عندما سألت الشاعر المبدع "نزار قباني" وقلت له من فضلك هل يمكن أن تخبرنى عن ما هو الحب عندك؟ أجاب بخبرته الحياتيه وتعوده على حوارات كثيره وقراءته المتعددة ومعرفته بآراء المؤيدين له كأنه كان ينتظر منى هذا السؤال: ياسيدي الحب عبارة عن هرمونية تجمع بين كائنين.. هرمونية جسدية وفكرية...نوع من التآلف بين شخصين بحيث تكون كل أحاسيسهما وكل افكارهما تقريبا متلاقية.. انا لا أفهم أن كائنين أحدهما يحب الشعر والثاني يكره.. كيف يكونا متلاقين.. لابُدّ من إيجاد نوع من الهرمونية بين العقلين.. بين الجسدين.. حتى تخرج سيمفونية وإلا تكون العلاقة علاقة نشاز..
أليس كذلك؟.
والحقيقة شجعنى جرأته فى الحديث عن الحب فسألته وهل تسمح أن تمارس أبنتك الحب؟ أجاب مبتسما "يا سيدي أنا لست شرطيا لأقول لها تفضلي حبى او لا تحبى.. أنا لا أمارس الإرهاب لا على أولادي ولا على أهل بيتي.. مثلما أمارس الحرية وأقدسها فعليهم أن يمارسوا حرياتهم في حدود القناعات المعترف بها.. أنا لست ضد الحب لكنى ضد العهر والتبذل.. انا ضد أن يركض رجل من امرأة إلى امرأة.. هذا هبوط حيواني وانا ضد الحيوانيه.
وعندما وجدته متحمسا في ردوده ومتوهجا في تعبيراته وافكاره قلت له: أنا أعرف من كل قصائدك ما الذي لا يعجبك في المرأة الشرقيه وأنا الآن أريد أن اسالك ما الذي يعجبك فيها؟
بحماس قال: "برافو" هذا سؤال ذكى وأنا اؤكد لك بأن الشعور بالخجل فى المرأة الشرقية يعجبني جدا وهو لا يوجد عند المرأة الغربية.. خجل المرأة الشرقية حلو جميل... العفه عند المرأة العربية والشرقية أهم ما يميزها.. لكن الخجل فى الغرب بضاعه نادره.
سألته عن سؤال كان يهمنى أن أعرف رأيه فيه قلت له: كيف يكتب الشاعر الكبير "نزار قباني" قصيدته؟ رد بسرعة: لا يوجد كيف!... لا توجد كلمة كيف في الكتابة الحقيقية.. كل واحد يكتب بالشكل أو بالساعة او باللحظة أو بالأسلوب الذي يختاره.. لا أفرض رأيا على الكتابة... لكنها هى التي تفرض رأيها عَلَىَّ.. هي التي تمارس إرهابها عَلَىَّ... أكرر: لا أستطيع ان اقول أنني غدًا سانجز كتابة قصيدة.. القصيدة دائما تفاجئني من حيث لا أدري.. فى الطريق.. فى السينما.. فى الطائرة.. ليس لي إراده.. نوع من الانفجار.. زلزال.. وهذا يقع اذا أراد ان يحدث... لا يتنبأ به أحد.
لفت أنتباهى قوله أن القصيدة تمارس عليه إرهابا فاستفسرت منه عما يقصده من أن القصيدة تمارس إرهابا عليه!.. تراجع فى قوله مضيفا: ليس إرهابًا.. إنه نوع من القضاء والقدر.. الكتابه لا تأتى عبثا.. هاجس داخلي يمتلك سلطة داخلية عليك.. اسمع... أحب ان استعمل كلمة سلطة بدل كلمة إرهاب.. فسلطة الشعر هى التي تأمرنا وتوجهنا وتقودنا.
ومن هذا التوضيح قلت له وكيف تولد القصيدة داخلك؟ عاد إليه الهدوء بعد انفعاله وقال: تولد القصيدة من تراكم الأشياء.. هناك زمن بين التأثر والكتابة.. اسميه زمن الاختمار.. مثل المياه الجوفية.. تتجمع داخل الأرض ثم تنفجر.. كذلك القصيدة.. ومن التجارب والثقافة والقراءات.. كل هذا لا يذهب سدى.. مثلا كتبت قصيده بعد عشر سنوات من الانفعال.
شوقنى الشاعر "نزار قبانى" لأعرف أسم هذه القصيدة التى عاشت داخله عشر سنوات فقلت له ما هي؟ قال قصيدة "حبلى" وبدايتها:
لا تَمْتَقِعْ!
هيَ كِلْمَةٌ عَجْلَى...
إنّي لأشعرُ أنّني حُبْلَى...
وصرختَ كالملسوعِ بي...
"كلاَّ"...
سنُمزِّقُ الطفلا...
وأخذتَ تشتُمُني...
وأردتَ تطرُدُني...
لا شيءَ يُدْهِشُني...
فلقد عَرَفْتُكَ دائمًا نَذْلا...
بعد ذلك تذكرت قوله أن الإنسان يعيش مصادفة ويموت مصادفة...قلت له وماذا تقصد من هذا التعبير؟
"بإذن الله الأسبوع القادم أكمل لك حوارى مع "نزار قبانى" أكبر شاعر عربى كتب شعرا فريداعن المرأة والحب"