عرف التاريخ الملك سنفرو كأول ملوك الأسرة الرابعة في عصر الدولة المصرية القديمة، وقد تولى عرش مصر في أعقاب وفاة الملك حونى، آخر ملوك الأسرة الثالثة. وقد بدأ عهده عام 2620 ق. م تقريبا.
وصف سنفرو بـ "الملك الطيب"، أو "المحسن"، وهي ألقاب مذكورة في نصوص ذلك العصر. ولأنه، حتى بداية عهد الأسرة الرابعة، لم تكن الألقاب الملكية قد اكتملت. فقد احتفظ سنفرو حتى النهاية باسم مولده، والألقاب الثلاثة الأخرى هي أسماء التتويج. ورغم أنه كان لهذا الملك عدة أولاد، لكن الوحيد الذي علق بصفحات التاريخ هو "خوفو".
عهد «سنفرو»
يقول الأثري الكبير سليم حسن في موسوعة "مصر القديمة": أراد -سنفرو- أن يقلد جده العظيم «زوسر»، فبنى لنفسه مقبرتين متقاربتين، وكلتاهما على شكل هرمي، وهما لا تزالان باقيتين إلى الآن، الأولى في دهشور جنوبي سقارة، والثانية في ميدوم في الشمال من مدخل الفيوم.
أما الهرم الأخير، فيطلق عليه الأهالي من المصريون اسم "الهرم الكاذب" لعدم انتظام شكله، بينما نجهل تمامًا في أي هرم من الاثنين دفن الملك «سنفرو».
وفي عهده أيضا قامت حملة بحرية عظيمة إلى الموانئ السورية، رجع منها المصريون بنحو أربعين سفينة محملة بالأخشاب للبناء قطعت من غابات لبنان -كان الخشب يجلب من جهات لبنان لمصر بكل الوسائل لخلو جهات القطر المصري من الغابات- وكانت مصر في عهد هذا الملك مملكة متحدة ثابتة الأركان، وكانت كل القوة مجتمعة في يد الملك الذي حل محل رؤساء القبائل.
وكانت مصر تنقسم إلى مقاطعات -ربما كانت هي التي سكنتها القبائل منذ عهد ما قبل الأسرات- وهي التي أطلق عليها اليونان كلمة «نوم» أي مقاطعة، وقد كان الوجه القبلي يتكون من 22 مقاطعة من الشلال الأول إلى منف، وكان الوجه البحري يشمل 20 مقاطعة.
وفي عهد «سنفرو»، كان لكل مقاطعة حاكم يعينه الملك، يلقب بلقب «الأول بعد الملك»، وهذه التسمية تدل على أن حاكم المقاطعة كان تحت إدارة الملك مباشرة، وكان المسئول الوحيد أمامه في مقاطعته، لذلك كانت السلطة كلها في يد الملك.
وكان الموظفون يتسلمون الأوامر من الملك وحده الذي كان في يده كل شيء، ولما كان الملك يسكن في الوجه القبلي فيظهر أنه لم يندب أحدًا ليمثله في تنفيذ أوامره في هذا القسم من المملكة، على خلاف الوجه البحري، فإنه كان ينيب عنه موظفًا كبيرًا يلقب بحامل خاتم الملك في الوجه البحري، أو "حامل الختم" كما يسمى في عصرنا، وكان ينتخب من الأسرة المالكة.
البناء والتعمير
شهد حكم الملك سنفرو اهتماما كبيرا بالتعمير والبناء. وقد عُثر في معبده الجنائزي على قائمة غير مكتملة للقصور والمدن التي أنشأها.
وقد رمز عهده لكل منشأة بفتاة تقدم علامة الحياة والقرابين "إبريق وحوضين"، وتحمل فوق رأسها علامة المدينة، ورمز القصر بعضها فوق بعض، واسم المنشأة؛ وإذا ما كانت هناك مساحة يكتب اسم الإقليم. ويوجد أربع أو خمس منشآت في كل مقاطعة. القصر يسور أساسًا بسور من الطوب اللين.
ولا تسمح الفجوة الموجودة بالوثيقة بمعرفة العدد الإجمالي لهذه المنشآت. لكن، على سبيل المثال، تمثل المقاطعة رقم 16 بمصر العليا إقليمًا يشتمل على خمس منشآت: بهجة سنفرو، وراقصات سنفرو، وطرق سنفرو، ومرضعة سنفرو، ومخضرة "أراضي" سنفرو. لكن، معظم هذه الأسماء لم تعد كما هي بعد مؤسسها. حيث صارت "مرضعة سنفرو" هي "مرضعة خوفو"، وغيرها.
باني الأسطول
أيضا، ينفرد سنفرو من بين كل ملوك مصر بأنه شجع تشييد السفن، وكانت العقبة هي جلب الأخشاب. لكنه استطاع جلبه من شمال سوريا. وكان لأسلاف سنفرو، من الأسرة الثانية صلات مع أهل جبيل، والتي تقع على مسافة 40 كم شمال بيروت.
وتركت البرديات أثرا عما شيده سنفرو كسفينة عظيمة في منف أو في بوباسطة. تبلغ نحو مائة ذراع من خشب الأرز، وتسمى "معبودة الأرضين".
وكذلك تم العثور على ستين مركبا ملكيا مميزا، بعدد العوارض الخشبية التي تباعد ما بين الميمنة والميسرة، التي تثبت سطح السفينة. وقد قيل إن هذه الزوارق كانت تعمل على حماية السفينة الكبرى، وربما استخدمت في الأعمال العسكرية الخفيفة والاقتصادية: نقل القوات أو المنتجات.
ومن أجل هذا الأسطول، استورد المصريون أخشاب الأرز أو الصنبور، ولكن كان التصنيع يتم في مصر.
وهكذا، بفضل أسطوله البحري، كان سنفرو يستطيع أن يكون في غضون أيام معدودة في أي مكان من مملكته، ويردع أعداء مصر.