوالي ألف طالب سنويًا، في مراكزها التدريبية في غزة وخان يونس، وهي تستهدف الطلاب ضعيفي التحصيل الأشد فقرًا والأكثر عرضًة للمخاطر.
ونظرًا لتكرار الحروب في قطاع غزة ونزوح المدنيين إلى مدارس ومنشآت الأونروا التي تحمل علم الأمم المتحدة، طلبا للحماية من القصف الإسرائيلي، فإن المنظمة في العادة تجهز عددًا كبيرًا من المدارس لتحويلها إلى ملاجئ، عبر تزويدها بأنظمة تساعد على المعيشة، مثل زيادة عدد الحمامات وتوفير مستلزمات وأغطية لاستقبال أكبر عدد ممكن من النازحين.
وقبل الأزمة الحالية، كانت المنظمة قد جهزت بالفعل نحو 80 مدرسة يمكن تحويلها إلى ملاجئ لتستقبل نحو 250 ألف نازح، لكن مع اندلاع الحرب حدث نزوح هائل من النصف الشمالي للقطاع إلى الجنوب، وتدفق الناس تلقائيًا على نحو 154 منشأة تتضمن مدارس ومخازن ومراكز صحية تابعة للمنظمة الأممية.