نظم المجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع الهيئة العامة لقصور الثقافة ندوة بعنوان "طه حسين .. سيرة عقل مصرى"، وذلك فى إطار إحياء الذكرى الخمسين على رحيل عميد الأدب العربى طه حسين؛ وقد شهدت الأمسية حضور الدكتور هشام عزمى؛ الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، وعمر البسيونى رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، وأدار النقاش الكاتب الصحفى طارق الطاهر؛ وقد شارك فى الأمسية عدد من الأدباء والنقاد وهم: الدكتور سامى سليمان، الدكتور مصطفى القزاز، الدكتور محمود عبد البارى، الكاتبة عائشة المراغى.
أوضح الدكتور هشام عزمى، أن قصة حياة الدكتور طه حسين لا تعد فقط شاهدة على مثابرته وتصميمه، ولكنها تعد أيضا مصدر إلهام لعدد لا يُحصى من الأفراد الذين يواجهون الشدائد والصعاب؛ فمنذ مولده عام ألف وثمانمائة وتسعة وثمانون فى صعيد مصر، تغلب العميد على تحديات بداياته المتواضعة ليصبح باحثًا ومفكرًا متميزا. وتغلب على الظلام المحيط به من كل جانب قصة حياة ملهمة، مليئة بالدروس والعبر. فلقد كان طه حسين نموذجًا للخروج على الجامد الثابت، وجاءت آراؤه مغايرةً لمن حوله، ولم يتراجع عن موقف ارتآه ولا عن مذهب اعتنقه
وعلى الرغم من فقدانه نعمة البصر فى سن مبكرة بسبب المرض، إلا أن تعطشه للمعرفة كان أكبر من أن يُشبع، حيث كرس نفسه بكل إخلاص للتعليم؛ حيث مهد سعيه للتعليم طوال حياته الطريق لمساهماته الفكرية والأدبية، ولقد كانت مساعي طه حسين الأدبية رائدة؛ حيث سعى إلى تحدي الأعراف التقليدية وارتقى باللغة العربية إلى آفاق جديدة.
وتابع الدكتور هشام عزمى كلمته مؤكدًا امتداد مساهمات طه حسين إلى ما هو أبعد من عالم الأدب؛ فإنه كباحث كرس جهوده لمجال الأدب العربي، وقد بثت تحليلاته وتفسيراته النقدية حياة جديدة فى النصوص الكلاسيكية، مما سمح بفهم أعمق وتقدير أوسع بين أوساط العلماء وعامة الناس. علاوة على ذلك فلقد كانت إسهامات العميد العلمية والأكاديمية طاغية؛ فمنذ عودته إلى مصر عام 1919م عين أستاذًا للتاريخ اليونانى والروماني فى الجامعة المصرية، ثم عين عميدًا لكلية الآداب منذ عام 1936 وحتى عام 1942م وهو العام ذاته الذي عين فيه مديرًا لجامعة الإسكندرية لتنتهي هذه المسيرة الحافلة بتعيين طه حسين وزيرًا للمعارف. وفى كل المناصب التى شغلها أدخل العميد إصلاحات تهدف إلى تحديث النظام التعليمى وتعزيز الحرية الأكاديمية ومايزال كتابه القيم "مستقبل الثقافة العربية فى مصر" يقدم دروسًا بليغه فى احتضان التعليم. أما عن النتاج الفكرى، فلقد قام الأديب طه حسين بتقديم ما يقرب من ثلاثمائة وخمسين كتابًا بين مؤلَّف ومترجَّم إلى المكتبة العربية فى مجالات الشعر والنقد والقصة.
وفى ختام كلمته قال عزمى: "من دواعى سرورنا أن يرتبط اسم الدكتور طه حسين بالمجلس الأعلى للثقافة منذ بداياته الأولى؛ فقد اختير عضوًا بهذا المجلس العريق، بمسماه السابق: (المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب)، كما كان مقرِّرًا للجنة الترجمة والتبادل الثقافى فى المجلس. وكذلك كان أول من فاز بجائزة الدولة التقديرية فى الآداب فى أول دورة لهذه الجائزة فى عام 1958م".
فيما أوضح الدكتور سامى سليمان أحمد أن كتابات طه حسين النقدية عكست شغفًا كبيرًا بالشاعر الفيلسوف أبى العلاء المعري؛ إذ تكشف على تنوعها وامتدادها الزمني عن وجوه من العلاقات التى ربطت طه حسين بأبى العلاء، وإنتاجه الأدبي شعرًا كان أم نثرًا ووقائع حياته وأفكاره ومواقفه إزاء الآخرين ومسالكه تجاه الأشياء، ولعل الجوهر الذى استندت إليه تلك العلاقات كان هو ذلك التعاطي الغامر الذى كان طه حسين يستشعره دائمًا تجاه أبى العلاء وما يتعلق به وليس مرد هذا التعاطف فيما نرى إلى أن طرفيه طه حسين والمعرى قد جمعت بينهما محنة فقدان البصر؛ فصارا متشابهين فى مواجهتهما مواقف متقاربة بل مرده إلى أن تلك الوضعية قد ترتبت عليها مجموعة من النتائج التى تركت تأثيراتها فى رؤيتهما؛ فكان طه حسين يستشعر دائمًا أن أبا العلاء قريبٌ منه فى لحظاتٍ كثيرة، بل إن قارئ كتابات طه حسين يتملكه شعورٌ دائم بحضور أبى العلاء فى العديد من المواقف التى أعلنها طه حسين، أو تأثيره فى عدد من الرؤى التى تبناها طه حسين فى لحظات مختلفة. ولعل هذا ما يتضح لقارئ كتابات طه حسين على تنوعها ورحابة مجالاتها فى ذلك الحضور الضمني الكثيف للمعرى وأصدانه فى العوالم المختلفة التى ابتكرها طه حسين فى تلك الكتابات.
عقب ذلك أوضح الدكتور محمود عبد البارى أن ربما ما لا يعرفه القارئ عن طه حسين هو تكوينه المجمعی، كيف كان؟ وكيف رأى هو نفسه بعد التحاقه بالمجمع عضوا ثم نائبًا ثم رئيسًا؟ وكيف كان يرى زملائه؟وكيف كان زملاؤه ينظرون إليه؟ وكيف رأى رسالة المجمع؟ وكيف رأى أغراضه؟ وكيف وظف وسائله وأدواته لتحقيق تلك الغايات؟ وتابع مشيرًا إلى أن طه حسين ولد فى عزبة «الكيلو» مرکز مغاغة بمحافظة المنيا، واهتم والده بتحفيظه القرآن الكريم منذ صغره، ثم أرسله إلى القاهرة ليكمل تعليمه بالأزهر الشريف عام 1902م، وبعد ست سنوات من الدراسة فى الأزهر تحديدًا سنة 1908م أصابته عدم الحماسة لمواد الأزهر الشريف الدراسية، وعقب فصله من الأزهر على يد الشيخ حسونة النواوی، بسبب محادثة جرت بينه وبين أحد أساتذته اعتبرها خروجًا على التقاليد الأزهرية، عاد إلى الدراسة فى الأزهر بوساطة من الأستاذ أحمد لطفى السيد لدى الشيخ حسونة، وفى العام نفسه افتُتِحت الجامعة المصرية؛ فالتحق بها ثم أعد رسالته للدكتوراه وكان عنوانها: "ذكرى أبى العلاء"، ونوقشت فى الخامس من مايو عام 1914م، وكانت أول رسالة ينال صاحبها إجازة علمية من هذه الجامعة؛ فقررت الجامعة إرساله فى بعثة إلى فرنسا؛ فسافر فى نوفمبر سنة 1914م والتحق بجامعة مونبلييه لكنه عاد إلى مصر في السنة التالية، ولما انفرجت الأزمة المالية عاد إلى فرنسا عام 1915م والتحق بكلية الآداب بجامعة السوربون وحصل منها على درجة الليسانس في الآداب فى سنة 1917م.
وتحدثت الدكتورة نجاة على مؤكدة أن عميد الأدب العربى يمثل أيقونة التمرد والوعى الضدى؛ فطالما نظرت إليه باعتباره النموذج المُلهِم فى بناء العقل، ذلك العقل الذى آمنتُ بقدراته، وبأنه كلما كان مستنيرًا، كلما كان قادرًا على الإبداع. وأكدت أنها إلى الآن تتذكر بكثير من الفرح حينما وقعت عيناها أول مرة على كتاب "الأيام" فى مكتبة والدها رحمه الله- فى سن مبكرة، وكيف صارت بعدها مأخوذة بهذه السيرة الفريدة فى أدبنا العربى، وبذلك الفتى الكفيف الذى تحدى ظروف الفقر وفقدان البصر وشق بعلمه طريقًا خاصًا به وكيف دفعته نزعة التمرد على الجمود بكل أشكاله ، التحق بالجامعة المصرية التي وجد بها التنوع الفكري والعلمي الذي كان يصبوا إليه ، فالدراسة في الأزهر لم تلقي لديه الشغف الذي كان يتوقعه وهو ما اتضح فى أكثر من موضع فى كتابه: "الأيام" وغير ذلك من مؤلفات حملت رؤاه الثورية وآراؤه المستنيرة.