الأحد 02 يونيو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المثقف وقيادة المجتمع نحو الإصلاح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كتب الكثير من المفكرين والسياسيين حول متطلبات الإصلاح وبناء نظام سياسي ديمقراطي حقيقي، وتعددت وجهات نظرهم تجاه هذا الأمر، ولكنهم اتفقوا على أن من أهم هذه المتطلبات:

-  إطار دستوري وتشريعي يتيح فرصة بناء نظام ديمقراطي.

-   تعددية حزبية ناضجة.

- مجتمع مدني قوي حر – "نقابات عمّالية، نقابات مهنية، الاتحادات الطلابية، الجمعيات والمؤسسات الأهلية"- ينمو ويتطور بفضل وجهود أعضائه ويدافع عن مصالحهم أمام السلطة ومؤسسات الدولة الرسمية، ولابد أن يكون مستقل عن السلطة ولا تُلحق بها أو بالتنظيمات السياسية التي يتم بنائها من قمة السلطة.

-  إعلام مستقل.

  • تداول سلمي للسلطة من خلال انتخابات حرة نزيهة.

- نظام حكم محلي شعبي حر.

- نخبة مثقفة من المفكرين والسياسيين تدعو وتحفز الشعب حكامًا ومحكومين إلى تحقيق المتطلبات السابقة وغيرها من متطلبات التنمية والديمقراطية.

 

 وفي هذا المقال نحاول معرفة معنى المثقف الذي يوكل إليه دور دعوة وتحفيز المجتمع، باستقلال وتجرد، إلى تحقيق متطلبات التنمية وبناء نظام ديمقراطي عادل، ويعد مفهوم المثقف واحد من المفاهيم التي يتجسد فيها فكرة الاختلاف بين المفكرين فقد تباينت الآراء بينهم في تحديد المقصود بمصطلح المثقف.

 

فمنهم من عرف المثقف بأنه: المتعلم، ومنهم من أكد على أن الثقافة: لا علاقة لها بالتعليم، واعتبر البعض أن كل الناس مثقفون ولكن الاختلاف يكمن في طبيعة الثقافة نفسها، ومنهم من يرى أن مفهوم المثقف يرتبط بالانتماء الطبقي، وفي ذلك يقول "برهان غليون": إن المثقف ينتمي إلى طبقة اجتماعية فاعلة في المجتمع، بحيث تتميز عن غيرها بتفكيرها العالي والناقد، وتدخل في عملية الصراع الاجتماعي والسياسي، وفي النهاية يكون تأثيرها واضحًا، إما من خلال مشاركات قوية لصنع السياسة والقرار السياسي، أو من خلال أعمال فكرية كبيرة تؤثر في الناس والمجتمع فكريًا وثقافيًا ومعنويًا. (من رسالة دكتور مصطفى مرتضى بعنوان المثقف والسلطة)، وعلى هذا السياق نجد "لويس فولير" يعرف المثقف: بأنه الشخص المتعلم المهني من الطبقة الوسطى، وأما "ادوارد شيلز" فينظر للمثقف من المنظور التعليمي الذي يكون سببًا للتكوين الطبقي فيعرفه بأنه: المتعلم الذي لديه طموح سياسي بالسعي ليكون حاكمًا لمجتمعه، أو السعي إلى صياغة ضمير مجتمعه.

 يعرف "جان بول سارتر" - في كتابه دفاع عن المثقفين - المثقف بأنه: الإنسان الذي يدرك ويعي التعارض القائم في المجتمع، ويدرك الفرق بين البحث عن الحقيقة العلمية والايديولوجيا السائدة، أي أنه الشخص الذي يمكنه التمييز بين الأحداث الاجتماعية المختلفة في مجتمعه.

ويرى المناضل الإيطالي الماركسي والفيلسوف السياسي "انطونيو جرامشي" الذي سجنه موسوليني بين عامي ١٩٢٦ و١٩٣٧ أنه بإمكان المرء القول: إن كل الناس مثقفون، لكن ليس لهم كلهم أن يؤدّوا وظيفة المثقفين في المجتمع. ويرى غرامشي أنه يمكن تصنيف الذين يؤدون الوظيفة الفكرية في المجتمع إلى نوعين:

-  يضم أولهما المثقفين التقليديين مثل المعلمين، ورجال الدين، والإداريين، ممن يواصلون أداء العمل نفسه من جيل إلى جيل. 

-  ويشمل ثانيهما المثقفين العضويين، الذين اعتبرهم جرامشي مرتبطين على نحو مباشر بطبقات أو بمؤسسات تجارية تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح، واكتساب المزيد من القوة، وزيادة السيطرة. ولذا يقول غرامشي عن المثقف العضوي: إن منظم الأعمال الرأسمالي يخلق الى جانبه التقني الصناعي، والاختصاصي في الاقتصاد السياسي، ومسؤولين لإنشاء ثقافة جديدة أو نظام قانوني جديد، إلى ما هنالك، وفقًا لغرامشي يُعتبر في عالم اليوم خبير الإعلان أو العلاقات العامة، الذي يستنبط أساليب تضمن لمسحوق غسيل أو شركة طيران حصة أكبر من السوق، مثقفًا عضويًا. فهو إنسان يحاول، في مجتمع ديموقراطي، كسب موافقة الزبائن المحتملين، ونيل الاستحسان، وتوجيه رأي المستهلك أو الناخب. وكان غرامشي مؤمنًا بأن المثقفين العضويين يشاركون في المجتمع بنشاط، أي أنهم يناضلون باستمرار لتغيير الآراء وتوسيع الأسواق. فالمثقفون العضويون هم دائمو التنقل، دائمو التشكل، على عكس المعلمين والكهنة، الذين يبدون وكأنهم باقون في أماكنهم، يؤدون نوع العمل ذاته عامًا بعد عام.

 

 وهناك أيضًا تعريف "جوليان بندا" الشهير للمثقفين بأنهم: عصبة صغيرة من الفلاسفة، الذين يتحلون بالموهبة الاستثنائية وبالحس الأخلاقي الفذ، ويشكلون ضمير البشرية. ووفقًا لرأي بندا فإن خيانة المثقفين تتمثل في: أنهم إذا تنازلوا عن سلطتهم الأخلاقية لمصلحة ما يسميه في تعبير تنبؤي، "تنظيم العواطف الجماعية" مثل الروح الطائفية، والمشاعر الجماهيرية، والعدوان القومي، والمصالح الطبقية. وكان بندا يكتب هذا الكلام عام ۱۹۲۷، أي قبل فترة طويلة من عصر وسائل الإعلام الجماهيري، لكنه أدرك كما يقول إدوارد سعيد: كم هو هام للحكومات أن تحول إلى خُدّام لها أولئك المثقفين الذين من الممكن أن يُطلب منهم ألا يُطلقوا الدعاوة ضد الأعداء الرسميين، ويستعملوا العبارات الملطّفة، وأن يبتكرون على نطاق أوسع أنظمة كاملة من اللغة الأورويلية – أي لغة المجاملة -، التي يمكنها إخفاء حقيقة ما يجري باسم «النفعية» المؤسساتية أو «الشرف القومي».

 

 ويعرف "ادوارد سعيد" المثقف بأنه: الشخص الملتزم، والواعي اجتماعيًا، بحيث يكون بمقدوره رؤية المجتمع، والوقوف على مشاكله وخصائصه وملامحه، وما يتبع ذلك من دور اجتماعي فاعل من المفروض أن يقوم بتصحيح مسارات مجتمعية خاطئة - (من كتابه خيانة المثقفين). فهو فرد وهب نفسه لتقديم وتجسيد وتبيين رسالة أو رؤية أو موقف أو فلسفة أو رأي إلى جمهور ولأجله أيضًا، وهذا الدور له مخاطرة أيضًا، ولا يمكن للمرء أن يؤديه دون الشعور بأن مهمته هي طرح الأسئلة المربكة علنًا، ومواجهة التّزمت والجمود، وأن يكون شخص لا تستطيع الحكومات أو الشركات الكبرى احتواءه بسهولة، والذي مبرر وجوده هو أن يمثل هؤلاء الناس والقضايا التي نُسيت بشكل روتيني أوكُنست تحت البساط – (كتاب صور المثقف). 

 

  من خلال العرض السابق حول مفهوم المثقف يتبين أن المثقف لا يرتبط بمستوى تعليمي محدد، بل يرتبط بصفة رئيسية بمقدار تفاعله مع القضايا اليومية، وأنه يفقد صفته إذا لم يتفاعل مع تلك القضايا، وكما جاء في رأى غرامشي إذا لم يقوم بالوظيفة لا يستحق الصفة، وعن ممارسة المثقف لدوره يجب أن يمارسه بكفاءة، وهو وسط الجماهير لا في موقع السلطة، ويجب أن يكون المثقف جريئًا وصاحب كلمة حق وشجاعًا، كما يرى ماركس أنه يستطيع الذهاب بالمذهب العقلاني إلى أبعد مدى وأن يقوم بنقد صارم لكل ما هو موجود – (محمد عابد الجابري من كتابه المثقفون في الحضارة العربية) -  وعلى ذلك فالمفهوم الإجرائي للمثقف:

-  الشخص الذي يتمتع بقدر من الثقافة العلمية والاجتماعية والسياسية والدينية.

- يتواجد في موقع معين يؤهله لأن يكون فردًا فاعلًا في توجيه الرأي العام وتغيير العقول والأفكار.

- التفاعل مع مختلف القضايا السياسية والاجتماعية في المجتمع وإبداء الرأي والمشورة.

-  الاحتكاك والتفاعل مع مختلف أفراد المجتمع من خلال موقعه المهني والثقافي.

-       لديه قدرة نقدية لما هو كائن.

-       لدية قنوات اتصال بالجماهير سواء من خلال المؤلفات أو العضوية في المؤسسات الثقافية. 

-       يشارك من مختلف المنابر العلمية والدينية والسياسية.

-     وهو شخص مستقل عن السلطة ودوائرها.