السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

23 يوليو والتنمية.. الثورة شهدت بداية سياسة صناعية حقيقية في مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في الذكرى الـ٥٣ لرحيل الرئيس جمال عبد الناصر، نحاول أن نناقش فى هذا المقال ثلاث مراحل مهمة، لنصل إلى خلاصة ما حققته الثورة للاقتصاد المصرى.
أولا: واقع الاقتصاد المصري قبل ثورة يوليو ١٩٥٢: 
ساد النظام الاقتصادي المصري قبل الثورة ملكية خاصة لأدوات الإنتاج، وتركيز الملكية في أيدى قلة من الإقطاعيين وتحول معظم الفلاحين المصريين إلى عمال مستأجرين يتحكم فيهم كبار الإقطاعيين، وسيطرت فئة لا تتعدى ٢٪ من رجال أعمال القطاع الخاص المحلى مع  المستثمرين الأجانب على المنشآت الصناعية والتجارية والائتمانية والعقارية، وكانت صناعة الغزل والنسيج نموذجًا لذلك، مما دفع قيادات عمال هذه المصانع خاصة في مصانع شبرا الخيمة والمحلة وحلوان  ليكونوا عناصر قيادية فاعلة في الحراك السياسي للشعب المصري ما قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ في المظاهرات والانتفاضات الشعبية، وبرز هذا الدور بوضوح في لجنة الطلبة والعمال في ٤ مارس سنة ١٩٤٦ والتي شكلت إلى جانب فضيحة الأسلحة الفاسدة في حرب ١٩٤٨ المقدمة الأولى التمهيدية لانطلاق ثورة يوليو ١٩٥٢.
ويضاف إلى ما سبق سيطرة أجنبية شبه كاملة على شركات تكرير السكر وحلج القطن وشركة سكة حديد الدلتا وأنشطة البورصة المالية وبورصات المحاصيل والغلال الزراعية إلى جانب البنك الأهلي (بنك الإصدار في مصر – وظيفة من وظائف البنك المركزي).
ثانيا: برنامج السنوات الخمس للتصنيع من ١٩٥٧ حتى ١٩٦٠ 
كان هدف هذه المرحلة، مضاعفة نصيب الفرد من الدخل القومي ونمو الصناعة خلال عشرين سنة، وإعطاء فرصة للقطاع الخاص بالمشاركة في عملية التنمية الأقتصادية، والاهتمام بالصناعة.
ويمكن تلخيص أهم إنجازات هذه المرحلة فيما يلى: 
سمحت الثورة للرأس المال الأجنبي بالمشاركة بـ٥١٪ من رأس المال، وأفسحت المجال للقطاع الخاص، وظل الإقبال على المشروعات الصناعية ضعيفا. ولذلك تقرر إنشاء وزارة للصناعة، ووضع برنامج خمس سنوات للتصنيع، وتم في ١٩٥٧ إنشاء المؤسسة الاقتصادية لإدارة الشركات والمنشآت الأجنبية التي تم ُتمِصّيرها. وتم دمج مجلسي الإنتاج والخدمات فيها.
وفى عام ١٩٥٧ أنشئت الهيئة العامة للسنوات الخمس والمؤسسة الاقتصادية وركزت استثماراتها في البنوك وشركات الثروة المعدنية والتجارة والنقل والغزل والنسيج. ولذلك تعتبر سنة ١٩٥٧ بداية لسياسة صناعية جديدة في مصر من ناحية كم الاستثمارات وكذلك من جهة التوزيع الإقليمي للصناعة، في ضوء اقتصاديات التوزيع الجغرافي للخامات والطاقة والمرافق والعمالة المطلوبة.
وأنشئت مؤسسة النصر لتتولى إدارة الشركات العامة في مواجهة تلاعب الرأسماليين بأسعار التصدير والاستيراد لتهريب رؤوس أموالهم. وعندما طالبت الحكومة بالاكتتاب في سندات الإنتاج بنسبة ٥٪ من صافي الأرباح تعمد معظمهم المبالغة في حجم الأرباح الموزعة. وكان من أسوأ مجالات الممارسات التلاعب في أسعار الأدوية عن طريق وكلاء في دول غير منتجة كاليونان، لتهريب الأموال برفع الأسعار.
وتبرز هنا أهم السياسات والقرارات التي اتخذتها حكومة الثورة لمواجهة تلاعب وعدم جدية رجال الأعمال وشركات القطاع الخاص والشركات الأجنبية، ومنها على سبيل المثال: التمصيــر لمواجهة النفوذ الأجنبي، حيث تم تمصير البنوك وشركات التأمين وعمليات التجارة الخارجية، كما قامت المؤسسة بشراء موجودات ١٩ شركة أخرى من الشركات الخاضعة للحراسة.
وتكونت نواة قطاع عام في مجال الائتمان والتمويل والصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب والكيماويات وغيرها وكذلك في بعض الصناعات الخفيفة الهامة، حيث سيطرت المؤسسة الاقتصادية على شركات السجائر "الشركة الشرقية للدخان" و"السكر والتقطير المصرية". وتمت السيطرة على أربعة بنوك تجارية تمثل في مجموعها حوالي ٤٥٪ من نشاط الجهاز المصرفي وعلى كبرى شركات التأمين في مصر. ومارس القطاع العام دورا مهما في صناعة التعدين واقتحم مجال التنقيب عن البترول.
ومن العقبات التي واجهت برنامج الخمس سنوات تعمد بعض الدول الأوروبية تجميد أرصدة مصر وفرض حصار اقتصادي على البلاد.
وقدم الاتحاد السوفيتي أكثر من ثلث التمويل اللازم لتمويل هذا البرنامج. وارتبط نقل رؤوس الأموال بنقل التكنولوجيا ومنتجات التكنولوجيا أيضا، أي ارتبط بنقل كل من المعرفة والخبرة الفنية من جهة، والآلات والمعدات من جهة أخرى..
واتخذت الدولة خطوة حاسمة وجذرية، وذلك بتأميم كل من بنك مصر والبنك الأهلي المصري حيث يسيطر بنك مصر على نحو ٢٠٪ من الإنتاج الصناعي وكانت أصوله تبلغ حوالى ثلث أصول البنوك التجارية مجتمعة وودائعه أكثر من ٤٠٪ من مجموع ودائعها، أما البنك الأهلي المصري فقد كان بمثابة البنك المركزي الذى يشرف على الجهاز المصرفي ويقوم بإصدار البنكنوت وتحديد سياسة الائتمان وتحتفظ الحكومة لديه بحساباتها. 
ثالثا: التخطيط والتأميم منذ ١٩٦١ حتى ١٩٧١
استهدفت هذه المرحلة مضاعفة الدخل القومي عن طريق تنمية كافة القطاعات مع التركيز على التصنيع، وزيادة الدخل القومي بنسبة (٣٩.٧ ٪)، وقد تحققت أهداف الخطة بنسبة (٩٧٪)، وكذلك تحققت خطة رأس المال عموما بنسبة (٩٦٪). وفي نفس الوقت تعدت الزيادة في العمالة والأجور بالنسب المحددة لها في الخطة، واستكملت الخطة بزيادة الدخل القومي بنسبة (٨٩.٩ ٪).
وبفضل الخطة الخمسية الأولى تفوقت مصر بمؤشراتها الاقتصادية على كوريا الجنوبية حيث بلغ الناتج المحلى الإجمالي المصري ٥.١ مليار دولار وبلغ نصيب الفرد منه ١٧٣ دولارا، في حين بلغ الناتج المحلى الإجمالي الكوري الجنوبي ٣ مليارات دولار وبلغ متوسط نصيب الفرد منه ١٠٥ دولارات.
وكان من أهم العقبات التي واجهتها الخطة الخمسية الأولى ١٩٦٠-١٩٦٥، تلف محصول القطن عام ١٩٦١/١٩٦٢، ثم التوقف كنوع من الضغط السياسي للمعونات الغذائية التي تقدمها أمريكا في عام ١٩٦٤/١٩٦٥، وكان لذلك تأثير سلبي على الخطة.
أهم إنجازات الخطة الخمسية الأولى ١٩٦٠-١٩٦٥: 
أولا: تحقيق متوسط لمعدل النمو الاقتصادي السنوي في مصر في الخمس سنوات إلى (٦.٥٪). وهذا يعني أنها تخطت معدلات النمو في كثير من الدول النامية والتي كانت بين (٣-٥٪).
ثانيا: تحقيق سيطرة الدولة على الإنتاج وخاصة الصناعي، وتم إنشاء مؤسسة مصر، ومؤسسة النصر، وبذلك وجدت ثلاث مؤسسات رئيسية للقطاع العام هي: المؤسسة الاقتصادية، ومؤسسة مصر، ومؤسسة النصر.
ثالثًا: صدر قانون لتنظيم سوق القطن والذي ألغي بورصة العقود وحظر الاشتغال بتصدير الأقطان على غير الشركات المساهمة الوطنية بما لا يقل عن ٣٥٪ من رأسمالها ثم رفعت النسبة إلى ٥٠٪ بهدف تمصير سوق القطن وضمان تدخل الدولة في هذا الموقع الذي كانت تسيطر عليه القوى الأجنبية والاحتكارية المحلية.
رابعًا: تأميم ٨٠ شركة، منها البنوك وشركات التأمين والتجارة الخارجية وتجارة الأخشاب والنقل والمياه والأراضي العقارية وعدد من الشركات الصناعية مثل مصانع النحاس، والدلتا للصلب، والأهلية للصناعات المعدنية، وأبو زعبل، وكفر الزيات للأسمدة، وشركات الأسمنت. وساهمت الحكومة بمقدار ٥٠٪ من رأسمال ٨٣ شركة أخرى تضم أساسا شركات مقاولات وتجارة، وبعض الشركات الصناعية مما يعنى تأميم هذه الشركات تأميمًا جزئيًا.
خامسًا: تحديد الحد الأقصى للملكية الفردية الزراعية بما لا يزيد على مائة فدان، وإعفاء الفلاحين من نصف الثمن ومن كل الفوائد، وتم إعفاء الفلاحين من ثلاثة أرباع أقساط الأرض.
سادسًا: تخصيص ٢٥٪ من الأرباح الصافية للشركات للموظفين والعمال، على أن توزع نسبة ١٠٪ منها في شكل أرباح نقدية، ويخصص الباقي للخدمات الاجتماعية والإسكان.
النتائج التنموية المباشرة لهذه المرحلة:
١ - بلغت قيمة الاستثمارات نحو ١١٤٨ مليون جنيه بمتوسط سنوي قدره ٢٨٧ مليون جنيه، وتحمل القطاع العام وحده تنفيذ ٩١٪ من هذه.
٢ - بلغت الزيادة المقدرة للأجور في عام ٦٤/٦٥ وقدرها ٩١ مليون جنيه فقد تمثل إسهام القطاع العام بنحو ٧٣.٦ مليون جنيه بنسبة ٨١٪.
٣ - زيادة إجمالي الدخل المحلى في فترة الخطة الخمسية بنسبة ٣٧.١٪ أي بمعدل سنوي قدره ٦.٥٪ في المتوسط، وذلك بتنفيذ استثمارات قدرها ١٥١٣ مليون جنيه.
٤ - زيادة العمالة بنحو ١٣٢٧ ألف عامل أي بمتوسط سنوي يبلغ ٢٦٥ ألف عامل.
٥ - شهدت الفترة بين ١٩٦٥ و١٩٧٠ إقامة ١٥٥ مصنعا وارتفعت قيمة الإنتاج الصناعي بالأسعار الجارية من ٦٦١ مليون جنيه عام ١٩٦٠ إلى ١١٤٤ مليون جنيه عام ١٩٦٥ واستمرت الزيادة في الإنتاج الصناعي إلى ١٦٣٤ مليون جنيه عام ١٩٧٠ وإلى ١٨٠٩ ملايين جنيه عام ١٩٧١.
ملاحظة هامة:  الأداء للاقتصاد المصري المتميز كان يتم في ظل خسائر عالية من جراء نسف إسرائيل لمصانع منطقة قناة السويس وتسخير معظم الإنتاج الصناعي لسد احتياجات الجيش وذلك يجعلنا ننظر للتجربة الناصرية بكثير من الفخر والاعتزاز. 
٦ - في عام ١٩٦٩ حقق الميزان التجاري ولأول مرة في تاريخ مصر زيادة لصالحه مقدارها (٤٦.٩ مليون جنيه) الأمر الذي يؤكد كفاءة الإدارة الناصرية للأوضاع الاقتصادية.
الخلاصة:
إن ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ حققت إلى جانب الإنجازات الاقتصادية الكثير من التقدم على محور النمو والعدالة الاجتماعية حيث تجاوزت نسبة ٧٥٪ في الاستيعاب لمرحلة التعليم الإلزامي، وارتفع عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية من ١.٦ مليون إلى ٣.٨ مليون، وعدد تلاميذ المدارس الإعدادية والثانوية من ٢٥٠ ألفا إلى ١.٥٠٠.٠٠٠ وعدد طلاب الجامعات من ٤٠ ألفا إلى ٢١٣ ألفا.
وتحققت هذه النتائج الإيجابية رغم تحمل الاقتصاد المصري تكاليف بناء مجمعات صناعية عملاقة كمجمع الألومنيوم في نجع حمادي والحديد والصلب في حلوان على سبيل المثال، وكذلك إتمام بناء السد العالي والذي اعتبرته الأمم المتحدة عام ٢٠٠٠ أعظم مشروع هندسي تنموي بالقرن العشرين.


أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية