احتلت الصين مركز متقدم كوجهة أولى عالمية للاستثمار الأجنبي متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية حسب تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أنذاك في عام 2021، حيث تراجعت الولايات المتحدة في حجم الاستثمارات الجديدة للشركات الأجنبية بمقدار النصف تقريبا عن عام 2020، مما رفع تأثير الصين على المشهد الاقتصادي العالمي.
وشهدت الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية مراحل متعددة، فمنذ تولي إدارة ترامب رئاسة أمريكا وهي تشجع الشركات على مغادرة الصين، وإعادة تأسيس عملياتها في الولايات المتحدة، كما حذرت إدارة ترامب الشركات والمستثمرين الصينيين من تطبيق تدقيق جديد عليهم حال الاستثمار في الولايات المتحدة، بناءً على أسس الأمن القومي.
الحرب الاقتصادية
قيودًا جديدة تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة "جو بايدن" على بعض الاستثمارات الأميركية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة الحسّاسة في الصين، خاصةً في قطاعات مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.
الخطوة التي ندّدت بها بكين وردّت عليها بتوجيه احتجاج "رسمي" لواشنطن، بررها "بايدن" في رسالة إلى قادة الكونغرس أبلغهم فيها أن الاستثمار الأمريكي في تسرّع ويزيد من نجاح تطوير تكنولوجيات حسّاسة ومنتجات في دول تصنّعها بهدف مواجهة قدرات الولايات المتّحدة وحلفائها.
ويسعى الرئيس الأمريكي تقويض ومنع الصين من الحصول على التقنيات الأكثر تقدما خوفًا من استخدامها لتعزيز التحديث العسكري، وستمنع القيود الجديدة شراء الأسهم الخاصة الجديدة ورأس المال الاستثماري واستثمارات المشاريع المشتركة في أشباه الموصلات المتقدمة وبعض تقنيات المعلومات الكمّية في الصين، مما يمنع الاستثمار الأمريكي المباشر وغير المباشر.
من جهتها اعتبرت الصين أن قرارات الولايات المتحدة تنحرف بشكل خطير عن مبادئ اقتصاد السوق والمنافسة العادلة التي لطالما روّجت لها، ويؤثر على قرارات الأنشطة التجارية العادية ويضرّ بالنظام التجاري الدولي ويقوّض بشكل خطير أمن سلاسل الصناعة والتوريد العالمية.
الصين والاقتصاد العالمي
تشير توقعات صندوق النقد الدولي نموا في الصين بنسبة (4.5٪) في عام 2024، بينما توقعت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى نمو الناتج الإجمالي المحلي الصيني بنسبة (5.1٪)، إلا أن وزارة التجارة الصينية قالت في تصريحات لها أن الاستثمارات الأجنبية في الصين قد انخفضت بنسبة 2.7% في النصف الأول من 2023 على أساس سنوي إلى 98 مليار دولار، ومن جهة أخرى، نمت الاستثمارات الصينية المباشرة في الخارج بنسبة 22.7% إلى 60 مليار دولار خلال نفس الفترة.
وأوضح رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي آدم بوسن قال أن الاقتصاد الصيني لم يستعد حيويته وما زال ينمو ببطء على الرغم من انتهاء الاجراءات الصارمة التي فرضتها جائحة كوفيد 19، حيث أثرت السياسات التشددية والتقييدية على ممارسة الأعمال التجارية في البلاد، كما ألقت بظلالها على إنتاجية الشركات، وفاقمت من صعوبات الحصول على القوى العاملة اللازمة لتسيير الأعمال.
وأظهرت بيانات الناتج المحلي الإجمالي للصين نموًا ضعيفًا ويتجه كما يبدو نحو الانخفاض، واعتبر "بوسن" أن خطورة انخفاض الناتج المحلي الصيني يعكس انخفاض استهلاك السلع في الصين وانخفاض معدلات الاستثمار في القطاع الخاص إلى مستويات متدنية سابقة بالإضافة إلى ارتفاع معدل ادخار الأسر الصينية.
وأوضح رئيس معهد الاقتصاد الدولي، أن انخفاض النمو الاقتصادي قد يسعد أمريكا وحلفائهم لكنه سيؤثر على بقية دول العالم، وسيكون له جوانب سلبية أخرى تؤثر على الجميع بما في ذلك الولايات المتحدة.
سباق التسلح بالذكاء الاصناعي
يُعد الاستثمار في مجال الذكاء الاصناعي سوق واعدة أمام جميع الدول التي تمتلك إمكانيات اقتصادية وموارد تسمح لها بالتصنيع والمجازفة، وظهر الاستثمار في الذكاء الاصناعي بمجال التسلح أهمية كبرى مثل الأسلحة ذاتية التشغيل، والطائرات بدون طيار (الدرونز)، وأسراب الدرونز، والروبوتات ذاتية التحكم.
واتجهت الدول الكبرى لضخ مزيد من الاستثمارات في مجالات المراقبة والاستطلاع، وتأمين الحدود، ودعم المهام اللوجستية العسكرية، وأيضًا المهام السيبرانية الخاصة بالحرب الإلكترونية.
ووفقًا لتقرير ميونخ الأمني 2023، فيرى "بولا كولر" و" جينترو بولي" أن الصين تتمتع بمكانة صناعية قوية في كل خطوة من عملية صنع الطائرات بدون طيار، وتعتبر أكبر مورد للمواد الخام، وتعتمد أوروبا بشكل خاص على الصين في ذلك الشأن.
بينما حذر مركز الأبحاث التابع لمركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة (CSET) في الولايات المتحدة، من استقطاب الصين علماء من الخارج في هذا التخصص برواتب مغرية للغاية لدعم خطتها، وجعلها تنفرد بمهارات غير متوفّرة في بلدان منافسة، وعدم مشاركة الصين أبحاثها الخاصة بالذكاء الاصطناعي وتقييد الوصول إلى المجلات الأكاديمية.
حرب الهيمنة
من جهته أكد الدكتور على الإدريسي الخبير الاقتصادي أن الصراع الأمريكي الصيني هو صراع الوصول الأول للهيمنة على الاقتصاد العالمي، وأن هذا الصراع ممتد اقتصاديًا وسياسيًا على مر التاريخ، لكنه أنه تفاقم خلال تولي إدارة ترامب خاصة في عام 2017، مع تطور الاقتصاد الصيني، وأن الأزمة الحالية ترتبط بشكل غير مباشر بدعم الصين الخفي لروسيا.
وأوضح "الإدريسي" في تصريحاته لــ "البوابة نيوز"، أان الصين تدعم روسيا من خلال استيراد النفط والحبوب، وإعادة تصديرها إلى الدول الأوربية، وبذلك تتخطي روسيا العقوبات المفروضة عليها بسبب الحرب الأوكرانية، وتكسب الصين جولات اقتصادية مشروعة.
وأضاف الخبير الاقتصادي لــ "البوابة نيوز"، أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول الضغط على الصين في عدة مجالات لكن القوة الصينية تستطيع تجاوز ذلك، وكانت آخر احصائيات الاقتصادية الخاصة بقوة تصدير الصين بلغت أكثر من 3 تريليون دولارـ لذلك هذه الصراعات لا تؤثر على الدول المتقدمة بقدر تأثيرها على الدول النامية والاقتصادات الناشئة.