الأحد 09 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

شاهد من أهلها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 

 

ألقى الدكتور إياد علاوى، رئيس الحكومة العراقية المؤقتة التى استمرت أقل من عام فى السلطة، عقب الغزو الأمريكى للعراق وإسقاط نظام صدام حسين مزيدًا من الضوء على الدور الذى لعبته ولاتزال الإدارة الأمريكية، لرهن حاضر العراق ومستقبله فى يد سلطة الولى الفقيه فى إيران. وقال "علاوى" فى حوار نشرته جريدة "الشرق الأوسط" على أربع حلقات فى الأسبوع الماضى، وأداره ببراعة، كما هى عادته، رئيس تحريرها "غسان شربل" أن عددًا من القادة فى المنطقة والعالم بينهم بوتين وبشار الأسد وصباح الأحمد وجو بايدن، مارسوا عليه ضغطًا لكى يقوم بزيارة إيران، لكنه رفض، ولم يقم بزيارتها أبدًا، انطلاقًا من موقفه العروبى العلمانى، الذى تشكل منذ انضوائه فى صباه إلى حزب البعث، قبل أن يتركه فى شبابه اعتراضًا على الانحرافات فى سياساته، والفردية فى قيادته، ويده الملطخة بالدماء من صراعه الدامى مع الشيوعيين العراقيين، وحتى مع مناضلى حزب البعث ومؤسسيه.. لأجل هذا لم يقبل التسليم بأى حق لإيران فى تشكيل المشهد السياسى العراقى. وكان من النتائج التى ترتبت على ذلك، أن قائمته التى فازت بأعلى الاصوات فى انتخابات تشريعية لاحقة، كانت تمنحه الحق فى إعادة تشكيل الحكومة، لكن تحالف طهران - وشنطن، عرقل تشكيلها لنحو تسعة أشهر، لكى تؤول الحكومة فى نهاية المطاف إلى حليفهما "نورى المالكى" بعد تلاعب شكلى بنصوص القانون، حسمه حكم قضائى لصالح القائمة التى يترأسها.

شهادة إياد علاوى تجدد الكشف عن مفارقات السياسة الأمريكية وأكاذيبها، التى تبدى فى العلن عداءً لإيران، وتقوم فى الواقع العملى بدعم أدوارها داخل العراق، وتتعاون معها سرًا فى معظم قضايا المنطقة بما فى ذلك المساعدة فى غزو أفغانستان والعراق والتخلص من نظام صدام حسين، وحل الجيش العراقى والقوى الأمنية، وتشريد أكثر من خمسة ملايين عراقى وفصلهم من عملهم، فيما سمى بحملات اجتثاث البعث. وكان من الطبيعى أن ينتهى كل ذلك بانتشار السلاح فى كل مدن العراق، وافتقاده للأمن والاستقرار، وتعزيز نفوذ المنظمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش، الأمر الذى هيأ لإيران نفوذًا طاغيًا انتقل من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن، وحتى إلى حماس، على حساب مصالح شعوب المنطقة وقضاياها. وبذلك تحول العراق إلى دولة فاشلة مقطعة الأوصال، تُنهب ثرواته النفطية والتراثية ويجرى تهريبها للخارج، بينما يتضور شعبه جوعًا وبطالة، ويفتقد لأبسط مقومات الحياة الأساسية، بفعل تنازع أحزاب طائفية فاسدة، معدومة الخبرة السياسية، ولا أقول الضمير، مسلوبة الإرادة، نهمة للسلطة والثروة والنفوذ، ارتضت وضع مصائرها ومصائر بلد ثرى تتداول حكمه، فى يد الولى الفقيه القابع فى طهران، الذى يدعى زورًا معاداة "الشيطان الأمريكى الأكبر" فى خطاب شعبوى" تافه، وهو لا يكف عن الإنصات الجيد لرغبات البيت الأبيض، لكى يقتنص الفرص المواتية منها، لتعزيز مايخدم مصالح الطرفين، التى باتت المنطقة مسرحًا لإدارتها وجنى ثمارها !

معنى كلام "علاوى" أن المشروع الأمريكى القاضى بدعم تيارات الإسلام السياسى وتنظيماتها العسكرية المسلحة لحكم دول المنطقة لايزال قائمًا، فى سياق تعاون وثيق مع الدولة الإسلامية فى إيران.. وفى السنوات الأخيرة تصاعدت صيحات التذمر من مواصلة المساعدت التى تمنح لإسرائيل، وتبلغ أكثر من 3 مليارات دورلار سنويًا، وفقًا لاتفاق معها وقعه باراك أوباما، يقضى بمنحها مساعدات بقيمة 38 ملياردولار حتى عام 2028، ويتم تحصيلها من دافعي الضرائب، بما يحملهم بأعباء مالية، فى ظل أوضاع اقتصادية غير مستقرة داخل المجتمع الأمريكى.

هذا ما فعله الاحتلال والإسلام السياسى بالعراق، فما مسئولية حزب البعث عن هذا المصير المأسوى الذى آل إليه؟.. ترسم شهادة "علاوى" صورة موجعة لتلك المسئولية، تكشف أن التصفية الجسدية كانت منهجًا لازمه من نشأته لإنهاء الخلافات السياسية. فقد دبر محاولة فاشلة لاغتيال عبد الكريم قاسم عام 1959 شارك فيها شابان من أعضائه هما صدام حسين وسمير النجم السفير العراقى الأسبق فى القاهرة، بالرغم من تحالف البعث معه بجانب الجبهة الوطنية التى تشكلت لإسقاط النظام الملكى. وقاد فيما بعد ثلاث محاولات للإطاحة به، حتى نجح مخططه فى إسقاطه فى فبرايرعام 1963 وإعدامه، بعد رفض طلبه لنفيه خارج العراق ليبدأ استيلاء البعث على السطة عبر سلسلة من الانقلابات، والتصفية الجسدية لقيادته المدنية والعسكرية، كان بينها محاولة فاشله لإغتيال "علاوى " نفسه.

 وإذا كانت شهادته قد وصفت صدام حسين بالنزاهة فى التعامل مع المال العام، فإن جموحه المغامر وهوسه بالسلطة والنفوذ والإنفراد بالقيادة والقرار، قد حرم دولة ذات تراث حضارى عريق، ومصدرًا لثروات طبيعية كبيرة، وثروات بشرية هائلة فى مجالات العلوم الثقافية والعلمية والإنتاجية والاجتماعية، من تصدر موقعها المتقدم الذى تستحقه بين دول العالم شرقه وغربه!.

*كاتبة صحفية – رئيس مجلس إدارة جريدة "الأهالى"