الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

على الدين هلال يكتب: العرب فى «بريكس»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

توقف الباحثون أمام تدافع الدول العربية على التقدم بطلبات لعضوية مجموعة بريكس فى مؤتمر القمة الذى انعقد فى جوهانسبرج فى ٢٢ أغسطس ٢٠٢٣. فمن أصل ٢٢ دولة تقدمت بطلبات رسمية للانضمام، كان منها ٧ دول عربية وهى مصر والسعودية والإمارات والجزائر والبحرين والكويت وفلسطين، أى بنسبة ٣٢٪. وأن الدول السِت الذين تمت دعوتهم للانضمام كان منها ٣ دول عربية أى بنسبة ٥٠٪. 
تتمثل دلالة ذلك فى تغير مكانة أمريكا والغرب لدى هذه الدول والرأى العام فيها، وأن الدول الغربية لم تعد تقدم نموذج التقدم الذى ينبغى أن تتبناه الدول العربية أو القدوة التى تحتذيها أو تتشبه بها. وتشير أيضًا، إلى شعور هذه الدول بأن هناك تغيرات عميقة فى بنية النظام الدولى، وأن التراتبية التى تمتع بها الغرب والأحادية التى مارستها الولايات المتحدة فقدت مُقومات استمرارها. 
لم تُقدم الدول العربية على هذه الخُطوة بين عشية وضحاها. فمِصرُ مثلًا أعربت عن رغبتها فى الانضمام للمجموعة من عدة سنوات وشاركت كمراقب فى عدد من اجتماعات القمة، وحضر رئيسها قمة «بريكس» عام ٢٠١٧، كما انضمت إلى بنك التنمية الجديد التابع للمجموعة، وهو ما قامت به الإمارات أيضا. ووفقًا لتصريح رئيس جمهورية جنوب أفريقيا فى أكتوبر ٢٠٢٢، أن ولى العهد السعودى أعرب له عن رغبة بلاده فى الانضمام لـ«بريكس». وصرح مسئول جزائرى فى نوفمبر ٢٠٢٢، بأن بلاده تقدمت بطلب رسمى للانضمام للمجموعة.
من التبسيط المخل تفسير ما حدث بأنه يرتبط بالعداء للغرب، فهذا غير صحيح. لأن الدول التى انضمت لـ«بريكس» تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى. ولكن الصحيح، تراجع ثقة هذه الدول فى واشنطن والعواصم الأوروبية، ورغبتها فى أن تكون لها سياساتها ومواقفها النابعة من مصالحها الوطنية. 
 


ويمكن تفسير هذا التغير، فى ضوء عدد من العوامل: لعل من أهمها الآثار السلبية للانسحاب الأمريكى من أفغانستان فى أغسطس ٢٠٢١ بدون نظام، فبعد عشرين عامًا من التدخل العسكرى فى أفغانستان فى ٢٠٠١ لإسقاط حكومة طالبان وإعادة بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية والتعليمية بمشاركة أمريكية واضحة، غيرت واشنطن موقفها فتفاوضت مع طالبان من وراء ظهر الحكومة الأفغانية المؤيدة لها، ووقعت اتفاقية لانسحاب القوات الأمريكية تاركة أفغانستان تحت رحمة طالبان. 
لا بد أن كثيرًا من القادة العرب توقفوا أمام هذا المشهد، وفكروا فى مدى جدية الضمانات السياسية والأمنية التى تقدمها واشنطن لهم. زاد الأمر سوء، الآثار السلبية الناجمة على قيام البنك الفيدرالى الأمريكى برفع سعر الفائدة مرات عديدة مُنذ ٢٠٢٢ على الأسواق الناشئة وارتفاع نسب التضخم فيها، وشجعها ذلك على البحث عن بدائل واختيارات أخرى. 
وهناك التدخل الغربى فى الشئون الداخلية للدول باسم العولمة أحيانا، وباسم الديمقراطية وحقوق الإنسان أحيانًا أخرى، والضغط على هذه الدول لعدم التعاون مع الصين فى نظم الاتصالات من الجيل الخامس، والضغط عليها لإلغاء هذا العقد أو ذاك المُبرم مع إحدى الشركات الصينية.
فى المقابل، كان الصعود الاقتصادى والسياسى للصين وزحفها الحثيث نحو قمة النظام الاقتصادى العالمى، ومعه طرح الصين لمفهوم مغاير للعولمة وهو «الحزام والطريق» الذى يقوم على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل فى شئونها الداخلية وأن تقوم العلاقات على قاعدة المصالح المتبادلة والمنافع المشتركة. ارتبط بذلك، استعداد الصين وروسيا لنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى هذه البلاد، ومنها التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية.
أثر على رؤية هذه الدول أيضًا، تداعيات الحرب الروسية فى أوكرانيا والتى تقترب من نهاية عامها الثانى دون ظهور مؤشرات جادة على قرب انتهائها. ومع أن الغالبية العظمى من الدول العربية، صوتت لصالح القرار الغربى بإدانة التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا، فإنها لم تساير الموقف الغربى بالنسبة لقرار تجميد عضوية روسيا فى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ولم تتعاون فى تطبيق العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو.
وعلى العكس، فقد تطورت علاقات وثيقة بين روسيا وكل من السعودية والإمارات فى إطار مجموعة «أوبك +»، وتوطدت العلاقات مع الجزائر. وشهدت مناسبة مرور ٨٠ عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وموسكو هذا العام، العديد من الأنشطة والندوات فى البلدين.
تشير مناقشات قمة «بريكس» فى جنوب أفريقيا وبيانها الختامى إلى رفض التدابير أحادية الجانب، والدعوة إلى تطوير الحوكمة العالمية من خلال تشجيع نظام أكثر مرونة وفاعلية وكفاءة، وضرورة توجه العالم نحو نظام متعدد الأقطاب يتيح للدول الصغيرة مزيدًا من حرية الحركة والمرونة فى اتخاذ قراراتها، وأن يساعدها فى تحقيق أهدافها التنموية، والاستجابة لتطلعات شعوبها المستقبلية. 
فليكن انضمام ثلاث دول عربية إلى «بريكس» مدخلًا لمشاركة عربية بشكل مؤسسى فى تغيير النظام الدولى وبناء عالم جديد.