الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

إبراهيم نوار يكتب: وقائع قمة الإنقاذ.. تمويل التنمية المستدامة فى دول العالم مهمة ضرورية.. لكن المال وحده لا يشترى التنمية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هذا العنوان الذى اخترناه لخاتمة متابعة لقمة التنمية المستدامة فى العالم، التى عقدت فى الأمم المتحدة يومى ١٨ و١٩ من الشهر الحالى، ينطوى على تأكيد حقيقتين، الأولى هى أن هناك التزاما عالميا، حتى لو كان ناقصا فى صيغته التنفيذية، لتمهيد طريق للتنمية أمام مئات الملايين من البشر الذين يعيشون فى الدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط وفى الدول الفقيرة من أجل حياة أفضل للجيل الحالى والأجيال القادمة. هذا الالتزام لا شك فيه من حيث المبدأ. 
أما الحقيقة الثانية التى ينطوى عليها عنوان المقال فهى أن الإعلان السياسى الصادر عن قمة التنمية المستدامة، بينما يؤكد الحقيقة الأولى إلا إنه يتجاهل مبدأ مسئولية حكومات الدول النامية والفقيرة ومؤسساتها وقطاعات الأعمال الخاصة فيها عن المشاركة فى صنع التنمية المستدامة. 
حكومات هذه الدول مسؤولة مسئولية كاملة على أسس مبادئ الحوكمة والشفافية والمحاسبة عن السياسات التى، ربما تؤدى رغم وفرة موارد التمويل، إلى إخفاقات تتسبب فى تحويل حياة الجيل الحالى والأجيال القادمة إلى جحيم، وتحميل الأجيال المقبلة تكلفتها. 
ومن ثم فإننى سأتناول فى هذا المقال نقطتين: الأولى هى دلالة تجديد الالتزام العالمى بأهداف التنمية المستدامة، والثانية هى عقد مقارنة بين أداء دولتين من أهم الدول ذات التجارب التنموية فى العالم، هما الأرجنتين وفيتنام. 
الأرجنتين تقدم للعالم تجربة فاشلة يجب تجنبها وتركها، تؤكد خطورة الديون على التنمية حاضرا ومستقبلا. أما فيتنام فإنها تقدم للعالم تجربة تنموية ناجحة، تؤكد مبدأ المسئولية الوطنية فى المشاركة فى صنع التنمية المستدامة بموارد تمويل محلية جنبا إلى جنب مع التمويل الأجنبى فى صوره المختلفة، التى لا تقتصر على القروض، مع وضع سقف لهذه القروض، بما يحمى فرص التنمية المستدامة ولا يهددها. 


فجوة الـ٥٠٠ مليار دولار
خلال قمة التنمية المستدامة فى الأمم المتحدة وصف أحد الوزراء استراتيجية التنمية المستدامة بأنها «ماجنا كارتا العصر الحاضر»، تشبيها لها بالوثيقة الإنجليزية التاريخية التى صدرت فى أوائل القرن الثالث عشر الميلادى لتضع ميزانا للعلاقة بين الملك والنبلاء والشعب، على اعتبار أنها تحدد الحقوق والواجبات الواقعة على كاهل الدول المختلفة الغنية والفقيرة، الحرة والخاضعة، فى مجال تحقيق التنمية. 
وأرجع كثير من المتحدثين إخفاقات التنمية، خصوصا فى الدول الفقيرة والنامية المتوسطة والمنخفضة الدخل إلى عوامل خارجية، لا حيلة لتلك الدول حيالها. 
وقد يكون فى هذا التفسير قدر كبير من الصدق، لكنه لا يصلح لتفسير كل الإخفاقات، حيث إن بعض الدول النامية نجحت، على الرغم من الظروف الخارجية المعاكسة، فى تحقيق تقدم مهم مثل صربيا وجمهورية التشيك وإستونيا، بينما دول أخرى تمتلك مقومات مهمة لتحقيق التقدم أخفقت، بل وساءت ظروفها بصورة كبيرة عن ذى قبل مثلما هو الحال فى دول مثل لبنان وسورية واليمن والسودان. 
وأظهر الإعلان السياسى الصادر عن القمة تصميما أمميا من جانب الأمم المتحدة ومؤسسات التمويل الدولية والمنظمات الاقتصادية العالمية مثل البنك الدولى ومنظمة العمل الدولية، ومن جانب قادة العالم، بما فى ذلك قادة الدول الصناعية الغربية، على المضى قدما فى الالتزام بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، التى تم الاتفاق عليها فى عام ٢٠١٥، وذلك فى الموعد المحدد وهو عام ٢٠٣٠. ومع ذلك فإن إعادة تأكيد الالتزام، الذى ورد فى الإعلان السياسى للقمة، لا يكتسب القدر من الثقة الذى يكفى لتجديد اليقين بهذا الالتزام، وإنه يعنى عمليا ما تنص عليه الكلمات. ويؤكد الإعلان بصورة قاطعة أنه «بدون تصحيح فورى لمسار التقدم نحو تحقيق الأهداف وتسريع وتيرته، سيكون مصير عالمنا هو استمرار المعاناة من الفقر والأزمات المطولة وانعدام اليقين المتزايد». 
وطبقا لما توصل إليه الدكتور محمود محيى الدين، مبعوث الأمم المتحدة الخاص المسئول عن أجندة تمويل استراتيجية التنمية المستدامة، فإن هناك فجوة عالمية فى احتياجات التمويل تصل إلى ٥٠٠ مليار دولار سنويا، بحلول عام ٢٠٢٥. ومن الضرورى أن يتبنى العالم خطة حقيقية قابلة للتنفيذ لتغطيتها من أجل ضمان النجاح فى تحقيق الخطة ٢٠٣٠. وقد أوضح جيفرى ساكس، أحد رواد الفكر التنموى فى العالم حاليا، الذى أشرف على إعداد التقرير النهائى لمراجعة ما تحقق من أهداف خطة التنمية حتى الآن، أنه من الضرورى أن تتبنى الأمم المتحدة والدول الأعضاء ومؤسسات التمويل الدولية برنامجا لتعزيز الاستثمارات، وإصلاح هيكل النظام المالى العالمى، ليصبح أكثر قدرة على تحقيق مستوى أعلى من الالتزام بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويعيد التقرير التأكيد على ما دعا إليه محيى الدين بشأن زيادة تدفقات الاستثمار إلى المجالات الضرورية. 


وتتضمن الدعوة إلى إصلاح هيكل التمويل العالمى Global Financial Architecture تحقيق ست متطلبات رئيسية نذكر منها زيادة التدفقات المالية إلى الحكومات المركزية والمحلية والقطاع الخاص زيادة هائلة خصوصا فى الدول النامية ذات الدخل المتوسط والمنخفض، بهدف تيسير الاستثمارات اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومراجعة معادلات التقييم الائتمانى وشروط منح الائتمان، لتيسير التمويل بواسطة قروض ميسرة طويلة الأجل، ومراجعة مقومات هيكل السيولة للدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط، خصوصا فيما يتعلق بالديون السيادية، وغير ذلك من معايير ومقومات التمويل، بما يعزز آليات وهياكل التمويل المستدام، ويقلل تكلفة استثمارات التنمية لكل المؤسسات المعنية، بما فى ذلك أجهزة الحكم المحلى والقطاع الخاص. 
ويبدو من التقارير المعروضة للبحث والتقييم على قمة التنمية المستدامة وأجهزة المؤسسات الدولية المعنية بها أن هناك قدرا كبيرا من الإجماع على أهمية زيادة إتاحة التمويل الكافى بشروط مقبولة، من أجل الإسراع فى تحقيق أهداف التنمية، والتغلب على نواحى القصور التى تم رصدها فى السنوات السبع الماضية. هذا التركيز على توفير التمويل مهم جدا، لكنه يتطلب أيضا وضع قواعد لضمان الشفافية والعائد المقبول على الاستثمار، مترافقا مع القدرة على سداد الأعباء المترتبة على التمويل، سواء المحلى أو الخارجى. المعضلة التى تواجه الدول النامية فى حال ارتفاع تكلفة التمويل، هى أن أعباء السداد تلتهم نسبة كبيرة مما يمكن تخصيصه لتمويل استثمارات التنمية، حتى أصبحت أعباء سداد الديون فى بعض الأحوال هى المحرك الرئيسى للمالية العامة، والبند الأساسى بين بنود المصروفات الحكومية. 
وليس فى مصلحة الدول النامية أن تحصل على تمويل رخيص، تسيء الإدارات الحكومية استخدامه، ثم يقع على عاتق المواطنين سداد أعبائه. ونحن نرى كيف أن نادى الدول النامية المتعثرة فى سداد ديونها، أو تلك التى تتزايد احتمالات تعثرها، تحاول تجنب التعثر أو احتمال حدوثه باقتراض المزيد من الأموال. ومع أن بعض الدول المدينة تعتبر أن توسعها فى الاقتراض من الخارج يعكس قوة الثقة فى قدرتها على السداد، وتحتفل بذلك، فإن هذه النماذج من الدول، ومنها الأرجنتين وسريلانكا فى الوقت الحاضر، تتعرض لقيود ثقيلة على التنمية، بسبب التوسع فى الاستدانة، حيث أصبحت معادلة تشغيل الاقتصاد مسخرة فى نهاية الأمر لسداد أعباء المديونية، وليس لتحقيق التنمية المستدامة. 
تمويل الاستثمارات الاجتماعية
جانب آخر من معضلة التمويل يتعلق بحقيقة أن جزءا مهما من أهداف التنمية المستدامة يتعلق بتحقيق استثمارات ذات عائد اجتماعى أساسا، مثل تحسين جودة الرعاية الصحية، ورفع مستوى جودة التعليم وتوسيع دائرة شموله، وتوفير شبكة كافية للمياه النقية والصرف الصحى لأوسع قطاعات ممكنة من المواطنين. هذه الاستثمارات ذات العائد الاجتماعى المرتفع تدر عائدا اقتصاديا مهما جدا على المدى الطويل. ومن ثم فإنها تحتاج إلى شروط تمويلية ميسرة، وهو ما يؤكد أهمية توفير قنوات ميسرة للتنمية المستدامة، وتوفير موارد وقنوات تدفقات جديدة لرفع قيمة التدفقات إلى ٥٠٠ مليار دولار سنويا فى السنوات القادمة حتى عام ٢٠٣٠. الاقتصار على التمويل الخارجى والتمويل بالعجز يكرس نزعة فاسدة فى الأنظمة المالية للدول النامية عموما، لا توفر الاهتمام الكافى لتعظيم المدخرات المحلية، ومن ثم رفع معدل الادخار على المستوى الوطنى فى كل بلد، ثم تعبئة هذه الموارد وضخها فى قنوات الاستثمار المحلى الذى يخدم أهداف التنمية المستدامة. 


بين فيتنام والأرجنتين
حتى منتصف ثمانينات القرن كانت فيتنام واحدة من أفقر بلدان العالم، فى حين كانت الأرجنتين دولة نامية غنية ذات دخل مرتفع. وفى الوقت الذى كان فيه الفيتناميون يعيشون على زراعة الأرز وصيد الأسماك، كان الأفراد فى الأرجنتين يتمتعون بمستوى معيشى مرتفع، ينعمون فيه بوفرة الموارد وتنوع الاقتصاد الزراعى - الصناعى. 
فى الوقت الحاضر تبدو الصورة مختلفة تماما، ليس لأن الأرجنتين فقدت موارد ثرواتها البحرية والزراعية والمنجمية والصناعية، وليس لأن عوامل جيوسياسية خارجية أضعفتها، لكن لأنها وقعت ضحية للديكتاتورية والفساد السياسى والاقتصادى. فيتنام فى المقابل إستطاعت منذ أواخر ثمانينات القرن الماضى أن تصبح واحدة من أسرع الدول نموا فى العالم، وتحولت من دولة فقيرة متخلفة إلى دولة نامية صاعدة خلال جيل واحد. 
واستطاعت تحقيق ذلك بفضل تعبئة كافة الموارد المحلية الممكنة، رغم قلتها مقارنة بالأرجنتين، ورغم أن عدد سكانها يزيد عن ضعف عدد سكان الأرجنتين. ومع أن متوسط الدخل الفردى فى الأرجنتين ما يزال أعلى بمقدار الضعف تقريبا مقارنة بنظيره فى فيتنام، فإن ترتيب الأخيرة فى جداول تقييم التنمية المستدامة الصادرة أخيرا عن الأمم المتحدة يشير إلى أنها تحتل المركز ٥٥ مقارنة بالأرجنتين التى تحتل المركز ٥١ على الرغم من الفارق التاريخى فى التنمية والتقدم الاقتصادى والاجتماعى. بل إن دولة نامية صاعدة جديدة هى تايلاند تفوقت على الأرجنتين محققة المركز ٤٣ عالميا على جدول تحقيق أهداف التنمية المستدامة. تايلاند قصة تجربة تنموية أخرى تستحق النظر والدراسة. 
هذه المقارنة على أساس المتوسط الحسابى للتقدم على طريق تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع انها تشير إلى لحاق فيتنام تقريبا بالأرجنتين (درجة التقييم على الجدول العام هى ٧٣.٣ لفيتنام مقابل ٧٣.٧ للأرجنتين) تخفى فروقا عميقة، من الضرورى الإشارة إليها وإلى ما تنطوى عليه هذه الفروق من دلالات. وحتى إذا أخذنا بأهم مؤشرات متوسط الأداء فإن فيتنام تفوقت على الأرجنتين فى نسبة المؤشرات التى تسير على الطريق السليم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بنسبة ٣٥.٧٪ مقابل ٣٤.٨٪ للأرجنتين. 
وإذا أخذنا بعض المؤشرات الرئيسية مثل القضاء على الفقر وتحقيق جودة التعليم على سبيل المثال، نجد أن فيتنام نجحت فى النزول بمعدل الفقر القومى محسوبا على أساس ٣.٢٥ دولار للفرد يوميا إلى ٤.٢٪ بنهاية العام الماضى ٢٠٢٢. فى المقابل فإن معدل الفقر القومى فى الأرجنتين ارتفع فى نهاية العام الماضى إلى أكثر من ٣٩٪. ويقدر خبراء معهد الإحصاءات الأرجنتينى إنه يتراوح فى الوقت الحاضر بين ٤٢ - ٤٣٪. وفى التعليم حققت كل من فيتنام والأرجنتين مستوى مرتفعا من الأداء، لكن التقدم فى فيتنام كان أحد أهم عوامل قوة الأداء التنموى عموما، إلى جانب مؤشرات النمو الاقتصادى. 
الادخار المحلى لتمويل التنمية
أهم ما يميز مؤشرات التنمية الاقتصادية فى فيتنام، على الرغم من الفقر النسبى فى مواردها الطبيعية مقارنة بالأرجنتين، هو الاعتماد بصورة أساسية على تعبئة الادخار المحلى فى تمويل التنمية، وليس الاقتراض من الخارج. كما تتميز فيتنام أيضا بارتفاع جاذبية قطاعاتها الاقتصادية للاستثمار الأجنبى المباشر، وليس للمضاربات المالية بواسطة التدفقات المالية قصيرة الأجل. ونذكر هنا أن نسبة الدين الحكومى إلى الناتج المحلى الإجمالى فى فيتنام تبلغ ٤١٪ مقابل ٨٥٪ فى الأرجنتين. وان معدل الادخار المحلى فى فيتنام يبلغ ٣٦.١٪ فى المتوسط سنويا منذ عام ٢٠١٠ حتى الآن، مقابل ١١٪ فى الأرجنتين فى المتوسط خلال الفترة من ٢٠٠٤ حتى الآن. 
نحن إذن أمام نموذجين مختلفين للتنمية، واحد ناجح هو النموذج الفيتنامى، والثانى فاشل هو النموذج الأرجنتينى. مركز الخلاف بين النموذجين هو مبدأ المسؤولية الحكومية ومعايير الشفافية والمحاسبة ومستوى المنافسة الصحية فى السوق. فى فيتنام توجد حدود مقررة بالقانون لإخفاقات الحكومة، منها تحديد حد أقصى للدين الحكومى، لا يمكن تجاوزه. كما توجد حدود قوية لضمان انضباط السوق والحد من إخفاقاتها أيضا. أما فى الأرجنتين فإننا نرى أن انتشار الفساد السياسى والاقتصادى بعد عقود طويلة من الديكتاتورية والتسلطية يمثل أساس الانهيار الاقتصادى الذى تعانى منه، فلا العالم تأخر فى مد يد العون لها ماليا، ولا تخلى عنها عندما طلبت إعادة جدولة ديونها، أو عندما طلبت عشرات المليارات لإعادة تمويل ديونها القائمة. 
وقد تعرضت فيتنام كغيرها من دول العالم إلى ظروف خارجية بيئية واقتصادية وجيوسياسية سلبية، لكنها استطاعت بفضل حسن الإدارة وقوة التحمل أن تعبر أسوار تداعياتها السلبية. خلال الفترة بين عامى ٢٠١٦ و٢٠٢٢ استطاعت حكومة فيتنام المحافظة على عمل محركات النمو المحلى بقوة، مع ضبط معدل التضخم واستقرار سعر الصرف. وقد استعاضت الحكومة عن التوسع فى التمويل المحلى والخارجى بتشجيع الادخار والاستثمار على المستوى المحلى، وزيادة جاذبية السوق للاستثمار الأجنبى، والمحافظة على سياسة شفافة ومستقرة، مع تركيز الاستثمار فى مجالات التجديد التكنولوجى، وتوطين صناعات أكثر تنوعا خصوصا فى قطاعات الالكترونيات والسيارات والأجهزة الكهربائية. واستطاعت فيتنام تخفيض معدل انتشار الفقر من ١٦.٨٪ عام ٢٠١٠ بمقدار أربع مرات خلال أقل من نصف جيل، كما استطاعت مضاعفة متوسط الدخل الفردى أكثر من خمس مرات، من ٤٨١ دولار للفرد سنويا قبل تبنى سياسة الانفتاح والإصلاح الاقتصادى فى عام ١٩٨٦ إلى ٢٦٥٥ دولار للفرد فى عام ٢٠٢٠ ومن المتوقع أن يقفز الى ٣٨٧٥ دولار بنهاية العام الحالى. ومن ثم تحولت من دولة فقيرة إلى دولة من ذوى الدخل المتوسط المنخفض. وهى تسعى الآن للانتقال إلى فئة الدول النامية ذات الدخل المرتفع، بلا حاجة شديدة لزيادة الاستدانة المحلية أو الخارجية، وإنما اعتمادا على تعبئة المدخرات المحلية للاستثمار، وزيادة القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية. 
وإلى جانب أهمية مبادئ مسئولية الحكومات الوطنية فى الدول النامية، وضرورة محاربة الفساد وتوفير الشفافية والاستقرار فى السياسات العامة، وحرية المنافسة العادلة فى السوق، وضمان انضباط العلاقات بين مكوناتها فى مراحل علاج التشوهات الناتجة عن فترات سابقة، كمحركات أساسية للتنمية المستدامة، فإننا يجب أن نشير أيضا إلى أهمية الدور الذى تلعبه الظروف الجيوسياسية على عملية التنمية المستدامة، وهو الدور الذى نعتقد أيضا انه يترك أثرا أكبر بكثير من مجرد إتاحة التمويل الخارجى. وتبين جداول التنمية المستدامة أن أكثر خمس دول فى العالم أظهرت أكبر معدلات التراجع، فى أكبر عدد من مؤشرات التنمية المستدامة، كانت ميانمار، وفنزويلا، وبابوا - غينيا الجديدة، واليمن ولبنان. 
هذه النتائج فى هذه الدول تعكس التأثير السلبى للظروف الجيوسياسية، التى قد يكون بعضها ناتجا عن ضغوط خارجية مثل حالة فنزويلا، لكن معظمها بلا شك يعكس تأثير فشل الدولة والخلل الهيكلى فى العلاقات البيروقراطية - المدنية أو العسكرية - المدنية، كما هو الحال فى لبنان واليمن. 
المال وحده لا يشترى التنمية، بل إن مهارة الدولة والقيادة تلعب دورا جوهريا فى تعبئة مقومات التنمية أو هدرها.