الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فقراء وتعساء أيضًا!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في الدول النامية، البشر أنواع.. أناس يجب أن يُقال لهم: مِن أين لكم هذا؟

وأناس يُقال لهم: كثير عليكم هذا!..

وأناس يُقال لهم: قليل عليكم هذا..

وأناس لا يُقال لهم كثير أو قليل عليكم هذا.. لأن وجودهم في الأساس خطأ جسيم!.. 

البعض يُولد كل يوم.. والآخرون يموتون كل يوم.. أناس يعودون كل ليلة إلى قصورهم وآخرون إلى المقابر أو المنازل الضيقة!.

بمقياس المال.. يعيش بعض البشر كالحيوانات في حين تحيا بعض الحيوانات مُنعمة كالبشر، بمقاييس السلوك والتربية كلنا «مؤدبون» حتى نختلف وتظهر الألحان من جميع الأعضاء.

بنظرة ميكافيلي، نحن أصحاب مصلحة نتعاون لتحقيقها ثم نتشاجر لنتقاسمها، لا نجيد الفساد ولا العمل بـ«شرف».. الحقيقة نحن لا نُجيد شيء سوى الفهلوة «اخطف واجري». 

الثقافة والتعليم، هي العدالة الوحيدة في الدول النامية.. فكل فئات المجتمع تنتمي إلى العالم الثالث، حتى حينما يسافرون إلى أجزاء الكوكب المتقدم يعاملون درجة ثالثة، وقد يتطور الأمر لحالة هلع تجاه تلك الكائنات المكتظة «كروشهم» بالمال وينفقونها كالحيوانات أيضًا، فمن الصعب تفسير التَّصرُّفات غير السوية لأثرياء الدول المُتخلفة، فلا هم حيوانات غير عاقلة يجب أن يعاملوا برفق.. ولا هم بشر أسوياء يُمكن مُحاسبتهم على تصرفاتهم!.

التكوين المجتمعي في الدول النامية يُخالف العلم والدين والأعراف، هناك خلل واضح وصريح يمنع أية تفاعلات حقيقية.. هناك في تلك البلاد البعيدة المُتخلفة الطبقات واضحة.. هؤلاء أغنياء وسيبقون كذلك، وهؤلاء فقراء ولن يسمح لهم أحد بأن يكونوا غير ذلك. 

يقول أنيس منصور، رغم أن الفقراء أغلبية إلا أن نصيبهم في الحياة أقل من القليل، فرصهم في الحياة ضيقة، يتخبطون في الزحام والشوارع الضيقة، الأرزاق ضيقة أيضًا لكن الأفواه كثيرة.

هذا الشخص فقير، ابن فقير وأب فقير، يشعر بالعجز في أن يشتري أي شيءـ وجوه عابسة وابتسامة أقرب إلى الحزن منها إلى الفرح والسعادة.. أحذية تستعمرها الأتربة، منازل مجرد ممرات وصول بين قطع الأثاث المُتهالكة.

الفقراء لا يعرفون الخصوصية.. إذا تحدَّث أحدهم إلى نفسه ليشكوا لها قسوة الزمن، يسمعه كل سكان الحارة، لا فواصل، الجدران لها آذان وألسنة أيضًا، فكل الناس مع كل الناس، وكل واحد له لسان وهذا اللسان يُخبر الحارة بما سمع.

الفقراء لا يعرفون الشعر، ولا سكون الليل، هذا الضجيج الذي تسمعه قبل أذان الفجر، إنه لرجل «قرفان زهقان طهقان» يضرب زوجته، ليس لأنها أخطأت ولكن لأن الدنيا هي التي أبرحته ضربًا فأراد أن يتشارك معها السوء مثلما تواعدا في ليلة زفافهما ليس أكثر ولا أقل، والغريب أنه يضربها وهي تستعد لذلك كل يوم.. وأهل الحارة يسمعون ثم يتناوبون على ضرب زوجاتهم دون مبرر ودون سبب، فلا الرجال جبارين ولا النساء سيئات السمعة.. الكل حزين للمأساة، ولكن غالبًا ما تنتهي المُعاناة بابتسامة وعناق.. وقُبلة بعد أن تُزين خدَّها بالأحمر نتيجة الضرب المُبرح.. هم فقراء ولكن تعساء أيضًا، لا يعرفون الفارق بين الحياة والموت. 

الفقراء يركبون قطار الحياة ويتوقعون في أي وقت خروجه عن القضبان، لتتحول حياتهم البائسة إلى كارثة إنسانية أو مادية وكلاهما «مصيبة».. لحظاتهم السعيدة ليس أكثر من مرور سريع لعربة السبنسة على حقول مُزهرة في رحلة داخل الصحراء القاحلة.