الجمعة 20 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

ليوناردو دينى يكتب: النيجر.. إلى أين؟(2)

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى ٢٦ أغسطس ٢٠٢٣ قررت الحكومة الانقلابية فى النيجر طرد سيلفان إيتى سفير فرنسا وكذلك سفيرا ألمانيا والولايات المتحدة من البلاد. كان هذا القرار بمثابة نقطة تحول جديدة فى النيجر.. نقطة تحول مناهضة لفرنسا ومعادية للغرب.
نتناول فى هذا المقال مصير بلدان الساحل بشكل عام والنيجر بشكل خاص فهى دولة غنية باليورانيوم وذات أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لباريس، وهى عالقة ما بين الشهوات الروسية وما بين الاستعمار الفرنسى الجديد المفترض وكذلك أطماع العملاق الأفريقى المجاور نيجيريا.
ثم يأتى الدور الاقتصادى والتعاونى الذى ربما يكون أكثر واقعية فى أفريقيا الا وهو الدور الذى يلعبه الصينيون الذين يحلون اليوم تدريجيًا محل النظام السوفييتى السابق من خلال التأثير اقتصاديًا على العديد من الدول وصولا الى المنطقة الوسطى من أفريقيا. يضاف الى ذلك تلك المخاوف التى أعرب عنها الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون بشأن الصراع المحتمل فى النيجر.
مخاطر الهجرة الجماعية نحو شمال أفريقيا وأوروبا
فى الحقيقة، ما يخشاه الرئيس الجزائرى ليس حربا على الحدود التى تفصل بين بلاده والنيجر فحسب وانما يخشى تسونامى حقيقى لأزمة الهجرة الضخمة التى تهدد شمال أفريقيا وأوروبا.. فى مواجهة المجلس العسكرى النيجيرى يمكن لفلاديمير بوتين استخدام ذلك الأسلوب الذى تم اختباره بالفعل فى السنوات الأخيرة على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا بهدف توجيه المهاجرين نحو الحدود الأوروبية كما يمكنه استخدامه عبر الصحراء التى نتحدث عنها هنا وتقع شمال ساحل النيجر.
وكلمة الساحل تعنى فى الواقع الحافة وهى تشير إلى الحد الذى يرسم حدود الصحراء الكبرى من الجنوب. وتعد النيجر بالفعل مصدرًا لأكبر تدفق للهجرة وأكثرها تعقيدًا من بلدان منطقة جنوب الساحل الأفريقى.
ويمكن استغلال استراتيجية زعزعة الاستقرار هذه بذكاء بالنظر إلى السيطرة الروسية على نصف ليبيا ومن الناحية العملية تتعرض ليبيا والجزائر لمخاطر التدفق الهائل من اللاجئين القادمين من النيجر.
وفى الواقع، هؤلاء اللاجئين ليسوا نتاجا لفشل دولة النيجر أو فارين من حرب محتملة بين دولة النيجر والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا/الإيكواس، ولكنهم قبل كل شيء لاجئون يتركزون فى النيجر ولكنهم قادمون من جميع أنحاء أفريقيا.
الحقيقة أن الإرهاب المتطرف ماهو إلا نتيجة للجفاف والمجاعات والأوبئة والصراعات المحلية الصغيرة كما أن هذا العدد الكبير من اللاجئين والذى يهاجر فرارًا من المعاناة والاضطهاد با الرحيل عبر الصحراء وشمالًا نحو منطقة إلدورادو الأوروبية المفترضة.
وقد أثار الرئيس الجزائرى هذه الإشكالية والمتمثلة فى احتمال انهيار النيجر ككيان وكدولة مستقلة مع ما ينجم عنه من خلق شاذ لدولة جهادية متطرفة جديدة، من جهة وولادة دولتين نيجريتين مثلما حدث فى ليبيا وهى دولة مؤيدة لروسيا والأخرى مؤيدة للغرب بما ينجم عن ذلك من عواقب مدمرة وتأثيرات وخيمة على المنطقة.
إشكالية الوحدات العسكرية الأجنبية
مما يزيد الأمر تفاقمًا من وجهة نظر الأمن العسكرى الإقليمى مشكلة اخرى تضاف الى فوضى الهجرة: بدأ الجنود الفرنسيون البالغ عددهم ١٥٠٠ جندى والموجودون فى النيجر خطة مغادرة البلاد كما يفعل ٣٥٠ جنديًا إيطاليًا فى البعثة والموجودون فى النيجر ويتم إجلاؤهم وبسرعة كبيرة بعد الانقلاب؟ وماذا سيحدث لقاعدة الطائرات الأمريكية بدون طيار فى شمال النيجر، وماذا عن الألف جندى أمريكى ما زالوا متواجدين فى البلاد؟.
ومن المؤكد أن السفيرة الأمريكية نولاند قد تناولت هذه القضية خلال اجتماعها الدبلوماسى مع المجلس العسكرى الانقلابي؛ ماذا سيحدث أيضا للعديد من الفنيين والخبراء من أوروبا الغربية والموجودين فى النيجر وماذا عن مصيرهم غير المؤكد؟ ما هو تأثير وجود رجال الميليشيات الروسية والمستشارين والوحدات العسكرية الروسية عند المدخل؟.
وهنا يجب أن لا ننسى أنه من بين العواقب المحتملة أيضا «التأثير السوري»، أو ما يشبه ذلك التقاطع الغريب والتناقض الواضح للوجود المشترك المتناقض فى سوريا والمتمثل فى الوحدات العسكرية الأمريكية والروسية والتركية وغيرها. ويمكن تشبيه ذلك الوضع أيضا بما حدث فى حرب الخليج عام ١٩٩١ والوجود العسكرى الأمريكى الذى يحرس حقول النفط الكويتية بالقرب من العراق.. وهناك تصور لتحالف عسكرى موجود بالفعل بين مالى والنيجر وبوركينا فاسو.
الدول الانقلابية الموالية لروسيا والتى أنشأت حزامًا فيما بينها وتسيطر الآن على المنطقة القريبة من النيجر وهى معادية للدول الموالية للغرب فى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، مثل نيجيريا وساحل العاج وزامبيا وغانا والسنغال.
اللعبة الخطيرة حول يورانيوم النيجر
لا شك أن يورانيوم النيجر والذى يزود محطات الطاقة النووية الفرنسية ودول أخرى مهدد بالوقوع فى أيد شريرة إذ يمكن أن يستخدمه الروس ليس فقط لتلبية الاحتياجات النووية المدنية الروسية، ولكن لدعم التهديد النووى العسكرى الروسى تجاه أوروبا.
ويعد اليورانيوم موردا أساسيا لروسيا التى تركز على التهديد الذرى بصواريخ SS٣٠٠ فى بيلاروسيا، وصواريخ بوسيدون وصواريخ سارمات ذات الرؤوس النووية.
وعلى هذا فإن يورانيوم النيجر لا يشكل مشكلة تتعلق بكفاءة استخدام الطاقة بالنسبة لفرنسا التى تعتمد إلى حد كبير فى مواردها الكهربائية على الطاقة النووية بل إنه يمثل أيضًا مشكلة عسكرية نظرًا لأنه لا يمكن لأحد ولا حتى الأمم المتحدة أن يفرض على ثانى أكبر دولة فى نووية فى العالم بعدم استخدام اليورانيوم النيجرى فى إطار ما يسميه الرئيس البيلاروسى لوكاشينكو نفسه «أفق التفجيرات النووية المحتملة».
المجموعات العرقية فى النيجر عبر التاريخ
عاشت النيجر لعدة قرون دولة موحدة وقوية ومركزية فى تاريخ أفريقيا. ولم تفقد استقلالها إلا فى عام ١٨٩٨ - ولمدة أقل من قرن فقط - حتى عام ١٩٦٠. وفيما بين عامى ٧٠٠ و١٨٠٠ كانت النيجر مستقلة ولم تكن مستعمرة، وكانت لها كرامتها الخاصة كدولة أفريقية ذات سيادة.
كما أن قصر فترة الاستعمار الفرنسى والاستغلال الاستعمارى وما بعد الاستعمارى للبلاد يفسر جزئيًا تلك الكراهية المنتشرة على نطاق واسع ضد الفرنسيين. دعونا نتذكر أن مملكة سامورى تورى المستقلة التى تنتمى إلى شعب من مجموعة ماندى والتى كانت تضم جزءًا من النيجر الحالية كانت فى عداء مباشر مع التوسع الاستعمارى الفرنسى والغربى فى عام ١٨٠٠.
عدد قليل منا فى الغرب يتذكر أن العاصمة التاريخية للنيجر ليست العاصمة الحالية نيامى التى بنيت عام ١٨٠٠ كعاصمة للاستعمار بل كانت مدينة زيندر القديمة حيث كانت النيجر آنذاك جزءًا من إمبراطورية كانم بورنو الهندية الإفريقية فى العصور الوسطى. وانتشرت الحضارة الإسلامية هناك عن طريق السكان البدو فى النيجر.
ومنذ القرن السادس عشر، سيطر سلاطين زندر وسوكوتو على المنطقة ولكن المجموعة العرقية الأكثر أهمية تاريخيًا المرتبطة بسلطنة العصور الوسطى هى مجموعة الهوسا.
وباعتبار النيجر جزءًا من سلطنة الهوسا فقد حققت ثروة كبيرة بين عامى ١٧٠٠ و١٨٠٠، ويرجع الفضل فى ذلك إلى تجارة الذهب والمواد الخام، قبل وقت طويل من التجارة الحالية فى اليورانيوم.
ولا ننسى أن طائفة «الهوسا» لا تعيش اليوم الا فى الذاكرة التاريخية المنقولة شفويا وهى ذاكرة الشعوب الأفريقية حيث كانت تجارة النيجر القديمة تتمثل فى العبودية التى سرعان ما استغلها الأوروبيون وأمريكا الشمالية. ولم يتم القضاء على العبودية بشكل كامل اليوم فى النيجر اذ لا تزال إرثًا حزينًا لشكل غير إنسانى من تجارة غير عادلة.


يضاف إلى جانب الهوسا أيضا الطوارق فهم من المجموعات العرقية التى طورت ثقافة مستقلة وكذلك وجيرما سونغاى، وكانورى، وبودوما، والبيول، والتبو، وعرب النيجر؛ لذا فإن البلاد لديها العديد من المجموعات العرقية التى تعيش على نفس التربة بإجمالى ٢٤ مليون نسمة منتشرين على منطقة شاسعة تمتد من حدود الغابات فى الصحراء الكبرى فى الشمال إلى المحمية الطبيعية الهائلة غرب النيجر وهى محمية تقع على الحدود مع بنين كما يتعايش المربون والمزارعون هناك بشكل متوازنً دون تدخلات من الخارج.
الخلاصة
اذا اخذنا فى الاعتبار ان النيجر تعرضت للعديد من الانقلابات والمجالس شبه العسكرية منذ استقلالها وأنه حتى الرئيس المخلوع حديثًا بازوم تعرض لثلاث محاولات انقلابية فإننا سنفهم كيف تمكنت الدولة الإسلامية فى الصحراء الكبرى (EIGS) من الاستفادة من أزمة النيجر مثلما وضح من الهجوم الذى وقع مؤخرًا فى مالى ضد الجيش المالى.
إن الموجة الكبيرة من اللاجئين القادمين من النيجر الذين كانوا يرغبون فى الهجرة إلى أوروبا قد قام الإرهابيون المتطرفون بطردهم ذلك ان عنف هؤلاء المتطرفين يذكرنا بغارات القراصنة والبرابرة من شمال أفريقيا ايام العصور الوسطى.
وهذا العنف الذى يتصاعد من نصف الكرة الجنوبى يهدد بالانضمام، عاجلًا أم آجلًا، إلى العنف القادم من الشرق ذلك العنف القادم من الحرب الأوكرانية، وبالتالى من أوروبا الشرقية. وستجد أوروبا نفسها وكذلك فرنسا وقد وقعتا بين هذين التهديدين القادمين من الجنوب والشرق فى السنوات المقبلة.
ولهذا السبب بالتحديد علينا ألا نتخلى أو نهمل منطقة الساحل والنيجر وأفريقيا الوسطى اذ قد يكون هذا الاجراء حاسما فى منع الكوارث والحروب العسكرية وكوارث الهجرة والإنسانية المستقبلية فى أوروبا.
والآن تستعد دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وخاصة نيجيريا وبنين وساحل العاج تستعد للقيام بعمل عسكرى. وتتمتع نيجيريا بجيش قوى وقد أنشأت ساحل العاج قوة عسكرية مخصصة لذلك فى حين تتمتع بنين بنافذة هامة على البحر، وهو ما لا تملكه النيجر وهذا العنصريشكل أهمية قصوى لاقتصادها.
وتدعم فرنسا مع ماكرون الجهد العسكرى المحتمل للمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا CEDEAO لكنها تسعى قبل كل شيء فى الدفاع عن مناجم اليورانيوم، فى مفارقة متمثلة فى العمل إما بشكل مباشر كقوة عسكرية استعمارية، أو بشكل غير مباشر مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
ولا ننسى هنا أن أولئك الذين يمكن أن يستفيدوا فى نهاية المطاف من حرب من هذا النوع سيكونون بالتأكيد هم الجهاديين فى جنوب النيجر، ونيجيريا التى يمكنها إلى جانب ترسيخ نفسها كقوة عسكرية واقتصادية جديدة فى وسط أفريقيا أن تدير مصالح إقليمية فى النيجر.
مثل هذه النكسة للمجلس العسكرى النيجرى الموالى لموسكو من شأنها أن تجعل الروس مجبرين على خسارة هدفهم المتمثل فى إبراز روسيا الإفريقية العظمى» وبالتالى فشلهم فى رؤية ولادة نيجيريا العظمى فى وسط إفريقيا.. وبالتالى فإن إفريقيا فى طريقها إلى النجاح».. وأيضا فى طريقها لان تشهد تغييرا كاملا ولكننا لا نعرف ما إذا كان الأفارقة سينجحون فى السيطرة على قارتهم؟

معلومات عن الكاتب: 
ليوناردو دينى مفكر وفيلسوف من أصل إيطالى.. كانت أطروحته للدكتوراه حول نظرية السياسة وفلسفة القانون.. له العديد من الكتب والدراسات.. كما كتب الرواية إلى جانب القصائد الفلسفية.. يستكمل رؤيته الموقف فى النيجر والصراع الذى يدور هناك.