لا يملك أحد أن يزايد على، أو ينتقص من، الدور المصرى تجاه نصرة القضية الفلسطينية، والوقوف بجوار الشعب الفلسطينى، فالتاريخ سجل ووثق كم التضحيات التى قدمها الشعب المصرى بتعاقب أجياله وتعدد أنظمته، ملكية وجمهورية، ولم تتوار القضية الفلسطينية عن عقل وأنظار مصر، وحين نكبت الأنظمة العربية فى 1948 أسند إلى مصر إدارة قطاع غزة، فكان محل عنايتها ووفرت له كل عوامل البقاء والحياة، حتى يظنها المراقب محافظة من محافظات مصر، فالأطباء والمدرسون مصريون، والمشروعات الإنشائية والبنية الأساسية مصرية بامتياز، حتى جاءت نكسة 1967 لتخضع غزة للاحتلال الصهيونى، حتى حققت مصر نصرها المتفرد فى السادس من أكتوبر 1973، الذى كان قمة ملحمة عسكرية مصرية تسجلت عبر سنوات حرب الاستنزاف المجيدة.
لم يكن نصر أكتوبر نهاية المطاف بل بداية لمرحلة جديدة تشهد معارك مصرية سياسية ودبلوماسية عاتية فى اتجاهين، اتجاه استكمال تحرير ترابها بالكامل، ومعركة الاعتراف بدولة فلسطين وحدودها وفق خرائط ما قبل يونيو 67، وتبدأ إرهاصات الحكم الذاتى للفلسطينيين فى قطاع غزة والضفة الغربية لنهر الأردن.
توقف القتال فى 28 أكتوبر 73 لتبدأ مباحثات بين طرفى المواجهة، مصر وإسرائيل، والتى لم تكن هينة أو سهلة، ليتم التوقيع على اتفاق فض الاشتباك الأول والثانى لتأتى بعد ذلك مفاوضات السلام وكامب ديفيد.
ووفقًا لاتفاقية السلام نجحت مصر فى استرداد كامل سيناء باستثناء منطقة طابا إذ راوغت إسرائيل كعادتها ولم تنسحب منها بحجة أن هذه المنطقة لا تقع ضمن الأراضى المصرية، لتدور معركة سياسية لا تقل ضراوة عن معارك الاستنزاف ومعارك أكتوبر المجيدة، ومورست ضغوط دولية عاتية على مصر لتغير موقفها الصلب بحقها فى استرداد طابا، كانت حجتهم أنها منطقة غاية فى الصغر قياسًا على ما تم استرداده فهى لا تزيد فى مساحتها عن 1020متر مربع، هنا يظهر معنى وقيمة الأرض وحتمية تحريرها إلى أخر شبر فيها.
واستأذن القارئ فى افساح المجال لإعادة نشر ما وثقته وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية وقتها فى تقرير تقول بعض سطوره "جاء أول إعلان عن مشكلة طابا فى مارس 1982 قبل شهر واحد من إتمام الانسحاب الإسرائيلى من سيناء عندما أعلن رئيس الجانب العسكرى المصرى فى اللجنة المصرية الإسرائيلية، أن هناك خلافًا جذريًا حول بعض النقاط الحدودية خاصة العلامة 91، وحرصًا من القيادة السياسية المصرية على إتمام الانسحاب الإسرائيلى اتفق الجانبان على تأجيل الانسحاب من طابا وحل النزاع طبقا لقواعد القانون الدولى وبنود اتفاقية السلام.. وبالتحديد المادة السابعة التى تنص على أن تحل الخلافات بشأن تطبيق، أو تفسير المعاهدة عن طريق المفاوضات وإذا لم يتيسر حل الخلاف يتجه للتوفيق أو التحكيم.
ونص الاتفاق المؤقت الذى وقعته مصر وإسرائيل على عدم قيام إسرائيل ببناء أية منشآت فى المنطقة لحين الفصل فى النزاع، ولكن إسرائيل حاولت فرض الأمر الواقع، فأعلنت فى 15 نوفمبر 1982 عن افتتاح فندق سونستا طابا، وإنشاء قرية سياحية، كما ماطلت إسرائيل فى اللجوء إلى التحكيم مطالبة بالتوافق وهو ما رفضته القيادة السياسية المصرية وأجبرت إسرائيل على قبول التحكيم فى يناير عام 1986 بعد أربع سنوات من المماطلة، ودخل الجانبان فى مفاوضات لصياغة شروط التحكيم والتى انتهت فى سبتمبر من نفس العام.
كانت مصر واثقة من حقها التاريخى فى طابا فاستخدمت كافة الوثائق الدبلوماسية والقانونية والمخطوطات النادرة لإثبات حقها، ومثلت الوثائق 61% من الأدلة المادية."
وينتهى التقرير فى هذه الجزئية إلى "أن مصر نجحت فى أن أصدرت هيئة التحكيم الدولية حكمها فى 27 سبتمبر 1988 بأحقية مصر فى ممارسة السيادة على كامل ترابها، فقد تم إثبات 10 علامات حدودية لصالح مصر من مجموع 14 علامة بأغلبية 4 أصوات ضد صوت واحد، وإثبات 4 علامات لصالح مصر بإجماع الأصوات الخمسة.. وامتد عمل هيئة الدفاع المصرية بعد صدور الحكم ومراوغات إسرائيل فى التنفيذ إلى عقد جولات أخرى من الاجتماعات لتنفيذ حكم التحكيم وتسليم طابا بمنشآتها إلى مصر حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة بتسليم طابا فى 15 مارس 1989 ورفع العلم المصرى عليها فى 19 مارس."
أوردت هذا الاقتباس المطول بغرض تأكيد قيمة كل شبر من الاراضى المصرية فى عقل وضمير وقلب المصريين أنظمة وحكومات وشعبًا، ردًا على من يسعون لإعطاء شريط حدودى فى الأراضى المصرية لإقامة وطن بديل للفلسطينيين، وتهجيرهم إليها من موطنهم، وهو الأمر الذى أكد الرئيس السيسى رفضه فى كلمات قاطعة وحازمة وحاسمة، نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية أن مصر "لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب أطراف أخرى" في إشارة واضحة إلى خطر دفع الفلسطينيين إلى سيناء.
لسنا فى عداء مع اخوتنا الفلسطينيين، وستظل قضية استرداد حقوقهم وارضهم السليبة قضيتنا وسعينا، وستظل سيناء مصرية أبد الدهر.