أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن استراتيجية شاملة لمكافحة الإسلاموفوبيا، أو كراهية الإسلام، في الولايات المتحدة والعالم؛ موضحًا أنه يريد "أن يكون شريكًا موثوقًا به للمسلمين في الداخل والخارج"، وأنه يعتبر المسلمين "جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع الأمريكي".
تعزيز التعاون
تأتي هذه الاستراتيجية في إطار استراتيجية الأمن القومي لإدارة بايدن، التي تهدف إلى مواجهة التهديدات الإرهابية، وتعزيز التعاون مع الشركاء الإقليميين، وتهدئة التوترات في الشرق الأوسط.
جاء هذا الإعلان في ظل تصاعد التوترات في البلاد بسبب الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة.
وكان بايدن قد أصدر توجيهات في العام الماضي لإنشاء مجموعة مشتركة بين الوكالات لزيادة وتنسيق جهود الحكومة الأمريكية لمواجهة كراهية الإسلام ومعاداة السامية والأشكال ذات الصلة من التحيز والتمييز داخل الولايات المتحدة.
وتتضمن الاستراتيجية الشاملة لمكافحة الإسلاموفوبيا، أربعة عناصر رئيسية، هي:
- مكافحة الكراهية والتمييز ضد المسلمين في الولايات المتحدة، وحماية حقوقهم وحرياتهم الأساسية، ودعم مشاركتهم في الحياة العامة والمدنية.
وقد أصدر بايدن أمرًا تنفيذيًّا لإلغاء حظر السفر المفروض على بعض الدول ذات الغالبية المسلمة، والذي اعتبره "مهينًا ومضرًا" بالمسلمين.
كما أعلن بايدن عن تعيين أول مبعوث أمريكي لمكافحة الإسلاموفوبيا، وهو فاروق ميثا، الذي سيكون مسئولًا عن تنسيق الجهود الحكومية والمجتمعية لمواجهة هذه الظاهرة.
- دعم المجتمعات المسلمة في العالم، وتعزيز التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية والتعليم والصحة والرفاهية.
وقد أكد بايدن أهمية التضامن مع المسلمين في مواجهة الاضطهاد والعنف والتمييز، وخاصة في بعض الدول مثل الصين وميانمار والهند وفرنسا.
كما أعرب بايدن عن دعمه لحل الصراعات والسلام في المناطق التي تشهد صراعات مسلحة أو توترات طائفية أو عرقية أو أيديولوجية، مع احترام تنوع الأديان والمعتقدات والثقافات.
- تعزيز الحوار والتفاهم بين الولايات المتحدة والدول الإسلامية، وتشجيع التعاون في مواجهة التحديات المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب والتطرف والتغير المناخي وجائحة كورونا.
وأشار بايدن إلى أنه يسعى إلى "إعادة تعريف" العلاقات مع العالم الإسلامي، بعيدًا عن "الحرب على الإرهاب"، ونحو "الشراكة والصداقة".
وأكد بايدن أنه يعتبر الإسلام "دين سلام"، وأنه يدين "التطرف العنيف المُفضي إلى الإرهاب، بجميع أشكاله ومظاهره، ولا يمكن ولا ينبغي ربطه بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة إثنية".
وأعلن بايدن عن تشكيل تحالف دولي لمكافحة الإرهاب والتطرف، يضم الولايات المتحدة والدول الإسلامية والدول الأخرى، ويهدف إلى تبادل المعلومات والخبرات والموارد والإستراتيجيات لمنع ومواجهة هذه الظاهرة.
الحد من التطرف
استراتيجية بايدن لمكافحة الإسلاموفوبيا هي خطوة إيجابية ومشجعة، لأنها تعبر عن الالتزام السياسي والأخلاقي بحماية حقوق وكرامة المسلمين في الولايات المتحدة وفي العالم.
ومن المحتمل أن تساهم هذه الاستراتيجية في تعزيز الثقة والتفاهم بين الأمريكيين من مختلف الخلفيات والمعتقدات، وتقليل الانقسامات والتحيزات والتمييز.
كما أنها قد تساعد في منع تأجيج الكراهية والعنف ضد المسلمين أو أي مجموعة أخرى، وتحصين المجتمعات ضد التطرف والإرهاب.
لكن من الضروري أن تكون هذه الاستراتيجية شاملة وشفافة وتشاركية، وأن تستند إلى الأدلة والحقائق والقيم الإنسانية.
ويجب أن تتضمن إجراءات ومؤشرات واضحة وقابلة للقياس، لتقييم فعاليتها وتحسينها.
مما يجب أيضا أن تتعاون مع الشركاء الدوليين والإقليميين، لتبادل الخبرات والممارسات الجيدة، ولمواجهة الظروف والعوامل التي تسهم في نشر الإسلاموفوبيا على المستوى العالمي.
تأثيرها على أوروبا والدول الأخرى
هذه الخطوة قد تكون لها تأثير على أوروبا ودول أخرى، خاصة في ظل ارتفاع مستويات الإسلاموفوبيا في بعض البلدان الأوروبية.
وقد شهدت أوروبا في السنوات الأخيرة عدة حوادث مؤسفة تستهدف المسلمين أو مقدساتهم، مثل حرق القرآن أو الهجوم على المساجد أو الاعتداء على النساء المحجبات.
وقد أثارت هذه الحوادث ردود فعل منددة ومحتجة من قبل المنظمات الإسلامية والحقوقية والدولية، وطالبت باتخاذ إجراءات حازمة لمنع تكرارها ومعاقبة المسئولين عنها.
ومن الممكن أن تشكل استراتيجية بايدن لمكافحة الإسلاموفوبيا نموذجًا يحتذى به من قبل الدول الأوروبية، التي تسعى إلى تعزيز التعايش السلمي والتنوع الثقافي والديني في مجتمعاتها.
كما أنها قد تدفع بالاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ موقف أكثر حزمًا ووضوحًا في مواجهة الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة، التي تروج للخطاب المعادي للإسلام والمهاجرين.
وأبدى بعض القادة والمسئولين الأوروبيين ترحيبهم بالخطوة الأمريكية، وأعربوا عن استعدادهم للتعاون مع الإدارة الأمريكية في هذا المجال.
في الوقت نفسه، قد تساهم استراتيجية بايدن في تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والدول الإسلامية، التي شهدت توترات وخلافات في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي اتخذ قرارات مثيرة للجدل، مثل حظر دخول مواطني عدة دول إسلامية إلى الولايات المتحدة أو الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران .
وأبدت بعض الدول الإسلامية تقديرها ودعمها للمبادرة الأمريكية، وأعربت عن أملها في أن تسهم في تعزيز الحوار والتفاهم والتعاون بين الحضارات.
معالجة الإسلاموفوبيا
يمكن اقتراح بعض الخطوات والإجراءات التي قد تساهم في الحد من هذه الظاهرة ومواجهة تأثيراتها السلبية على المسلمين والمجتمعات الأوروبية، و من بين هذه الخطوات..
- تعزيز التعليم والتوعية حول الإسلام والمسلمين، وتصحيح الصور النمطية والمفاهيم الخاطئة التي تنشرها بعض وسائل الإعلام والأحزاب والجماعات المتطرفة. ويمكن ذلك من خلال إدراج مواد تعليمية وثقافية تبرز تنوع وغنى التراث الإسلامي ومساهماته في الحضارة الإنسانية، وتشجع على الحوار والتبادل بين الأديان والمعتقدات.
- تطبيق مبدأ المساواة والعدالة وحماية حقوق الإنسان للمسلمين، ومنع التمييز والتحيز والتهميش ضدهم في مختلف المجالات، مثل العمل والتعليم والصحة والإسكان والمواطنة.
ويمكن ذلك من خلال تشريع قوانين وسياسات تضمن احترام الحريات والحقوق الأساسية للمسلمين، وتحقيق المساواة الفعلية بينهم وبين باقي المواطنين، وتفعيل آليات الرقابة والمساءلة والعقاب لمن ينتهكونها.
- تعزيز المشاركة والاندماج الإيجابي للمسلمين في المجتمعات الأوروبية، وتقدير دورهم ومساهماتهم في التنمية والسلام والتعايش.