«حرف الألف فى الخط المنسوب هو شكل مئذنته وأعمدته، وعدة مكعبات منقوش على كل منها اسم من أسماء الله الحسنى زينت محرابه ومنبره».. على بعد 20 كيلومترًا من محافظة سوهاج يقع مسجد أبو ستيت، أو «مسجد باصونة» كما أطلق الأهالى عليه نسبة للقرية التى تحتضنه وهى قرية تابعة لمركز ومدينة المراغة بمحافظة سوهاج، وهو يمثل تحفة معمارية جمعت بين طراز الماضى وأصالته، وروعة الحاضر وحداثته، وعبقرية القادم ودقته، جعلته مقصدا لكل أهالى محافظة سوهاج والوافدين عليها، فالمسجد بنى على طراز فريد يختلف عن تصميم باقى المساجد بمحافظات الجمهورية.
البداية كانت قطعة أرض فضاء مساحتها 450 مترا مربعا، بنى على جزء منها مسجد قديم منذ عشرات السنين، ومع مرور الزمن انهارت أجزاء من المسجد لعدة أسباب منها عوامل التعرية والسيول التى كانت تضرب القرى من وقت لآخر خلال فصول العام، ولجأ الأهالى إلى الدكتور أسامة الأزهرى مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، وأحد علماء الأزهر الشريف، الذى تعود أصوله للقرية، لإعادة إحياء المسجد وترميمه، والذى تواصل مع المهندس وليد عرفة الباحث فى الفن والهندسة المعمارية الإسلامية لمعاينته وبسبب حالة المسجد المتدهورة؛ عرض المهندس المصمم على الدكتور الأزهرى، هدمه وتشييد مسجد آخر بتصميم جديد ومميز، واستغرق التصميم 6 أشهر بينما استغرق التشييد أكثر من عامين.
يتكون المسجد من بدروم وطابق أرضى وميزانين، فالقاعة الرئيسية بمساحة 160 مترًا مربعًا، والمسجد له بابان أحدهما يطل على الشارع الرئيسى، والآخر يطل على قطعه أرض فضاء بجواره، وللمسجد قبة بلغ اتساع قطرها 6 أمتار بارتفاع 3 أمتار، واستخدم لون البيوت المجاورة بنوع من الأحجار المعمارية، وهو الحجر الرملى الجيرى الذى يتلاءم مع طبيعة المكان ليتحمل الأتربة وأشعة الشمس.
يحتوى المسجد على مصلى للرجال وآخر للسيدات، وتلك هى المرة الأولى التى يتوافر فيها مكان خاص لمصلى السيدات داخل القرية، وخصص الدور الأرضى للقوافل الطبية وفصول محو الأمية، فضلًا عن وجود ساحة خارجية لاستقبال أعداد أكبر من المصلين فى أوقات العيدين وصلاة الجمعة وصلوات الجنائز.
وشكل ضيق المساحة وكثرة المبانى المجاورة وضيق الشوارع المحيطة بالمسجد تحديا فى تنفيذه ودخول المعدات المخصصة لإنشاء المسجد، وهو ما دفع المهندس المعمارى إلى مراعاة ذلك فى التصميم الخاص بالمسجد، فبمجرد أن تخلع نعليك وتطأ قدماك مدخل مسجد «أبوستيت» تجد نفسك فى مدخل مستوحي من مدخل مسجد قرطبة الكبير المتواجد فى بلاد الأندلس بتصميماته المثالية، لترفع رأسك عاليا لترى قبة المدخل وهى قبة تراثية قديمة، وتليها القبة المركزية فى منتصف المسجد والتى شيدت بطريقة مميزة وغير معتادة احتوت على 35 صف طوب رأسى بحيث تجذب الهواء وتمنع دخول أشعة الشمس والأتربة من خلال أحجار «بلوك محلى».
ويتم تصنيع تلك الأحجار فى مصنعين فقط أحدهما فى المنوفية والآخر فى الشرقية، كما تحتوى القبة على أجزاء خراسانية وأجزاء أخرى من الطوب الأحمر، والحجر الهاشمى، وهو حجر تم إجراء عدة اختبارات عليه لمعرفة مدى تناسبه مع طبيعة البيئة المحيطة بالمسجد، لتكون واحدة من التجارب الفريدة فى الإنشاء والتصميم، وبعد خطوات معدودة تجد نفسك أمام محراب المسجد والذى يحتوى على 99 مكعبا كل مكعب مكتوب عليه اسم من أسماء الله الحسنى، وهو مكعب معمول من الحجر «الألباستر» المنفذ للضوء.
أما أعمدة المسجد فتجد أنها سلكت تصميما مبتكرًا بحيث تأخذ دورانا مقصودا عكس عقارب الساعة، وعن مصلى السيدات، هناك جدار به عدة فتحات مربعة أوسع من جهة المصليات وأضيق من جهة الإمام، ليصل إليهم صوت الخطيب بشكل واضح، وعن مئذنة المسجد، نفذت على طريقة نسق حرف الألف فى الخط المنسوب عند بن مقلة وتجسدت فى 3 أبعاد وهى طريقة مبتكرة فى تصميم المساجد.
وعن المواقف المؤثرة أثناء تصميم وبناء المسجد، قال المهندس وليد عرفة، مصمم مسجد باصونة، إن سيدة تدعى آيات حسن يوسف، كان لها منزل ملاصق للمسجد، وكان به جزء داخل أرض المسجد وهو ما كان يشكل صعوبة بالغة فى التصميم، وبمجرد علمها بذلك قررت التبرع بغرفة من غرف منزلها للمسجد، وهو ما كان له تأثير على جودة تصميم المسجد.
وأضاف عرفة، أنه على الرغم من العمل بأدوات بسيطة إلا أن العمل ظهر بشكل تقنى، وحرصنا على تنفيذ المسجد بطريقة مبتكرة بمجهود معين مرتبط بروحانيات الدين الإسلامى.
وشاركت مصر من خلال مسجد باصونة الكائن بمركز المراغة بمحافظة سوهاج، لأول مرة فى جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد «2017-2020»، وهى جائزة مخصصة لعمارة وتشييد المساجد حول العالم لتشجيع الأفكار التخطيطية والتصميمية المختلفة، حيث كان المسجد هو المصرى الوحيد الذى فاز فى التصفيات الأولى حتى وصل ضمن الـ3 مساجد الفائزة النهائية، كما كرم الرئيس عبد الفتاح السيسى، المهندس وليد عرفة، مصمم المسجد، فى وقت سابق ضمن النماذج الشبابية الناجحة بختام ملتقى الشباب العربى الأفريقى، كما حصد «عرفة» جائزة ستون أووردز عن تصميم وتشيد «مسجد باصونة» الذى أنجزه بمحافظة سوهاج.
وحصل مسجد أبو ستيت التابع لقرية باصونة بمركز ومدينة المراغة بسوهاج على شهادة الاعتماد وضمان الجودة من الفئة «أ» وفق ما أعلنته وزارة الأوقاف، وهذه الشهادة تأخذ فى عين الاعتبار كل ما يتصل بالمسجد مبنى ومعنى من حيث العمارة والصيانة والأداء الدعوى، وعلى أن يتم إعادة تقييم وضع وأداء المساجد التى تحصل على هذه الشهادة كل 3 سنوات لمراجعة مدى حفاظها واستمرارها على المستوى التى وصلت إليه.