صدر ضمن مطبوعات المركز القومى للترجمة، كتاب بالغ الأهمية عن تاريخ علم النفس الحديث؛ كان لى شرف المشاركة فى ترجمته ومراجعته، ويتميز الكتاب بالربط بين الأفكار الرئيسية التى أثرت فى مسار تاريخ علم النفس؛ وما يثير اهتمام العامة من مبتكرات تبدو بسيطة.
كان المثقفون والنخبة الأرستقراطية فى القرن السابع عشر، لديهم بالفعل نماذج تجسد فكرة الآلة ذاتية الحركة، متمثلة فيما يمتلكونه من حدائق تروى ذاتيًا، إلى جانب الانتشار الضخم للساعات المصممة بحيث يمكن إتاحة نسخ منها لكل من يطلبها. ومع تطور التكنولوجيا، تم ابتكار آلات ميكانيكية غريبة، صممت لمحاكاة الأفعال والحركات البشرية بهدف تسلية جمهور المشاهدين.
وأطلق على تلك الأجهزة «الآلات ذاتية الحركة Automata»، وكان بمقدور تلك الأجهزة أداء أعمال مدهشة ومسلية بدقة وبشكل منتظم.
إن تطور تلك الآلات ذاتية الحركة، يسبق بكثير القرن السابع عشر.. لقد احتوت المخطوطات اليونانية والعربية القديمة وصفًا لآلات ميكانيكية، كما أن للصين أيضا سبقًا فى بناء آلات ذاتية الحركة؛ حيث يعرفنا الأدب الصينى على حيوانات وأسماك ميكانيكية، وعلى آلات ميكانيكية صممت لصب المشروبات، وحمل أكواب الشاى، والغناء، والرقص، والعزف على الآلات الموسيقية.وشهد القرن السادس فيما عرف فيما بعد بدولة فلسطين، بناء ساعة ضخمة كانت حين تدق تتحرك عدة أشكال ميكانيكية.
ونتيجة لذلك؛ انتشر فن صناعة الآلات ذاتية الحركة فى غالبية أنحاء العالم الإسلامى.ولكن بعد مضى ما يزيد على ألف عام، حين ابتكر العلماء والمثقفون والصناع المهرة الأوروبيون فى القرن السابع عشر الآلات ذاتية الحركة، اعتبرت تلك الآلات كما لو كانت ابتكارًا أوروبيًا، وانمحت المنجزات الرئيسية لأبناء الحضارات القديمة.
لقد تمثلت أشهر الآلات ذاتية الحركة، والأكثر إثارة وتعقيدا فى البطة التى تخرج فضلاتها ولاعب المزمار. لم يكن لاعب المزمار يصدر أصواتًا مما يمكن أن تصدر عن العديد من اللعب الموسيقية؛ بل كان بالفعل يعزف على آلته.كان طوله واقفًا يبلغ خمسة أقدام ونصف القدم، وكان كل جزء ميكانيكى من أجزاء تلك الآلة يناظر عضلة أو رباطًا أو غير ذلك من أجزاء الجسم المشتركة فى العزف على المزمار.
إن تلك الآلات ذاتية الحركة يمكن مشاهدتها اليوم فى الميادين المركزية فى العديد من المدن الأوروبية، حيث تتمشى أشكال ميكانيكية فى صورة دائرية، تقوم خلالها بدق الطبول وقرع الأجراس بالمطارق كل ربع ساعة. وفى كاتدرائية ستراسبورج الفرنسية، تنتصب شخصيات توراتية وتنحنى كل ساعة أمام تمثال للسيدة مريم العذراء، بينما يفتح ديك منقاره ويخرج لسانه ويرفرف بأجنحته ويطلق صياحه.وفى كاتدرائية ويلز بإنجلترا يدور إثنان من الفرسان المدججين بالأسلحة حول بعضهما كما لو كانا يتقاتلان، ومع دقات الساعة معلنة مرور ساعة، يتمكن أحد الفرسان من إسقاط الآخر من على صهوة جواده.
وقد اعتقد علماء وفلاسفة ذلك العصر، أن ذلك النوع من تكنولوجيا الساعات، يمكن أن يحقق حلمهم فى خلق كائن صناعى. وغنى عن البيان أن الآلات ذاتية الحركة فى صورتها الأولى كانت تعطى ذلك المظهر. ونستطيع أن نتصور تلك الآلات كما لو كانت دمى ديزنى المتحركة فى عصرهم، وليس من الصعب أن نفهم لماذا استخلص الناس من ذلك أن الكائنات الحية إنما هى ببساطة نوع من تلك الآلات.