مصر لديها فرق عمل مدربة من أثريين ومرممين ومهندسين معماريين وفنيين فى مجالات مختلفة
يمثل شارع المعز القائم فى قلب القاهرة الفاطمية أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية فى العالم كله.. هذا الشارع الواقع فى منطقة الأزهر الشريف لا نقول يرتدى ثوبًا جديدًا بعد أعمال الترميم الشامل التى أجريت لأروع المبانى الأثرية المتنوعة من مساجد وأسبلة وخنقاوات وتكايا وبيمارستانات وأضرحة ووكالات، وإنما نقول إن الشارع عاد إلى بعض ما كان عليه فى زمن الماضى بكل عظمته وشموخه وعبق التاريخ الذى يلف جميع أركان الشارع وحاراته المتفرعة منه. وهنا أدعو كل عشاق الآثار الإسلامية فى كل أنحاء العالم لزيارة شارع المعز والتجول بين عماراته الإسلامية التى سُطر فيها صفحات من تاريخ مصر منذ دخول جيش جوهر الصقلى وبداية الحكم الفاطمى وحتى تاريخ مصر الحديث.
وأدعو الزائرين إلى التمهل والبقاء بشارع المعز إلى وقت غروب الشمس لكى يشاهدوا الإنارة الجميلة للأبنية التاريخية التى عادت إلى جمالها وسيرتها الأولى، وتظهر الفنون الإسلامية المختلفة على مآذنها وقبابها وأبوابها الخشبية وحناياها وأشكال المقرنصات التى هى أحد إبداعات الفن الإسلامى التى قاومت عوادى الزمن حتى طالتها يد الرحمة بمشروع طموح لترميم وإنقاذ أكثر من مئتى أثر إسلامى بعد تضرره من زلزال عام ١٩٩٢.
وفى رأيى أن أعظم الأعمال التى تمت فى هذا المكان التاريخى هو معالجة الشارع نفسه وإعادته إلى ما كان عليه وقت تخطيطه.. فتم إزالة كل الإضافات التى أدت إلى ارتفاع منسوبه عن المنسوب الأصلى مما أثر على مداخل الأبنية التاريخية به.. والآن عاد شارع المعز إلى منسوبه القديم بعد تغيير شبكة المرافق كلها، وتم إعادة البلاطات الحجرية التى كانت تكسوه وأصبح شارعًا للمشاة فقط فى تجربة مثيرة من المؤكد أنها ستعمم على كل شوارع القاهرة الفاطمية فى المستقبل القريب. وبكل فخر نستطيع القول إن ألف عام من التاريخ تم ترميمه وصيانته للأجيال القادمة التى أرجو أن تحمل هذه الأمانة والرسالة التى حملناها نحن إليهم والحفاظ على هذا الكنز الأثرى الذى لا يقدر بمال. وهناك بشارع المعز يكفى أن نقول ونفخر بوجود مجموعة السلطان قلاوون المجموعة النادرة والوحيدة التى بقيت محتفظة بعناصرها المعمارية كاملة منذ وقت إنشائها فى عهد السلطان المنصور قلاوون فى ٧٣٠ هجرية، وتضم ضريحًا ومدرسة وبيمارستان تشهد بما وصلت إليه العمارة الإسلامية فى عصر المماليك البحرية من تطور مذهل، وكان للعالم الإسلامى الفضل فى تطور العمارة بأوروبا خلال ما عرف بـ "عصر النهضة".
لقد أصبح لدينا فرق عمل مدربة من أثريين ومرممين ومهندسين معماريين وفنيين فى مجالات مختلفة سواء الترميم المعمارى أو الترميم الدقيق، وهذه الفرق نالت خبرات كبيرة بالعمل الميدانى المدروس والمخطط، وأصبحت أحد أهم المكاسب التى حصلنا عليها من ترميم القاهرة الفاطمية ومما لا شك فيه أن البداية كانت صعبة جدًا وأخذت وقتًا طويلًا حتى بدأنا العمل الفعلي.. أما الآن فليس هناك أى معضلة لترميم أى أثر مهما كانت حالته المعمارية طالما هناك الفريق المدرب الذى يعمل بحب وصبر لإعادة آثارنا لتتنفس الحياة مرة أخرى.
هذه دعوة عامة لكل من يعشق قاهرة المعز ذات الألف مئذنة لكى يأتى لزيارة أهم شوارعها على الإطلاق ويستمتع بسيمفونية عمل مبدع تعزفها أصابع أبناء هذا البلد الطيب.