الخميس 05 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الغاز ومرسي.. والثورة على الفساد.. !!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صحيح أن الرئيس الإخواني، الدكتور محمد مرسي، قد فشل طوال أشهر حكمه الماضية أن يقدم دليلاً واحدًا على قدرة جماعته وعشيرته، وكوادرها، في إدارة شئون البلاد والعباد؛ لكن فرصته في إثبات العكس لا تزال قائمة طالما هو قابع في سدة الحكم.
وإذا كانت المسألة السياسية هي أم المعضلات إلا أنه يستطيع أن يجمّل جانبًا من صورته، ويبدو كرئيس ثوري، كما يحلو له أن يقدم نفسه دائمًا.
والأمر هذه المرة يتعلق بالغاز المصري وأزمة انقطاع التيار الكهربائي التي نعاني منها جميعًا، وكارثة توقف عدد كبير من مصانع الأسمدة عن الإنتاج والمرشح أن تنضم إليها بعد الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب.
فالموضوعية تقضي منا القول بأن الظلام الذي يتهدد ربوع المحروسة قد بدأ شبحه في الظهور مع توقيع أول عقد لتصدير الغاز المصري مع شركة فينيسيا الإسبانية عام ٢٠٠٤ تقريبًا.
وتلا هذا العقد اتفاقات أخرى شابها الفساد وجرائم التربح، التي بررها رأس إمبراطورية البترول المصري حينها، الوزير السابق سامح فهمي، بأنها ستعود على الدولة بالعملة الصعبة التي تحتاجها.
المشكلة الحقيقية في تصدير الغاز المصري لم تكن فقط في حجم العمولات التي دفعت تحت الطاولة مقابل سياسة تسعيرية ظالمة للثورة المصرية، أو في تصديره إلى إسرائيل، وإنما في مبدأ التصدير أصلاً.
طبقًا لما كان بين يديّ وقتها من وثائق وخرائط لحقول الغاز بمصر، كان إجمالي الاحتياطي الإستراتيجي ٦٥ تريليون قدم مكعب، بينما كان الوزير يصر على التصريح أن حجم الاحتياطي الإستراتيجي ١٢٠ تريليون قدم مكعب، دون أن يقدم دليلاً واحدًا يؤكد تلك الأكذوبة، والواقع أن هذا الفارق ليس سوى حقول غاز موجودة في أعماق البحر المتوسط تفوق تكلفة استخراجها قيمتها وجدواها الاقتصادية بمئات المراحل.
ولم يرجع فهمي عن أكذوبته إلا عندما بدأت توابع زلزال التصدير تهز الاقتصاد المصري.
فالاستهلاك المحلي -طبقًا للتقديرات في ذلك الوقت- كان نحو تريليون قدم مكعب، تزداد سنويًّا بنسبة ١٠٪ وأكثر مع التوسع بتوصيل الغاز للمنازل واستخدامه في الصناعات الحيوية كالأسمدة، حيث يدخل فيها الغاز كمادة وقود ومادة خام، علاوة على استخدامه كمادة وقود في محطات توليد الكهرباء؛ لأنه الأنظف بيئيًّا من ناحية، والأكثر تواؤمًا مع سلامة معدات وأجهزة توليد الكهرباء من ناحية أخرى.
وحسب خبراء البترول الذين فجروا فضائح فساد عقود تصدير الغاز، في مقدمتهم خبير اقتصاديات البترول د. إبراهيم زهران، فإن الاحتياطي الإستراتيجي المؤكد (٦٥ تريليون قدم مكعب) يكاد يكفي احتياجات السوق المحلي، وهو ما يعني بالضرورة أن تصدير الغاز كان ولا يزال من أكبر الكوارث على الاقتصاد المصري، لا سيما لو علمنا أن السياسات التسعيرية للتصدير كانت تدعم المستهلك الأوروبي على حساب المستهلك المصري.
ففي مواجهة مع الوزير السابق لم ينفِ أنه باع الألف قدم مكعب لشركة فينيسيا الإسبانية بما قيمته ٧٥ سنتًا، بينما كانت تتكلف عملية استخراجه وتصديره دولارًا وربع الدولار، بل إن وزارة البترول كانت تضطر في بعض الأحيان لشراء حصة الشريك الأجنبي بما قيمته ٢.٦٥ سنتًا، وهو السعر العالمي وقتها، حتى تسطيع الإيفاء باحتياجات التصدير والسوق المحلي، فقد نصت عقود التصدير على غرامة تدفعها مصر عن كل يوم تأخير ٧٥٠ ألف دولار تقريبًا.
وقيل ضمن ما قيل حول فساد تلك العقود أن حسين سالم الذي تصالحت معه حكومة الإخوان كان سمسار صفقة فينيسيا.
المهم في ذلك كله أن تصدير الغاز دفع مصر في العام الأول من تطبيق اتفاقية فينيسيا إلى استيراد نحو ٢ مليون طن، ومثلها من المازوت، ومثلها من السولار، بعد أن كانت هذه الكميات قبل تصدير الغاز.
وبدأ المازوت يحل كمادة وقود في بعض محطات توليد الكهرباء، وهو ما أدى إلى تلويث البيئة، وإلحاق أضرار بالغة بمعدات تلك المحطات، وتطور الأمر حد تعطل عدد كبير منها، وهو ما ظهرت آثاره لاحقًا في أزمة انقطاع التيار الكهربائي الأولى في آخر صيف قضاه مبارك رئيسًا لمصر.
وقد تفاقمت الأزمة لتصل لذروتها في مطلع هذا الصيف فليس الظلام وحده الذي سنعانيه، وإنما أيضًا توقف عدد كبير من مصانع الأسمدة عن الإنتاج كليًّا.
المشكلة أن السياسيين دخلوا على الخط، واختصروا أزمة الغاز في تصديره إلى إسرائيل للمزايدة الرخيصة على نظام الرئيس السابق، وأقول رخيصة لأنها أهملت الكوارث الاقتصادية الناجمة عن مبدأ التصدير، كما أن تلك الأصوات، وفي مقدمتها السفير إبراهيم يسري، قد خسرت حتى عندما زايدت به، وهو التصدير إلى إسرائيل بعد تولي مرسي رئاسة مصر.
ومع ذلك أمام مرسي –كرئيس- فرصة ليمارس ثوريته، ويعوض جانبًا من شعبيته إن أراد، وذلك بأن يعلن الثورة على فساد عقود تصدير الغاز المصري، على أن يستعين بذوي الخبرة، أمثال الدكتور إبراهيم زهران، لا من أهل الثقة أبناء عشيرته؛ لأن هذه الثورة تعني التوقف عن تصدير الغاز، وهو ما يحتاج إلى خبرات قانونية؛ حتى نتفادى الغرامات المنصوص عليها بتلك العقود الفاسدة، كما أنها قد تعني أيضًا مراجعة تلك العقود بشفافية؛ حتى نعرف حقيقة سعر التصدير؛ ومن ثم قد يكون الحل ليس في وقف التصدير وإنما في رفع السعر بما يتناسب مع السوق العالمية لنستخدمه في دفع قيمة ما نستورده من طاقة.
ظني لو أن الرئيس الإخواني محمد مرسي امتلك شجاعة الثورة على إمبراطوريه الفساد في الغاز المصري سينجح في ضرب أكثر من عصفور على الشجرة.